بغداد ـ وكالات
صدر حديثًا للكاتب إبراهيم الحيدري ، عند دار الساقي، كتاب "النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة" في طبعته الأولى.
يقول المؤلف ابراهيم الحيدري في مقدمة كتابه: "ان ما نهدف اليه في هذا الكتاب هو رصد المفاهيم والنظريات والاتجاهات النقدية في مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة ومحاولة توضيح الخلط والالتباس في المصطلحات والمفاهيم بين الحداثة وما بعد الحداثة, وبين التحديث والمعاصرة, وطرحها للمناقشة والتفكيك والنقد ومن اجل نشر وتداول فكر تنويري يتسلح بادوات التفكيك والتحليل والنقد والتساؤل والمراجعة والتدقيق والمحاكمة وتحريك الذهن ودفعه في مغامرة البحث والتقصي ونقد ما هو غريب ومجهول ومحرم ومخفي وممنوع".
ويضيف: "ان هدف هذا الكتاب هو محاولة لاعادة الاعتبار للروح النقدية العقلانية وقيم التنوير, انطلاقا من ان النقد هو المحرك الاساسي لعملية التطور والابداع والتغيير الاجتماعية, آملين ان يسد الكتاب الفراغ الكبير في المكتبة العربية".
اشتمل الكتاب على سبعة فصول الى جانب المقدمة والملاحق. الفصل الاول جاء بعنوان (الاصول الاجتماعية والثقافية والفلسفية لمفهوم النقد) فبعد التعرض لمفهوم النقد اصطلاحا ومفاهيميا استعرض المؤلف الارهاصات النقدية الاولى في الفكر اليوناني, منتقلا الى النقد في الفكر الاجتماعي والفلسفي في الاسلام, وموضحا لعلم الكلام والمجتمع: بدايات الحركة التنويرية, والى اين" ادى النقد في الفكر والفلسفة العربية الاسلامية دوره المهم من خلال الجدل في بعض القضايا الايمانية كمشكلة خلق القرآن الذي تطور لدى المعتزلة وافكارهم العقلانية الى جانب النقد الادبي والعلمي الذي تطور مع ازدهار الحضارة العربية الاسلامية في العصر الوسيط".، ومحاولا الاجابة على التساؤل الكبير والمتداول زمنا والى الآن: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟ لينتقل بالحديث مباشرة عن النقد في عصر النهضة الاوربية وعن ملامح التفكير الاجتماعي والفلسفي في عصر النهضة, ثم عن حركات الاصلاح الديني, ليختم هذا الفصل بالصراع بين العلم والكنيسة.
بداهة لا يمكن مطلقا في هذه السطور المجتزئة والترويجية للكتاب, الوقوف عند كل شاردة وواردة خوفا من عدم احقاق ما ينبغي احقاقه موضوعيا, الا اننا نسعى هنا الى احاطة القارىء الكريم بمحتويات الكتاب بالقدر الممكن ايمانا منا بأهمية الكتاب برمته.
الفصل الثاني جاء بعنوان (عصر التنوير والحداثة) مبينا المؤلف انقلابية عصر التنوير, وما هو التنوير؟ وما ملامحه الرئيسة؟ ثم التوقف عند نظريات العقد الاجتماعي وصولا الى (الحداثة) والنقد الفلسفي عند (كانت) وهيغل.
أما الفصل الثالث وعنوانه (النظرية النقدية محاولة لفهم العالم وتغييره) بحث فيه المؤلف "عن نشوء وتطور النظرية النقدية في علم الاجتماع والثقافة والفلسفة التي اتخذت فيما بعد اسم مدرسة فرانكفورت وارتبطت باسمي هوركهايمر واودورنو اللذين سبقا غيرهما في نقدهم للفكر الاجتماعي والفلسفي التقليدي وانتقالهما من نقد الفكر الى نقد المجتمع ومؤسساته" وصولا الى النظرية النقدية اليوم, في نقد وتقويم علمي وموضوعي بارز.
(رواد مدرسة فرانكفورت) هو عنوان الفصل الرابع من الكتاب, وهم: ماكس هوركهايمر مؤسس النظرية النقدية, وادورنو فيلسوف القرن العشرين, وماركوزه المرتبط اسمه بفلسفة الرفض, واريك فروم وفالتر بنيامين ويورغن هابرماس، لنصل الى الفصل الخامس الموسوم (الحداثة وما بعد الحداثة) مبتدئا بالسؤال المهم: ما الحداثة (Modernity)؟ الذي "يشير – أي المصطلح – بوجه عام الى سيرورة الاشياء بعد ان كان يشير الى جوهرها ويفرض صورة جديدة للانسان والعقل والهوية تتناقض جذريا مع ما كان سائدا في القرون الوسطى"، شارحا المؤلف بعد ذلك المبادىء الاساس التي تقوم عليها الحداثة كالعقلانية والتنوير والتقدم الاجتماعي. مثبتا عنوانات اخرى مثل: الفلسفة وما بعد الحداثة, والفلسفة الوجودية وآباء ما بعد الحداثة ثم الحداثة الثانية, وما هي التفكيكية؟ متوقفا عند ميشيل فوكو وجيل الاختلاف, ثم عند نقد ما بعد الحداثة والعولمة وحوار الحضارات.
في الفصل السادس (الاسلام والحداثة) ينطلق المؤلف من اهمية عصر النهضة في العصر الاسلامي الوسيط الذي وضع اسس مشروع تحديث وتنوير وتقدم اجتماعي طارحا اشكالية الفكر الاجتماعي والفلسفي النقدي. كذلك الفكر المعتزلي ومستوياته الدينية والعلمية والتجريبية, اذ شكل "العرب والمسلمون آنذاك مرجعية فكرية أغنت الثقافة الاوربية عن طريق ترجمة امهات الكتب العلمية والفلسفية الى اللغة اللاتينية".
ويقول المؤلف في هذا الصدد: "وقد حاول العرب من جديد صياغة مشروع اصلاح وتحديث قادر على مواجهة التحديات للخروج من مأزق التخلف الحضاري فنشأت عن ذلك ثلاثة تيارات رئيسة: الاول التيار الديني الذي نادى بالعودة الى الاسلام الاول وتوحيد المسلمين في امة واحدة, والتيار الليبرالي الذي ضم القوميين العرب الذين نادوا بالوحدة العربية بديلا للخلافة الاسلامية, والتيار التقدمي الذي نادى بالاشتراكية حلا للتخلص من الاستبداد والتخلف ونشر العدالة الاجتماعية. وكان في مقدمة رواد النهضة الطهطاوي والافغاني وعبده والكواكبي وغيرهم".
وفي الفصل السابع والاخير تم البحث فيه عن الحداثة واشكالية الخطاب النقدي في العالم العربي متسائلا المؤلف: هل يقوم العرب بدورهم في التفكير النقدي التحليلي المستقل عن اية سلطة معرفية ويأخذون زمام المبادرة في صيغ نقدية جديدة والمشاركة الفاعلة في الافكار والنظريات والمناهج النقدية المعاصرة؟ لينتهي الكتاب بملاحق معمقة ومهمة كأطروحات نقدية لهوركهايمر وادورنو عن (جدلية التنوير) و(الحضارة والمدنية) ثم رؤية نقدية لمفهوم علم الاجتماع. لينتهي الكتاب بالمصادر والمراجع العربية والاجنبية، ومن ثم فهرس الاعلام وآخر للأماكن. الكتاب من الحجم الكبير, عدد صفحاته 591 صفحة، وهو كتاب جدير بالقراءة.
أرسل تعليقك