الغاز الطبيعي الذي يتكون أساساً من الميثان هو أنظف أنواع الوقود الأحفوري احتراقاً. وعندما ينتج الميثان عن مصادر غير أحفورية، كالمخلفات العضوية في المزارع ومحطات معالجة الصرف الصحي ومطامر النفايات الصحية، يمكن عده أحد أساليب استخلاص الكربون من الجو.
وفي المقابل، يُلحِق الميثان المتسرّب إلى الجو ضرراً كبيراً بالبيئة، حيث تمثّل انبعاثاته المساهم الأكبر في تغيُّر المناخ بعد ثاني أوكسيد الكربون. علاوة على ذلك، يؤثر الميثان على نحو غير مباشر في تغيُّر المناخ، إذ يتأكسد إلى ثاني أوكسيد الكربون وبخار الماء، كما يساهم في تكوين الأوزون الأرضي الذي يودي بحياة مليون شخص سنوياً.
- النشاط البشري
تبلغ كمية الانبعاثات العالمية من الميثان نحو 560 مليون طن في السنة، أي نحو 4 في المائة، في مقابل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تصل إلى 14.5 مليار طن. ولا تعكس هذه الأرقام الخطر الحقيقي للميثان، لأن تأثيره الإشعاعي عند تحرره مباشرة في الجو يزيد 120 مرة عن تأثير ثاني أوكسيد الكربون.
وتصل دورة حياة الميثان في الجو إلى 12.4 سنة، قبل أن يتلاشى تأثيره بفعل الأكسدة أو عودته إلى الأرض والكتلة الحيوية. وهذه الفترة قصيرة نسبياً إذا ما قيست بدورة حياة ثاني أوكسيد الكربون، الذي تزول 50 في المائة من انبعاثاته في غضون 37 سنة، في حين تبقى 22 في المائة ناشطة في الجو آلاف السنين.
ولتسهيل المقارنة بين غازات الدفيئة، يستخدم العلماء حالياً أفقاً زمنياً يبلغ 100 سنة لتحديد قدرة غاز ما على التسبب في الاحترار العالمي، ويجري تحويلها إلى ما يعادلها من ثاني أوكسيد الكربون، أو ما يعرف اختصاراً بالمكافئ الكربوني. ويبلغ المكافئ الكربوني لكل طن واحد من الميثان 28 طناً من ثاني أوكسيد الكربون، وإذا جرى تضمين الآثار غير المباشرة للميثان على تغيُّر المناخ يصبح مكافئه الكربوني 36.
ومع نهاية سنة 2019، كان تركيز الميثان في الجو 1875 جزءاً في المليار، ويزيد هذا التركيز مرتين ونصف عن مستويات ما قبل النهضة الصناعية. ويرى باحثون أن أغلب هذه الزيادة ناتج عن قطاعات الزراعة وإدارة النفايات والوقود الأحفوري.
وتشير ورقة بحثية أعدها باحثون في المشروع الدولي «غلوبال كربون بروجكت»، ونُشرت في منتصف 2020، إلى أن ما أطلقه العالم من الميثان سنة 2017 يزيد بمقدار 9 في المائة (50 مليون طن) عن المتوسط المسجّل خلال السنوات بين 2000 و2006.
وفي حين يتسبب النشاط البشري بنحو 60 في المائة من انبعاثات الميثان العالمية، بينما تأتي الكمية المتبقية من المصادر الطبيعية، تخلُص الورقة البحثية إلى أن الزيادة الأخيرة في انبعاثات الميثان ناتجة بمجملها عن النشاط البشري، حيث ساهمت الزراعة والنفايات بنسبة 60 في المائة من هذه الزيادة، واستحوذ الوقود الأحفوري على النسبة المتبقية.
وفي حين تساهم المناطق الاستوائية ونصف الكرة الجنوبي بنحو 64 في المائة من انبعاثات غاز الميثان العالمية، تساهم خطوط العرض الوسطى في نصف الكرة الشمالي بنسبة 32 في المائة، وخطوط العرض العليا بنحو 4 في المائة فقط. وتنتج معظم الانبعاثات في المناطق المدارية وخطوط العرض العليا عن الأراضي الرطبة، بينما تزداد الانبعاثات البشرية المنشأ في الصين وأميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط بسبب إنتاج الوقود الأحفوري.
وتقدم الورقة البحثية بعض المعطيات المطمئنة، وربما المفاجئة، حيث لم تجد دليلاً حتى الآن على زيادة انبعاثات الميثان من القطب الشمالي. وتحتوي التربة الصقيعية في الدائرة القطبية الشمالية على مليارات الأطنان من الكربون والميثان التي يمكن أن تتحرر مع ذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، وتزيد بالتالي من الاحترار العالمي، مما يجعل ذوبان الجليد على نطاق واسع «نقطة تحوُّل» محتملة في نظام الأرض.
- خفض الانبعاثات
وقد وجد تقرير علمي، صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العلمية للأرصاد الجوية، أن التدابير التي تستهدف ملوثات المناخ القصيرة العمر كالميثان يمكن أن تحقق نتائج إيجابية للمناخ ونوعية الهواء ورفاهية الإنسان خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.
وتُظهر دراسات متعددة أن مجموعة مختارة من الإجراءات لخفض انبعاثات الميثان يمكن أن تقلل الاحترار القريب المدى للمناخ، وتزيد غلّة المحاصيل، وتقلّل الوفيات المبكرة. ويقترح «تحالف المناخ والهواء النظيف» الذي يمثّل شراكة بين مجموعة من الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والمؤسسات العلمية عدداً من الإجراءات حسب مصدر الانبعاثات يمكنها خفض الميثان بنسبة 40 في المائة بحلول 2030.
ففي مجال الزراعة، يدعو التحالف إلى تحسين إدارة السماد وجودة الأعلاف الحيوانية، وتطبيق تهوية متقطعة لحقول الرز المغمورة باستمرار، وتحسين صحة الحيوان وتربيته، وإدخال التربية الانتقائية لتقليل شدة الانبعاثات وزيادة الإنتاج، وتحسين معالجة مخلفات المزرعة عن طريق التخمير اللاهوائي، واعتماد مبادئ توجيهية بشأن الخيارات الغذائية الصحية. ولما كانت الأبقار من أكثر حيوانات المزارع إنتاجاً للميثان، عن طريق فضلاتها الصلبة والسائلة والغازات المنبعثة من جهازها الهضمي، بدأت بعض الدول -مثل هولندا- بدعم المزارعين للتحوّل إلى بدائل، مثل تربية الأغنام والماعز التي تنتج كميات أقل من الميثان، إلى جانب تعديل أنواع العلف.
وفي مجال الوقود الأحفوري، يقترح التحالف إزالة الغازات قبل التعدين، مع استعادة وأكسدة الميثان في منظومة تهوية مناجم الفحم، وتقليل التسرب من أنابيب نقل وتوزيع الغاز، واستعادة واستخدام الغازات والانبعاثات المتسربة في أثناء إنتاج النفط والغاز الطبيعي.
وفي إدارة النفايات، يؤكد التحالف على فصل ومعالجة النفايات البلدية القابلة للتحلل، وتحويلها إلى سماد عضوي أو طاقة حيوية، وترقية معالجة الصرف الصحي لاستعادة الغاز والتحكم في تحرره، وتحسين التخمير اللاهوائي للنفايات الصلبة والسائلة الناتجة عن الصناعات الغذائية، وجمع واستخدام غاز مكبات النفايات.
وتُظهر تقديرات الوكالة الدولية للطاقة التي صدرت مطلع سنة 2021 أن انبعاثات الميثان لسنة 2020 أقل بنحو 10 في المائة من انبعاثات السنة التي سبقتها. وتعلّل الوكالة هذا الانخفاض في جانب كبير منه إلى الانخفاض في إنتاج النفط والغاز على مدار العام، خاصة في البلدان والمناطق التي يرتبط فيها الإنتاج بكثافة الانبعاثات، مثل ليبيا وفنزويلا. كما لعب تراجع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة دوراً في خفض هذه الانبعاثات، وساهم في ذلك أيضاً إدخال قواعد تنظيمية جديدة لغاز الميثان في عدد من البلدان، مثل كندا والمكسيك. ويعمل الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق لواردات الغاز في العالم حيث تأتي معظم إمداداته من روسيا، على تعديل لوائح غاز الميثان الخاصة به.
وتقدّر الوكالة أنه يمكن تجنب نحو 10 في المائة من تسربات الميثان الحاصلة في سنة 2020 من دون كلفة إضافية، لأن قيمة الميثان الملتقطة كافية لتغطية كلفة إجراءات التخفيف. ومع أن هذه الحصة أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة، بسبب الانخفاض غير المعتاد في أسعار الغاز خلال 2020، فمن المتوقع ازدياد النسبة إذا استمر الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي، كما هو حاصل منذ مطلع 2021.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أعلنت العشرات من شركات النفط والغاز العالمية التزامها بخفض ما نسبته 45 في المائة من انبعاثات غاز الميثان في الصناعة بحلول 2025، وأن يصل التخفيض إلى 60 حتى 75 في المائة بحلول 2030. وتضم هذه الشركات «بريتيش بتروليوم» و«رويال داتش شل» و«توتال»، إلى جانب شركات أخرى تمثل بمجموعها 30 في المائة من إنتاج النفط والغاز في العالم. كما أطلقت السعودية في قمة العشرين الأخيرة التي استضافتها في الرياض مبادرة «الاقتصاد الكربوني الأخضر» التي تقوم على التقاط الكربون والميثان لإعادة استعمالهما في عمليات منتجة غير ملوّثة. وتقود شركة «أرامكو السعودية» برامج كبرى في هذا المجال.
وكانت وزارتا البيئة والنفط في العراق اتفقتا في السنة الماضية على تكوين فريق فني مشترك لفهم طبيعة وحجم انبعاثات غاز الميثان من قطاع النفط والغاز في البلاد بشكل أفضل. وتقدّر قيمة الميثان المهدر في العراق بنحو 1.5 مليار دولار، ويمكن استرداد 64 في المائة منه من دون مصاريف إضافية.
ومن مصلحة الجميع، لا سيما صناعة النفط والغاز، المتابعة في خفض انبعاثات غاز الميثان، وتطوير طرائق سليمة بيئياً واقتصادياً لالتقاطه وتحويله إلى استعمالات نظيفة مفيدة. وبصرف النظر عن المكاسب البيئية والصحية، من المرجح على نحو متزايد أن تتمتع النشاطات ذات الانبعاثات الأقل بميزة تجارية عن تلك ذات الانبعاث الأعلى. وبالنسبة للصناعة، يعدّ تقليل تسرب الميثان إلى الغلاف الجوي الطريقة الأكثر أهمية وفاعلية من حيث الكلفة في تقليل الانبعاثات الإجمالية.
قد يهمك ايضا :
ظهور 4 فوهات عملاقة غامضة في سيبيريا ينبأ بكارثة طبيعية
الصين تخطط لاستثمار 50 مليار يوان في مشاريع غاز الميثان الريفية
أرسل تعليقك