طرابلس - العرب اليوم
فيما يخطو البلد خطوات حثيثة بالمسار السياسي على طريق الانفراجة، يواجه المجتمع الليبي جملة من التحديات شديدة الصعوبة والتعقيد، ضمن تداعيات الصراع الذي عانت منه البلاد منذ عام 2011.ومن بين تلك التحديات، قضايا مرتبطة بأساسيات المعيشة على غرار أزمة الكهرباء المتفاقمة، إلا أن تقريرا صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، سلط الضوء على نُذر أزمة أو "كارثة إنسانية وشيكة" تهدد ملايين الليبيين، من بينهم قرابة مليون ونصف طفل، مرتبطة بإمدادات المياه.
وطبقا للبيانات التي كشفت عنها "يونيسيف" مؤخرا، فإن ليبيا على شفا أزمة إنسانية وشيكة، بالنظر إلى وجود نحو 4 ملايين مواطن (من بينهم 1.5 مليون طفل) يواجهون نقصا وشيكا في المياه.وفي الوقت الذي عبرت فيه المنظمة عن قلقها لما آلت إليه أوضاع المياه والصرف الصحي في ليبيا، تضمنت البيانات التي نشرتها الإشارة إلى خروج الكثير من الآبار عن العمل؛ بسبب الاعتداءات المتكررة على منظومات النهر الصناعي.وحذرت في الوقت ذاته، من "انهيار كامل لمنظومة المياه وإيقاف إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي"، في الوقت الذي ترتبط فيه 45 بالمئة فقط من المنازل والمؤسسات في ليبيا بالشبكة العامة للصرف الصحي.
الحقوقي الليبي سراج التاورغي، يشرح أبعاد تلك الأزمة في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، قائلا: "أزمة المياه في تقديري بدأت بإهمال المشروع الرئيسي للمياه في البلد، وهو مشروع النهر الصناعي الذي يحتاج إلى أعمال صيانة دورية، لمواصلة تدفق المياه لكل المدن والمناطق الليبية".وتابع: "للأسف منذ فبراير 2011 وهذا المشروع تم إهماله بشكل كبير جدا، وللأسف رأينا بعض الحوادث التي تعرض لها المشروع، مما تسبب في عدم وصول المياه لعدة مناطق ليبية، خصوصا أن ليبيا دولة كبيرة مترامية الأطراف تحتاج كمية كبيرة من المياه، ولهذا حدث شح المياه في البلد".ووفق المكتب الإقليمي للمنظمة، فإن تدهور شبكة المياه يسهم في فقدان كميات كبيرة من المياه تصل إلى 50 بالمئة، علاوة على أن محطات التحلية تعاني من عدم توفر المعدات التشغيلية والمواد الكيماوية اللازمة.
عمليات تخريب
ويقول الإعلامي والكاتب السياسي الليبي فايز العريبي، إنه "لم تكن هناك أية مشكلة في المياه في ليبيا، لا سيما بعد مشروع النهر الصناعي، الذي يعد أضخم مشاريع نقل المياه في العالم"، لافتا إلى أن المشكلة حدثت بعد "عمليات تخريب" وصفها بـ "المتعمدة"، شهدتها البلاد على مدار السنوات الماضية.وكانت "يونيسيف" قد ذكرت في أحدث تقاريرها أن "الاعتداءات المتكررة على منظومات النهر الصناعي العظيم تسبب في خروج قرابة 190 بئرا عن العمل من منظومات الجفارة والحساونة والسرير وتازربو، مما يؤدي إلى تهالك الشبكة".وأكدت أن "الاعتداءات تلك تأتي في ظل غياب تام لحماية هذه الآبار الاستراتيجية والحيوية، المغذية لمدن الساحل الغربي ومدن الجبل الغربي ومدينة الشويرف والمناطق المحيطة، وتردي الوضع الأمني بالمنطقة".
وأوضح العريبي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "العبث الذي تتعرض له منظومات النهر الصناعي ، تسبب في تلك الإشكالية، وهناك العديد من المشاهد الموثقة التي تثبت حجم ذلك العبث منذ 2011 وحتى الآن، الممثل في عمليات التخريب الواسعة بحق هذا الإنجاز الوطني الذي طالته يد الغدر العابثة من الميلشيات وبعض المواطنين، دون وجود رادع وفي ظل غياب آليات الحماية والردع".وسبق أن ناشدت إدارة النهر العظيم، أكثر من مرة، السلطات بالبلاد، إلى حماية الآبار الاستراتيجية ومكونات مشروع النهر الصناعي، في مواجهة الاعتداءات التي تمثل تهديدا واسعا لإمدادات المياه للمدن الليبية.
تبعات اقتصادية
بدوره، يرصد الباحث والخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، التبعات الاقتصادية لتلك الأزمة وانعكاساتها على المواطن الليبي بشكل مباشر، باعتبار أنها تثقل كاهل ملايين المواطنين ممن يضطرون لشراء حاجياتهم من المياه بشكل يومي، في ظل شح المياه في كثير من المناطق.وأكدت "يونيسيف" في بيانها الأخير، الذي تضمن الإشارة إلى "أزمة السيولة السائدة بالبلاد والتي فرضت ضغوطا إضافية على القدرة المالية للأسر على تحمل تكاليف شراء المياه بالشاحنات، وبالتالي زيادة العبء الاقتصادي عليها".وفيما دعت "يونيسيف" صناع القرار والمسؤولين والمنظمات الدولية "لإعطاء الأولوية لقطاع المياه والصرف الصحي من خلال التوفير العاجل للأموال اللازمة لإجراء عمليات الصيانة"، يلفت الصلح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "ملف المياه يجب أن يكون على سلم أولويات الحكومة".
وتابع: "يجب أن يكون الأساس ضمن المشاريع الاستراتيجية للدولة الليبية، والتي تتطلب تنفيذا عاجلا، لتوفير سبل الحياة المناسبة للمواطن الليبي"، موضحاً أن "الفساد الذي تعاني منه ليبيا تسبب في هذا الوضع الراهن، لأنه كانت هناك مخصصات ومخططات لمشاريع المياه، لم تجد طريق التنفيذ بسبب الفساد".ويوضح الباحث الاقتصادي أن "أزمة المياه هي أزمة تتفاقم مع التطورات التي شهدتها ليبيا، وسبق للحكومات السابقة أن وضعت خططا ومشاريع للمستقبل، خاصة بمصادر جديدة للمياه وإنشاء محطات جديدة، وتم الإنفاق على بعض تلك المشروعات، لكن الفساد المالي والإداري أثر بشكل كبير حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه، ليتضرر نحو 4 ملايين ليبي ويصبحوا مهددين بنقص وشيك للمياه".
كارثة إنسانية
الممثل الخاص لليونيسف في ليبيا عبد القادر موسى، ذكر في بيان قبل أيام، أن "التوفير العاجل للأموال اللازمة لإجراء الصيانة، سيضمن استمرارية إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي الكافية".وأوضح أن المجتمعات ستكون "قادرة على ممارسة النظافة الصحية اليومية للحد من انتقال فيروس كوفيد-19، وبالتالي تجنب وقوع كارثة إنسانية، من شأنها أن تؤثر على أكثر من 4 ملايين شخص، بما في ذلك 1.5 مليون طفل".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أزمة الكهرباء المزدوجة تحوّل يوميات اللبنانيين إلى معاناة متواصلة
حكومة شرق ليبيا تكشف شرط تسليم السلطة التنفيذية إلى المجلس الرئاسي الجديد
أرسل تعليقك