بريد الليل الأكثر تعقيدًا بين روايات القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية
آخر تحديث GMT12:26:39
 العرب اليوم -

"بريد الليل" الأكثر تعقيدًا بين روايات "القائمة القصيرة" لجائزة "بوكر العربية"

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "بريد الليل" الأكثر تعقيدًا بين روايات "القائمة القصيرة" لجائزة "بوكر العربية"

جائزة "بوكر العربية"
الكويت - العرب اليوم

تُعد رواية «بريد الليل» لهدى بركات الأكثر تعقيداً من بين الروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر العربية» لهذا العام؛ فالشكل جديد، ومُتشابك في نسيجه الداخلي، والمضمون متنوّع يصعب حصره في «نوفيلا» تتألف من 126 صفحة من القطع المتوسطة. وعلى الرغم من وجود الشخصيات الخمس الرئيسية وبقية الشخصيات الثانوية، فإنها لا تحمل أسماء محددة، كما تدور الأحداث في اللامكان؛ الأمر الذي يضفي تحديات جديدة لصعوبة البنية الروائية التي بدت متماسكة، ومتضامّة إلى أبعد الحدود.

تبدو هذه النوفيلا الصادرة عن «دار الآداب» في بيروت سُريالية في مضمونها؛ لأن الشخصيات الخمس تعرف سلفاً أن هذه الرسائل لن تصل إلى المُرسَل إليهم، فلقد مَحت الحروبُ العناوينَ، ودمّرت الشوارع، وألغت مهنة ساعي البريد أصلاً. وعلى الرغم من أن هدى بركات لا تحب الرموز، ولا تميل إليها أصلاً، فإن هذه النوفيلا لا يمكن قراءتها واستيعابها بعيداً عن القراءة الرمزية التي تمنح النص السردي بُعداً مجازياً مُطعّماً بالنَفَس السُريالي المُشار إليه سلفاً. فثمة قطيعة بين المُرسِل والمتلقّي وكأن الرسائل لا تنطوي إلا على شيفرات مستعصية لا يمكن فكّ رموزها أبداً، كما أن الغالبية العظمى من أُناس هذا النص السردي لا يُحسنون قراءة روح العصر وتمثّله، والتناغم مع معطيات ثورته الإلكترونية التي قلبت العالم رأساً على عقب.

تقترب هدى بركات كثيراً من أجواء الروائي الفرنسي ألن روب - غرييه الذي يُراهن على تشتّيت الثيمة الرئيسية ويطلب من القارئ أن يُعيد ترتيبها من جديد لأنه يعتقد بفكرة القارئ العضوي الذي يجب أن يشارك في كتابة النص الروائي، فهو جزء حيوي من العملية الإبداعية وليس طارئاً عليها. وفي «بريد الليل» تطالبنا هدى بركات أن نعيد ترتيب الأحداث المتشظيّة وتنسيقها على وفق الرؤية الفنية للقارئ الخلاق.

اقرأ ايضًا:

جائزة البوكر للرواية العربية تُعلن عن القائمة القصيرة لعام 2019

ولكي نحيط القارئ بمضمون النوفيلا لا بد من إتباع تقنية التبئير التي تسلّط الضوء على الثيمات والأفكار الرئيسية في المتن السردي. فأصحاب الرسائل الخمس هم مهاجرون أو مهجّرون عرب تركوا أوطانهم لأسباب متعددة، من بينها القمع والاستبداد والأنظمة الديكتاتورية المتخلّفة، لكن البعض الآخر قد يهاجر لأسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، أو يبحث عن متنفس واسع للحريات الفردية المنفلتة لا يتوفر في معظم البلدان العربية؛ الأمر الذي يدفعهم للهجرة إلى المنافي البعيدة في أوروبا والغرب الأميركي.

تتضمّن الرسالة الأولى التي كان ينوي الابن أن يكتبها لأمه، لكنه في تداخل تقني جميل يحوّل الرسالة إلى حبيبته، ورغم أن المُرسِل لا يمتلك موهبة سرد الأخبار، فإنه ينغمر في كتابتها ما دام أنها ستكون الرسالة الوحيدة في حياته. تنطوي الرسالة على نقاط مهمة، أبرزها وفاة أمه التي وضعته في سن الثامنة أو التاسعة من عمره في القطار، وأخبرته بأن عمه ينتظره في العاصمة. وعندما تموت هذه الأم يشعر بالكآبة والخوف والتخلّي. ثم يجد نفسه منغمساً في المعارضة، لكن المعارضين يعتقدون أنه مشبوه، ومنتفع، وعدائي يجب مراقبته؛ لذا أصبح مفلساً وبلا أوراق رسمية، وعليه أن يقترن بامرأة طاعنة في السنّ كي يحصل على أوراق الإقامة والتجنيس. ثمة رجل من المخابرات يراقبه في البناية المقابلة ويعتقد أن موظف القنصلية الذي رفض تجديد جواز سفره هو الذي أرسله كي يراقبه ويُحصي عليه أنفاسه.

أما الرسالة الثانية، فهي موجهة من امرأة إلى حبيبها، وقد كتبتها عندما عثرت على الرسالة الأولى في دليل الفندق وهي قلقة على صاحبها وتتصور أنه يقبع في السجن بعد أن توهم أن مخابرات بلده تراقبه. تنطوي الرسالة على اعترافات صريحة بأنه يتعاطى المخدرات وأن إقامته غير شرعية فتتعاطف معه، وتشعر بأنها تعرفه وكأنها صديقة قديمة له. وتعتقد بأنها ستجد له أثراً في أحد المقاهي الباريسية التي تجمع الشباب العرب التائهين والهاربين من شيء ما. كما تزدان الرسالة بأفكار جانبية مؤازرة مثل الجار الذي ألقى بنفسه من الطابق الخامس بعد أن ذبحوا ابنه أمام عينيه، وفكرة الضابط النازي الذي يخترق الجمال قلبه فيترك «عازف البيانو» حياً، والفكرة الثالثة هي تماهي المرسلة مع شكل الأب، وحركاته، وطريقة كلامه.

تكتظ الرسالة الثالثة بالأحداث؛ فهي موجهة من ابن إلى أمه يتحوّل من ضحية إلى جلاد فيتعرف عليه أحد الضحايا الجدد ويدعي بأنه عذّبه شخصياً، وهو ينتمي إلى مخابرات النظام. لم يكن تحوّله سلساً فقد اغتصبوه وعذّبوه قبل أن يتعاون معهم، وينفّذ جميع أوامرهم. وبما أنه لا يستطيع البقاء في هذا البلد فقد فكّر في العودة، لكنه ما إن يلتقي بالمرأة الكبيرة سناً، ويشتبك معها في علاقة حميمة لا سبيل للفكاك منها يتورط بقتلها، وتقطيع أوصالها بطريقة بشعة فقد سبق له أن قتل أناساً كثيرين ولن يجد ضيراً في مواصلة القتل بدم بارد.

تتداخل الرسالة الرابعة بين الابن المجرم الذي يخاطب أمه وبين الأخت التي تراسل شقيقها حيث حاول المجرم إخفاء الرسالة التي كتبها إلى أمه قبل أن يصلوا إليه فحشرها بقوّة في جانب المقعد الملتصق بجدار الطائرة يقول فيها بأنه قتل المرأة التي آوته وأراد النفاذ بجلده. أما رسالة الأخت الضمنية فهي تشرح لأخيها قصتها المأساوية وتخبره بأنها تعمل مومساً وتنظّف ستين مرحاضاً قبل الساعة العاشرة صباحاً بعد أن هجرها زوجها، كما تقوم أمها بتزويج ابنتها إلى شخص متحول جنسياً يسيء معاملتها ولا تنقذ ابنتها الوحيدة إلا بشق الأنفس.

أما الرسالة الخامسة والأخيرة التي يوجهها الابن إلى أبيه بعد أن تحفزّه رسالة امرأة وحيدة ومستوحشة مثله تماماً عثر عليها في خزانته الصغيرة في البار، وهي مثل رسائل أخرى بلا عنوان وبلا إمضاء تعترف فيها المرأة إلى شقيقها المسجون الذي أخفت عنه حقائق كثيرة. وهذه الرسالة التي لم تصل أيضاً تمثل الصوت الذي لم يسمعه أحد منذ البداية وكأن صاحبه ينفخ في قربة مثقوبة. يعترف الابن في خاتمة المطاف بأنه مشرّد، ومريض، ومفلس، ويريد العودة إلى البيت.

تتكشّف الأحداث في الفصل الثاني الذي عنونته الكاتبة «في المطار»، وهو مكان مجهول أيضاً، فنعرف أن أباه قد مات من الإنهاك، وأن أخته تطلّقت وعادت إلى البيت مع ابنتها. وبينما يقبع هو في السجن تزوّر شقيقته الأوراق، وتبيع البيت، ثم تسرق مخدومتها وتقتلها وتتهم الزوج بالجريمة. يعتقد الأخ بأن شقيقته تركت البلد وذهبت إلى جهة مجهولة، لكنه موقن بأنها سوف تعود من أجل ابنتها بعد موت الأم.

يفكر ساعي البريد في الفصل الثالث بالرسائل التي لا تصل إلى أصحابها، وبعد أن يفرغ من قراءتها يصنّفها بحسب تواريخها، ودرجة أهميتها، ثم يكتب رسالته لمن يأتي بعده ويضعها قرب فهرس الرسائل، فلربما يموت قبل أن يصل أحد إلى هذا المكان.

يتوجب على القارئ الآن أن يعيد ترتيب الأحداث التي تجمعت في ذاكرته بعد قراءة هذا النص، ويستنتج الثيمة التي يراها مناسبة لـ«بريد الليل» الذي لن يصل أبداً.

وقد يهمك ايضًا:

إفتتاح سيرة حب علي مسرح البالون آخر كانون الثاني

معرض "الشارقة الدولي" يستضيف نخبة من الأدباء والكتّاب العرب في دورته الـ 37

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريد الليل الأكثر تعقيدًا بين روايات القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية بريد الليل الأكثر تعقيدًا بين روايات القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة

GMT 19:13 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يؤكد أنّ حماس لن تحكم غزة بعد الحرب

GMT 08:10 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

غادة عبد الرازق تثير حيرة جمهورها برسالة غامضة

GMT 21:39 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا تكشف عن معايير اختيار أدوارها

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

لا سامح الله من أغلق ملفات الفساد

GMT 02:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 12:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تأثير ساندرا نشأت في مشواره الفني

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

جنوب إفريقيا تتسلم رئاسة مجموعة العشرين للعام 2025 من البرازيل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab