بيروت _ العرب اليوم
يصدر عن دار «ثقافة» للنشر والتوزيع، قريباً، كتاب «سؤال التسامح: مدخل لبناء نسق إنساني حضاري» للدكتور محمد بشاري، وهو مكون من سبعة فصول: البناء المفاهيمي والدلالي، التسامح بمنظور أعلام وفلاسفة المسلمين، التسامح بين المدارس الفلسفية والمرجعيات الدينية، التسامح في المواثيق الأممية والقانون الدولي، تعزيز قيم التسامح «مبادرات عربية وإسلامية»، والأخلاق مادة الإنسان الأولى، و«نحو عالم متسامح». وهذا النسق يستخرجه المؤلف من المقدمات المعرفية الكبرى لمفهوم التسامح وينطلق منها لبناء مقاربته القيمية لمبادئ التسامح والتعايش، والفلسفات والتشريعات التي تناولتهما على مر العصور؛ ثم يقوم برفدها بأفكار حية ومبتكرة سوف تشكل قيمة مضافة على ما سبق أن تناوله المفكرون.
كتب مقدمة الكتاب د. الدكتور رضوان السيد، وجاء فيها: «السماحة في اللغة والتقاليد العربية والإسلامية تعني كرم النفس وكرم اليد، والتعامل الحسن والمنفتح مع الناس. وفي السيرة النبوية وصفٌ له عليه الصلاة والسلام أنه كان سمحاً إذا باعَ، سمحاً إذا اشترى. بل إن الدين الإبراهيمي كله سمتُه أنه حنيفية سمحاء، أي أنه يُسْرٌ لا عُسْر فيه، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: الدين يُسْر ولن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه. ونصح الأئمة والدعاة بقوله: يسروا ولا تُعسروا، وبشروا ولا تنفروا.
بيد أن مقولة التسامح في الأزمنة الحديثة لها أُصول أُخرى، تتعلق بالصراع الديني الأوروبي بين الكاثوليك والبروتستانت في القرنين السادس عشر، والسابع عشر. ولهذا وبعد منتصف القرن السابع عشر ظهرت كتاباتٌ كثيرة تدعو إلى التسامح في الدين، وإلى مدنية الحكم. وأشهر من كتب في ذلك الفيلسوف جون لوك (1632 - 1704)، كتب رسالة في التسامح (1689) ورسالتين في الحكم المدني (1689).في سبعينات القرن التاسع عشر عرف المثقفون العرب كتابات جون لوك مترجَمة إلى الفرنسية. وقد استخدموا مصطلح «الحكم المدني»، (Civil)، لأن الفارابي (339هـ/950م) كان قد استخدمه في مؤلفاته مراراً (فصول في المدني، والسياسة المدنية). لكنهم ما استخدموا مفرد التسامح في الترجمة لمصطلح Tolerance مع أنهم كانوا يعرفون معناه جيداً أو لأنهم كانوا يعرفون، بل استخدموا مفرد التساهل (أديب إسحاق: 1874). فالمعنى الدقيق لـTolerance يعني التحمل على مشقة ومعاناة. فأنت أيها الكاثوليكي أو البروتستانتي يمكن أن تكون على حقٍ في الدين أو الاعتقاد، لكن ليس من حقك إثارة حربٍ على المختلف معك في الدين أو في الاعتقاد بداعي حصرية الحقيقة التي تؤمن بها. لا بد أن تتحمل الاختلاف حتى لو كان ذلك شاقاً عليك، أو ستظل الحروب الدينية ناشبة حتى يتفانى الناس، ويهلك الدين المسيحي كله!
بعد أربعين أو خمسين سنة من معرفة كتاباَي جون لوك وكتب فرنسية أُخرى، بدأ المثقفون العرب يستخدمون مفرد التسامح بدلاً من التساهل (ضد التشدد والتعصب). وقد كان ذلك أمراً صائباً، لأنه خُلُقٌ عربي أصيل، ولا مشقة لدى العربي والمسلم في الاعتراف بالاختلاف الديني أو الاجتماعي أو السياسي، كما يطلب الدين، وكما يطلب الخُلُق العربي الأصيل. وبخاصة أنه في أواخر القرن التاسع عشر تطورت مقولة التسامح في الغرب الأوروبي والأميركي لتصبح مقولة شاملة في الاختلاف والاعتراف وسواء أكان الاختلاف دينياً أو سياسياً أو ثقافياً. لقد صار التسامح جزءاً من ثقافة الديمقراطية الليبرالية».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
300 إصدار من معهد الشارقة للتراث إهداء لمكتبة بيت الحكمة
أرسل تعليقك