أوديب ملكًا لسترافنسكي أسطورة الإغريق على خطى هاندل
آخر تحديث GMT12:46:45
 العرب اليوم -

"أوديب ملكًا" لسترافنسكي: أسطورة الإغريق على خطى هاندل

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "أوديب ملكًا" لسترافنسكي: أسطورة الإغريق على خطى هاندل

بيروت ـ وكالات

حيث قدمت أوبرا «أوديب ملكاً» للموسيقي الروسي الأصل إيغور سترافنسكي، في العام 1974 في باريس بعد ان جرى تجاهلها - تقريباً - طوال نصف قرن من الزمن، أي منذ عروضها الأولى في العامين 1926-1927، لم يكن على خطأ ذلك الناقد الذي تحدث عن العرض الجديد قائلاً: «إن هذه الأوبرا تأسر المشاهد، وتجعله حابساً أنفاسه منذ النوطة الأولى وحتى النوطة الأخيرة، دافعة اياه ليقول لنفسه وحمرة الخجل تعلو وجنتيه: آه كم اننا أسأنا بتجاهلنا الى هذا العمل الفني الكبير». والحال ان ثمة من حوّل هذه الأوبرا لغزاً يبدو مستعصياً على الحل، وبسيطاً في آن معاً، يتعلق بعقود التجاهل التي طالت، والتي كانت ضحيتها. وربما يكمن حل اللغز في ان سترافنسكي نفسه لحّن الأوبرا، في سنوات كانت فقيرة إجمالاً في الميدان الفني، إذ ان أواسط سنوات العشرين من القرن الفائت، كانت صاخبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكانت تشهد انطلاقة فن السينما والغناء الفردي، الى درجة ان بعض الفنون، ومنها الأوبرا، عرفت تراجعاً لافتاً، بالنسبة الى تقديم ما هو كلاسيكي منها. فكيف الأمر اذا كان ما يقدم، عملاً حديثاً ينطلق في الوقت نفسه من اقتباس للأسطورة الأوديبية الشهيرة قام به شاعر وكاتب طليعي لم يكن ليلقى استقبالاً طيباً من لدن الجمهور في ذلك الحين، ونعني به جان كوكتو؟ > فالحال هي ان إيغور سترافنسكي، حين أراد ان يقدم عملاً أوبرالياً يسم به القرن العشرين كله، اختار الانطلاق من نص جان كوكتو، الذي كان هذا الأخير أنجزه في العام 1925، وعلى الفور ما إن قرأه سترافنسكي حتى وجد فيه ضالته. وهكذا أمضى سنتين في تلحينه، غير مدرك ان الجمهور لن يتبعه، أول الأمر، وغير مدرك أيضاً ان سبعينات ذلك القرن ستعيد الى العمل كل اعتباره، وعلى الأقل ضمن اطار فورة الاهتمام المتجدد بفن الأوبرا، وكذلك ضمن اطار الاهتمام بإعادة اكتشاف أعمال سترافنسكي نفسه الكبيرة بعد رحيله في العام 1971. > وهكذا، مهما كان من أمر، عادت أوبرا «أوديب ملكاً» لتتربع على عرش كان من حقها، وعادت لتتخذ مسرى حياة خاصاً بها. وهي بهذا، تضاف الى سلسلة الأعمال الكبيرة والخالدة التي ما فتئت منذ العصور اليونانية القديمة تستقي من تلك الأسطورة، بدءاً من تراجيديات اسخيلوس وسوفوكليس، وصولاً الى اقتباسات درايدن وفولتير ونيكوليتي، وحتى اشغال فرويد واشتغالات اندريه جيد وهوفمنشتال، ثم فيلم بيار باولو بازوليني الأشهر. ذلك ان جان كوكتو لم يكن، بالطبع، المفتون الوحيد بأسطورة أوديب... فعلى الدوام كان ثمة من يستلهمها ويشتغل عليها، الى درجة انها تعتبر الاسطورة التأسيسية وأسطورة الأساطير، من حيث رسمها بدقة - قد تُساجَل أحياناً - للعلاقة العضوية في الوسط العائلي. > المهم ان سترافنسكي كان يعتبر نفسه على حق، حين أراد ان يحذو حذو من سبقه من الموسيقيين (بورسيل وتسنغاريللي وانطونيو ساكيني، بين آخرين) في تحويل الأسطورة الى أوبرا، فاستعان بنص كوكتو، اذ ان هذا النص، الذي يبدو شديد الراهنية في تعامله مع الاسطورة، جاء في الوقت نفسه بسيطاً لا يحتاج الى تعمّق، بل كتب اصلاً ليقدم على شكل اوراتوريو، من جانب سترافنسكي وبمصاحبة موسيقاه. والواقع ان العمل الذي بدأ في تعاون بين كوكتو وسترافنسكي، متخذاً سمة الأوراتوريو، سرعان ما تحول نحو الطابع الدرامي في شكل حتمي. وهكذا صار ثمة نوع من المزج بين الأساليب، حتى وإن ظل سترافنسكي يعتبر عمله، في نهاية الأمر، تحية الى فن الأوراتوريو كما أسّسه هاندل. > حين وضع سترافنسكي ألحان «أوديب ملكاً» كان لا يزال يسعى جاهداً لكي يتم الاعتراف به، وكان قد حقق أعمالاً كثيرة، غير ان تلك الأعمال لم تكن قد تمكنت من ان تفرض نفسها. وكانت الأوساط الموسيقية لا تزال تفضل ان تتعامل مع الموسيقي الروسي الشاب بصفته عازف بيانو وقائد أوركسترا ماهراً، اكثر مما بصفته مؤلفاً. وكان هو يريد ان يقلب صورته تماماً. وقد اتته الفرصة بعدما حقق كونشرتو له كان وضعه في ذلك الحين («كونشرتو البيانو وآلات النفخ») قبولاً ملحوظاً. ومن هنا أراد ان ينتقل الى مستوى ثانٍ، يتيح له في الوقت نفسه ان يحيي المعلم الكبير هاندل، صاحب اشهر اوراتوريو في تاريخ الموسيقى («مسّيا»). وهكذا، إذ اكتشف نص جان كوكتو (المتحدث عن أوديب الذي تأخذه الأقدار فيقتل أباه من دون ان يدري أنه أبوه، ويتزوج أمه من دون ان يعرف انها أمه، وقد صار بعد ذلك ملكاً) غاص في العمل راغباً في ان يجعل من عمله «إنجازاً جمالياً يقف خارج الزمن» وهو واثق بأن عملاً من هذا المستوى سيكون وحده القادر على «إغواء جمهور الأوبرا المثقف الذي صار هو جمهور هذا الفن الوحيد في القرن العشرين». وهكذا مزج سترافنسكي بين الطابع الدرامي المطلق للأغاني الفردية، وبين الأسلوب الكلاسيكي (الهاندلي - نسبة الى هاندل - تقريباً) الذي لحّن به أجواء الكورس. وهكذا بدا غناء الكورس حيادياً خالياً من أية أحاسيس ومشاعر، ما نزع الطابع الدرامي الاندماجي عن العمل في اللحظات التي يتدخل فيها الكورس - وكأننا هنا أمام بريختية صرفة منقولة من المسرح الخالص الى الموسيقى الخالصة -. وهكذا، انطلاقاً من لعبة المزج بين الطابع الدرامي، بل الميلودرامي العاطفي جداً أحياناً، والطابع المحايد، بزغ تلحين هجين جعل النقاد يقولون باكراً ان «التفاصيل ولا سيما منها تدخلات جوكاست تبدو وكأنها تحرف اهتمام المشاهد المستمع في اتجاهات عدة - ما ينزع عن العمل وحدة كانت متوخاة له». غير ان هذا الأمر الذي اعتبر في حينه عيباً ونقصاناً، سيتخذ أبعاداً أخرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حين تكون ثورة الموسيقى وتفجر الأساليب والأنواع، قد اكتملت، ما أعطى العمل حداثة راهنة، من الصعب تصور ان سترافنسكي كان يقصدها أو يتوخاها في ذلك الوقت المبكر، حتى وإن كان من المطلعين على بدايات تلك الثورة كما تجلت في مدرسة فيينا، وعلى يد اصحاب الموسيقى الاثني عشرية (البن برغ، وشوينبرغ وغيرهما). > المهم ان ذلك كله أضفى على «أوديب ملكاً» لكوكتو / سترافنسكي راهنية مطلقة، وحقق ما كان فرويد يقوله دائماً من ان أوديب بيننا، لا يبارحنا ولا يمكنه ابداً ان ينتمي الى التاريخ ليصبح جزءاً من متحفه. وحسبنا للتيقن من هذا، ان نصغي مرات ومرات الى كورس اهل طيبة وهو يحيي وصول جوكاست، أو الكورس نفسه وهو يلقي على أوديب، في النهاية، وبلاتينية مدهشة، وداعاً أخيراً صارخاً بما يشبه النحيب والاحتفال - ربما بانبعاث جديد - : «وداعاً يا أوديب... اننا كلنا نحبك». إذ هنا في تلك اللحظة يحدث للموسيقى «التي، كما يقول النقاد، كانت قبل ذلك وطوال العمل تبدو منفصلة عن الشخصيات بغية تحقيق مبدأ التغريب، أن تبدو وكأنها عادت للالتقاء بتلك الشخصيات جاعلة منها ومنهم كلاً واحداً، معطية العمل ككل قوة عاطفية، كان العمل، طوال الوقت يبدو رافضاً لها». > وإيغور سترافنسكي المولود عام 1882 في اورانينباوم في روسيا (ليموت العام 1971 في نيويورك)، يعتبر واحداً من كبار موسيقيي القرن العشرين، ومجدداً أساسياً في فن الكتابة للباليه، إن لم يكن من في الكتابة، للأوبرا أو للأعمال الأوركسترالية الصرفة. والطريف ان سترافنسكي درس أول ما درس، القانون الجنائي وفلسفة التشريع في جامعة سانت بطرسبورغ، متخرجاً فيها العام 1905. وفي ذلك الحين، ارتبط بصداقة وتلمذة مع الموسيقي الكبير رمسكي - كورساكوف. وفي عام 1909 دعاه دياغيليف (مجدد الباليه الروسي) وقد فتنته قطعة كتبها الموسيقي الشاب، متأثراً بهاندل، ليكتب موسيقى عروض باليه روسية قدمت في باريس، وهكذا كتب على التوالي موسيقى باليهات «عصفور النار» و «بتروشكا» و «تطويب الربيع»، وكلها اعمال حققت نجاحاً. لكن سترافنسكي كان يعتبر نفسه فاشلاً إذ كان يتطلع الى نجاحات موسيقية خالصة تأتيه بفضل كونشيرتات وسيمفونيات وأوبرات. لكن ذلك لم يتحقق له. بل إن همته تراجعت خلال السنوات التالية. وهو عاش في باريس بين 1920 و1939، وفيها كتب أهم أعماله التالية لـ «أوديب ملكاً»، مثل «سيمفونية اغرامير» وباليه «بولنشينيلا»، كما كتب عملين راقصين لآيدا روبنشتاين (التي كتب لها رافيل «البوليرو» الشهير). وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية هاجر سترافنسكي الى الولايات المتحدة، حيث أتيح له ان يكتب أعمالاً سيمفونية وأوبرالية كان يحلم بها منذ زمن بعيد. وهو ظل يكتبها حتى العام 1966، لكن اياً منها لم يرق الى أعماله القديمة والشهيرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوديب ملكًا لسترافنسكي أسطورة الإغريق على خطى هاندل أوديب ملكًا لسترافنسكي أسطورة الإغريق على خطى هاندل



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
 العرب اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 12:46 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
 العرب اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab