فلسفة الفن لتين أيّ دور يبقى للمبدع في نتاجاته الفنية
آخر تحديث GMT08:58:25
 العرب اليوم -

"فلسفة الفن" لتين: أيّ دور يبقى للمبدع في نتاجاته الفنية؟

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "فلسفة الفن" لتين: أيّ دور يبقى للمبدع في نتاجاته الفنية؟

بيروت ـ وكالات

لا يأبه الجمهور العريض الذي يتعامل مع الأعمال الفنية، سواء أكانت جيدة أو أقل جودة، مقنعة أو أقل إقناعاً، عادة بما يسمى «فلسفة الفن»، مثله في هذا - تماماً - مثل العاشق الذي لن يهمه أبداً أن يأتي اليه شخص ليحدثه ان حبيبته هي، في حقيقة الأمر، مجرد كائن بشري يتألف جسده من هذا المقدار من الماء وهذه الكتلة من الأعصاب والشرايين وهذا الكم من العظام والعضلات. ونعرف أن العاشق منذ اللحظة التي «يصدق» فيها هذا الكلام الذي يحلل كينونة حبيبته منطقياً وعلمياً، قد يكفّ، حقاً، عن الاهتمام بها ككائن معشوق لا يدري أحد سر انجذابه الحقيقي اليه. وعلى هذا النحو نفسه، من الواضح أن هاوياً للفن، عفوياً وصادقاً في هوايته، قد لا يعود العمل الفني المحبب اليه، حاملاً لأسرار الابداع حافلاً بالأبعاد الروحية، منذ اللحظة التي يأتي فيها ناقد أو فيلسوف فن أو محلل نفسي، ليجزئ ذلك العمل ويحلل كل مكوناته ويفسرها. > ومع هذا، لم تكفّ مسألة فلسفة الفن عن شغل بال النقاد والفلاسفة، حتى بال النخبة من هواة الفن، الى درجة أن ثمة في المخزون الفكري العالمي، وبالكثير من اللغات، ألوف الكتب والدراسات التي تتصدى لمثل هذه المهمة... حتى وإن سلمنا جدلاً بأن الكتب الانعاطفية والمميزة في هذا المجال قليلة ولا تستجيب دائما الى ما قد يكون متوقّعاً منها... بيد ان الغريب في الأمر هو أن هذا القطاع المميز، من النشاط الفكري الذي قد يرقى احياناً الى مستوى الإبداع الحقيقي، انما حمل دائماً توقيع رجال الفكر، أكثر مما حمل توقيع رجال الفن. ولسنا في حاجة هنا، طبعاً، الى أن نورد أسماء كل المفكرين الذين عالجوا المسألة الفنية على مدى تاريخ الفكر، من أفلاطون الى اندريه مالرو مروراً بهيغل وشيلنغ وحتى لينين وبليخانوف وتروتسكي. ولكن يمكننا التوقف، بين الحين والآخر عند واحد أو آخر من الذين سعوا دائماً الى تفسير الفن وعلاقته بالمبدع والجمهور والمجتمع. ومن هؤلاء الفرنسي تين الذي كان واحداً من أبرز الذين حاولوا، في القرن التاسع عشر، أن ينظروا الى البعد الاجتماعي لعملية الابداع الفني، مبعدينها بعض الشيء عن الطابع الفردي الذي يجعل من المبدع نفسه خالق عمله أولاً وأخيراً، بصرف النظر الى حد ما عن العوامل الاجتماعية والجماعية التي يرى تين، مثل غيره، من أصحاب النظرة الميكانيكية الاجتماعية، انها هي مصدر التعبير، إذ إن المبدع الفرد في رأيهم لا يكون سوى انعكاس لسيرورة تتجاوزه وتستخدمه في آن معاً. > عبّر هيبوليت تين عن هذا في كتابه الشهير «فلسفة الفن» الذي جمع في طبعته الأولى عام 1865، سلسلة دروس ومحاضرات كان ألقاها قبل ذلك على طلبته في «مدرسة الفنون الجميلة» في باريس، وسعى فيها، بخاصة الى الحديث عن «طبيعة الانتاج الفني». والحال أن هذه المجموعة من الدروس والمقالات، تجاوز الاهتمام بها في ذلك الحين الأطر الأكاديمية البحت، لتصبح مدار سجالات واسعة بين الكثير من الآراء والتوجهات في هذا المجال، ما جعلها تسجل بداية حقبة طويلة من الاهتمام المتجدد بالإنتاج الفني في فرنسا، بعدما كان هذا الاهتمام سائداً في الفكر الألماني طوال الحقبة السابقة. ولقد كان الفارق بين الحيزين الجغرافيين هذين، في التعامل مع المسألة الفنية، كبيراً، بل متناقضاً، إذ بقدر ما كان الألمان (هيغل خصوصاً) يدخلون الروح وقضاياها في هذه المسألة الفنية، راح الفرنسيون وعلى رأسهم تين، وسان - بوف يركزون على الأبعاد المادية والميكانيكية في تفسيراتهم، علماً أن كثراً من الباحثين والمؤرخين في هذه المجالات رأوا في نهاية الأمر ان المبدع الفرد ظلم في الحيزين معاً. ولذلك - تابعوا - كان عليه أن ينتظر عشرات السنين ومئات المؤلفات والمساجلات قبل أن يستعيد مكانته الأساسية (والمتفردة حتى) في سيرورة اللعبة الفنية. > غير أن ما يهمنا في هذا السياق هنا، هو كتاب تين نفسه، لأهميته التاريخية، وطبعاً لكونه يمثل خير تمثيل ذلك التيار «الحتمي المكيانيكي» الذي سيرثه بعض المنظّرين الماركسيين من ناحية، والفاشيين من ناحية أخرى، واضعين الفن كله - كسيرورة شعبية بيئوية - في خدمة الايديولوجيا السياسية. ونقول هذا، هنا، من دون أن نعني ان تين كان يتوخى هذا التفسير حين «ابتدع» نظريته الاجتماعية - البيئوية، في قضية الانتاج الفني. > كل ما في الأمر بالنسبة الى «فلسفة الفن» لتين، هو أن كل نتاجات العقل البشري - بما في ذلك الأعمال الفنية - لا يمكن تفسير وجودها وولادتها، مثلما الحال بالنسبة الى كل نتاجات الطبيعة، إلا انطلاقاً من دراسة البيئة التي تنشأ في داخلها. فاللوحة والتمثال والقصيدة، بالنسبة الى تين، نتاجات لا يمكن أن تكون قائمة في ذاتها معزولة. بل انها حتى حين تدخل في صلب نتاج مؤلفها أولاً، فإنها من ثمّ تدخل في صلب نتاج المدرسة أو التيار اللذين ينتمي المؤلف اليهما... وبالتالي، في سيرورة «منطقية» في سياق الذهنية العامة المهيمنة على المجتمع الذي ينتمي اليه هذا المؤلف - المبدع عموماً -. وتين، انطلاقاً من هنا لا يرى لعلم الجمال من مهمة سوى دراسة الأعمال الفنية على ضوء تحديد خلفياتها وأسباب ولادتها الاجتماعية. وعلى هذا الأساس، يفترض تين أن نظريته هذه تبدو صالحة لتفسير كل النتاجات الفنية، لدى كل الأمم والبيئات وعلى مدى العصور كلها، ما يحوّل منظومته، وفق رأي دارسيه الى ما يشبه «علم الأحياء مطبقاً على نتاجات الإنسان لا على نتاجات الطبيعة». بل بالأحرى «على نتاجات العقل البشري منظوراً اليها بصفتها نتاجات مواربة، للطبيعة». وتين ينطلق من هنا ليلفت الى أن الطبيعة ليست هي من يخلق المبدعين، بل هي من ينتج الظروف الملائمة، أو المعاكسة، لولادتهم. ولكي يسند نظريته جيداً، يعطي تين مجموعة من الأمثلة التاريخية التي يراها صالحة للتشديد على ما يذهب اليه: فمثلاً، في العصور الوسطى، حين كان الناس يعيشون وسط الحروب والأوبئة والغزوات، تحت سلطة الأنظمة الاقطاعية وتحت ربقة المجاعات، لم يتمكن الإنسان من انتاج أي أعمال حقيقية. أما لاحقاً حين بدا انتصار المسيحية وأنظمتها على تلك الظروف واضحاً وموحداً للناس، ولدت أغاني الفروسية وحكايات الحب، ثم ولدت الهندسة القوطية التي سرعان ما راحت تعم أوروبا بأسرها. > إذاً، على ضوء مثل هذه الأمثلة التاريخية، رسم هيبوليت تين خطة أفكاره التي سيقول الباحثون في ذلك الحين انها مدينة بالكثير الى نظريات اوغست كونت الوضعية في الفلسفة، ما جعل أفكار تين تعتبر من أولى الأفكار الوضعية الأنموذجية مطبقة على علم الجمال. غير ان هذا الانتماء المحترم لأفكار تين، لم يمنع الباحثين، في عصره وفي العصور التالية من القول إن نظريته كلها تبدو متهافتة، حتى وإن كان الرجل قد أجاد في مجال الربط بين الفن والثقافة عموماً، والمجتمع في شكل أعم (منظوراً اليه هنا كبيئة متكاملة)، ذلك أن هذه النظرية تتطلع الى العمل الفني بصفته نتاج ميكانيكية حتمية فيزيائية «منكرة دور الفنان الخالق الفرد نفسه». * ولد هيبوليت تين عام 1828 ومات عام 1893، ما يجعل منه - في امتياز - ابن مرحلة تاريخية شهدت سجالات أساسية حول الكثير من قضايا الفكر والمجتمع والسياسة بالتالي، ما جعل من المنطقي له أن يكون طرفاً في ذلك السجال. وتين عرف في زمنه كأديب ومؤرخ وفيلسوف، ومن كتبه الشهيرة اضافة الى ما ذكرنا: «في العقل» و «تاريخ الأدب الانكليزي» و «فلاسفة فرنسا الكلاسيكيون في القرن التاسع عشر» و «أصول فرنسا المعاصرة» في 12 جزءاً وهي مجموعة من الدراسات المسهبة يعيد فيها الاعتبار الى فرنسا القديمة على حساب ثورتها وتوجهات تلك الثورة.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسفة الفن لتين أيّ دور يبقى للمبدع في نتاجاته الفنية فلسفة الفن لتين أيّ دور يبقى للمبدع في نتاجاته الفنية



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بشكتاش يواصل انتصاراته فى الدوري الأوروبي بفوز صعب ضد مالمو

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع سعر البيتكوين لـ75 ألف دولار

GMT 16:36 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن تحديات حياتها الفنية ودور عائلتها في دعمها

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق أول قمر اصطناعي مطور من طلاب جامعيين من الصين وروسيا

GMT 17:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يتسبب فى وقف منصات النفط والغاز فى أمريكا

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف عبدالباقي يردّ على أخبار منافسته مع تامر حسني

GMT 14:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يمر عبر جزر كايمان وتوقعات بوصوله إلى غرب كوبا

GMT 14:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف حركة الطيران في مطار بن جوريون عقب سقوط صاروخ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab