لندن ـ وكالات
تنشأ مدن جديدة حول العالم، في حين أن المدن التي نعيش فيها منذ قرون، باتت تتوجه متحولة نحو الحداثة متطلعة إلى المستقبل. وقد يمثل ذلك جزئيا رد فعل على الازدحام واكتظاظ السكان والتلوث البيئي من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة ارتباط العالم المتزايد بعضه ببعض، ما يعني ربط مدن برمتها بشبكة الإنترنت.
* مدن ذكية المدينة الذكية تعني استخدام بيانات حركة الطرق لتخفيف الازدحام، أو تلك التي ترمي إلى ربط الخدمات سوية، لتأمين معلومات أفضل حول المواطنين، وبالنسبة إلى الكثيرين من الناس فإنها تتعلق بجعل المدن أكثر اخضرارا وفاعلية.
وترى مؤسسات تقنية كبرى مثل «آي بي إم»، و«سيسكو» المدن الذكية فرصا تجارية، لكن إلى جانب المشاريع التي تروج لها التقنيات، هنالك مشاريع أكثر تعمقا ترمي إلى تمكين المواطنين، وإتاحة المجال أمامهم للتصريح بالشكل الذي يرونه لمدينتهم. وفي هذا الموضوع نتناول بعض مشاريع المدن التي يكثر الحديث عنها.
* سونغدو، كوريا الجنوبية: بالنسبة إلى الكثير من الناس تعتبر هذه المدينة مثالا حيا للمدينة الذكية. وقد أقيم مشروع المدينة الذي بلغت كلفته 35 مليون دولار، على أرض جرى استصلاحها قرب البحر الأصفر، ولطالما اعتبر نموذجا للمدن الذكية التي تقام حول العالم عندما انطلق في عام 2005.
وسونغدو التي تعرف أيضا ب«مدينة يو» (U - city)، أي «المدينة الكلية الوجود»، موصول بعضها ببعض، عن طريق منظومات معلوماتية، حيث جعلت النقاد يصفونها بمدينة داخل علبة، لتكون معرضا للتقنيات، وليس بالضرورة مدينة مثالية لعيش السكان داخلها. كما أن أجهزة الاستشعار موجودة في كل الأمكنة، بحيث إن السلالم الكهربائية لا تتحرك إلا إذا كان هنالك شخص عليها.
كما أن جميع المنازل لها حضور مرئي حتى من بعيد، مشيدة مرافقها بداخلها، أشبه بغسالة الصحون، فضلا عن أنها تتيح لسكانها التحكم بنظم التدفئة وإقفالها، وتوفير مؤتمرات فيديو لتكون وسيلة للتعليم والتثقيف، والرعاية الصحية، وتوفير الخدمات الحكومية.
كذلك فإن المكاتب والمدارس موصولة أيضا إلى هذه الشبكة. والعقل الرقمي المدبر وراء كل هذا، هو شركة «سيسكو» التي تقدم جميع هذه التقنيات الشبكية. وسينتهي العمل في هذه المدينة في عام 2015 لتكون موطنا لنحو 65 ألفا من السكان، ونحو 300 ألف عامل.
* مدينة ذكية إماراتية
* مصدر، الإمارات العربية المتحدة: تنتصب مدينة مصدر وسط صحراء أبوظبي، وقد صممت لتكون واحدة من أكثر المدن المستدامة على وجه هذه الأرض، حيث محطة الطاقة الشمسية تقبع في قلبها، ومزارع الرياح تؤمن التيار الكهربائي لها خالية من التلوث بثاني أكسيد الكربون. ومن المدهش فعلا أنها مقر للشركات العاملة بالتقنية النظيفة.
وكل شيء في المدينة، من المياه إلى النفايات، يجري حسابه وقياسه ومراقبته ليصبح من المصادر المعلوماتية. والمدينة برمتها شيدت على منصة مرفوعة لإتاحة المجال أمام «السمكريين الرقميين» للوصول بسرعة إلى نظام التقنيات المتطورة هذه التي تقوم بتشغيلها.
وهي صديقة للمشاة، وخالية من السيارات تماما، بحيث إنها تختبر شبكة من العربات الكهربائية الصغيرة التي لا يقودها سائق. ونظام النقل الشخصي السريع هذا (بي آر تي) سيعمل تحت مستوى شوارع المدينة بنحو ستة أمتار.
وقامت شركة «نورمان فوستر» للهندسة المعمارية التي صممت عددا من الأبنية التي لفتت الأنظار، ومنها «سيتي هول» في لندن، بتشييد مباني المدينة، التي من المؤمل أن يقطنها 40 ألف شخص في نهاية المطاف، مع قيام 50 ألفا آخرين بالتوجه إليها يوميا ذهابا وإيابا.
* ريو دي جانيرو، البرازيل: ستكون ريو محط أنظار العالم ووسائل إعلامه خلال السنوات القليلة المقبلة، عندما ستستضيف بطولة العالم لكرة القدم عام 2014 لتعقب ذلك الألعاب الأولمبية بعد ذلك بسنتين، مما لا يدعو للاستغراب أنها راغبة في التحول إلى مدينة ذكية.
وفي عام 2010 طلب رئيس بلدية ريو غدواردو بليس، من شركة «آي بي إم» إنشاء مركز للعمليات يغطي المدينة كلها، ليقوم بوصل وكالاتها ومرافقها الثلاثين، ابتداء من النقل، وصولا إلى خدمات الطوارئ.
وهذا يعني أن المسؤولين القابعين عبر المدينة، بات بمقدورهم التعاون لإدارة حركة السير والنقل العام، مع التأكيد أن إمدادات الطاقة والمياه أصبحت تعمل بكفاءة أكثر. كما بات بالإمكان الاستجابة بشكل متناسق أكثر لدى وقوع الأزمات، مثل انهيار المباني؛ إذ يمكن مثلا إيقاف حركة النقل، واستنفار خدمات الطوارئ، وإغلاق إمدادات الغاز، في حين يمكن تبليغ المواطنين بالطرق البديلة عن طريق «تويتر».
كذلك قام علماء الأبحاث في «آي بي إم» بإنتاج نظام معقد للتنبؤ بحالة الطقس، الذي يستمد بياناته من أحواض الأنهار، والإحصاءات الأرضية، والتسجيلات التاريخية لمعدلات سقوط الأمطار التي مصدرها البلديات، والتغذيات الرادارية لتوقع سقوط الأمطار، وإمكانية حدوث الفيضانات بصورة مفاجئة.
وقد شرع هذا النظام بتقييم تأثيرات الطقس على وضع المدينة، مثل حركة السير داخلها، وانقطاع التيار الكهربائي. وقد قام المركز أيضا بإنتاج عدد من التطبيقات التي تركز على خدمة السكان، مع تحديثات خاصة بالطقس وحركة السير.
وفي الواقع يعتمد هذا النظام على أجهزة «آي بي إم»، في حين أن برمجياته باتت تعني أن بمقدور المدينة إعداد نشرات الإرشادات والتعليمات.
* نظم تحكم موحدة
* برشلونة، إسبانيا: أدلى مانويل سانروما كبير المسؤولين عن المعلوماتية في مجلس بلدية برشلونة بتصريح جريء في العام الماضي، جاء فيه أن مدن المستقبل ستصبح من القوة والعظمة أكثر بكثير من بلدانها. وقد أكدت مؤتمرات المدن الذكية حول العالم على الحاجة إلى وجود رئيس بلدية قوي راغب في تحمل مسؤولية رسم مخططات لمثل هكذا مدن. ويبدو أن برشلونة مصممة لتكون واحدة من هذه المدن الرائدة؛ إذ في جعبتها بعض المشاريع المثيرة التي يجري الكشف عنها حاليا. وقد أسست المزيد من الخطوط الفعالة للحافلات، ونظمت جمع النفايات، مستخدمة أدوات الاستشعار، وأدخلت مصابيح ذكية لإنارة الشوارع.
كما يجري تطوير نظام عمليات للمدينة الذي من شأنه توحيد جميع النظم تحت مظلة واحدة، لكن بخلاف ريو دي جانيرو، لن تكون هنالك غرفة تحكم مركزية واحدة، وفقا لسانروما، الذي أكد أنه غير راغب في قاعة عرض، بل بإنجاز عملي يخص أصحاب القرار.
ولعل أحد المشاريع الكبيرة التي هي قيد التطوير حاليا، إدخال عملية دفع التعرفات من دون أي لمس، أو اتصال، على خطوط النقل كافة في المدينة. وسانروما حريص على التعاون مع سائر المدن، وهو لهذه الغاية أنشأ «جمعية بروتوكول المدن» التي ترمي إلى وصل المدن برمتها حول العالم بالأعمال والجامعات والمنظمات الأخرى، لتطوير مستويات ومعايير لأغراض إنشاء منصة تقنية قادرة على العمل في أي مدينة. ومن المدن التي وقعت على هذا البروتوكول، لشبونة وأمستردام وسان فرانسيسكو وشيكاغو وبيونس آيرس.
* لندن، إنجلترا: تعود بعض أجزاء مدينة لندن إلى أيام الرومان، لذا فقد لا يبدو خيارا واضحا في أن تكون مدينة مستقبلية، لكن هنالك الكثير من المشاريع التي يجري تطويرها حاليا؛ فهي خسرت مؤخرا جائزة بقيمة 24 مليون جنيه إسترليني أمام مدينة غلاسكو، مقدمة من مجلس استراتيجيات التقنيات، بغية تحويلها إلى مدينة مستقبلية، لكنها تبقى مختبرا خصبا للتقنيات الذكية.
وقد اختارت شركة «إنتل» لندن كحاضنة لاختبار الخوارزميات، التي من شأنها مد مدن المستقبل بالطاقة. فهي قد تشاركت مع جامعتي «إمبيريال كولدج»، و«يونيفيرستي كولدج لندن» لتنفيذ سلسلة من المشاريع، بما فيها شبكة من المستشعرات، لرصد نوعية الهواء، وحركة السير، وإمدادات الهواء. وسيعمل علماء الكومبيوتر أيضا لإيجاد السبل الأفضل الآيلة إلى استخلاص المعاني من هذا الكم الهائل من البيانات التي سينتجها هذا المشروع.
كذلك هنالك مشاريع تدور حول المجموعات الصغيرة من السكان، من شأنها أن تشكل وجه لندن المستقبل،، وفقا لقناة «بي بي سي» الإنجليزية، إذ تشترك شركة «إنجينيرنغ كونسلتنت أرب» للاستشارات في مشروع لإعادة إحياء منطقة توتنهام، في أعقاب عمليات الشغب التي حصلت عام 2011، وهي لهذه الغاية عقدت محادثات مع السكان المحليين، بمن فيهم رجال العصابات الذين اشتركوا في عمليات الشغب هذه. ويعتقد مالكوم سميث من الشركة المذكورة، أن مثل هذه المشاريع غير الرسمية، هي بالأهمية ذاتها، كالمخططات الرسمية الكبيرة الأخرى.
أرسل تعليقك