دمشق - سانا
نجحت مسرحية الدجاجة السوداء التي افتتحت عروضها بعد ظهر أمس على مسرح القباني في تحقيق حكمتها من خلال إعلاء قيمة العمل والحفاظ على السر وعدم الاستكانة لغرور النفس وزهوها وذلك عبر لعبة أدارها ممثلو العرض بحرفية عالية دامجين بين التجريدي والتجريبي في آن معاً ومنفعلين مع جمهور المتفرجين الصغار عبر الرقص والأغنية والقصة الدرامية إضافةً لتقديم نموذج الدمية المسطحة وعديمة المنظور لتكون كأداة دلالة ولعب حر وبريء لتطوير صيغة عروض الطفل ودفعها إلى فضاءات أعمق وأكثر غنى وحيوية.
تروي المسرحية حكاية صبي اسمه آلوشا يعيش ويتعلم في مدرسة داخلية بحكم بعد والديه عنه مما يجعله في أكثر الأوقات وحيداً ومنعزلاً مع أحلامه التي تنشأ نتيجة قراءته الكثيفة لكتب الفرسان والممالك ليتخيل فيما بعد أن إحدى الدجاجات التي يشاهدها يومياً في باحة المدرسة تتحول إلى وزير في مملكة تقوده إلى عالمها السحري تحت الأرض وعندما تطلب منه دجاجته السوداء أن يطلب أمنية لتحققها له لقاء إنقاذها من الذبح والطهي على يد المربية المتصابية يقوم الصبي آليوشا بطلب أن يصبح تلميذاً مجتهداً ومتفوقا دون أن يبذل جهداً في مذاكرة دروسه وفروضه المدرسية وبالفعل تحقق له الدجاجة الوزير حلمه على شرط كتمان السر لكن تبجح آلوشا ومزاجه السيئء تجاه رفاقه في الصف سيفقده حبة القمح التي أعطته إياها الدجاجة كي يتمكن من حفظ دروسه ليفتضح بعد ذلك أمره في غش رفاقه.
مخرجة العرض آنا عكاش قالت في تصريح لـ سانا إن نص الدجاجة السوداء روائي سردي بامتياز لذلك قسمت العرض إلى عدة مستويات هي الشغل على الممثل كفعل والممثل كراو كما حرصت أن يكون عمل الممثل منفصل عن عمله مع الدمية إضافةً إلى عملي على كسر الآلية التقليدية لعروض مسرح الطفل في سورية فلا وجود لدي لديكور جاهز أو أزياء أو ماكياج بل اكتفيت بكواليس سوداء مجرد تغير مكانها أو إضاءتنا على الخشبة ستعطي إيحاء بالتنقل عبر أمكنة مختلفة في زمن العرض.
وأضافت.. هذا كله محاولة لتكون حرية التفكير والتخيل متاحة أمام جمهور الأطفال دون أن نقحم على مخيلته صياغة جاهزة نتدخل فيها فنصادر على ملكات الطفل الهائلة والمتوثبة خارج أقفاص الشكل المسرحي الجاهز والمصمم مسبقاً في مفكرة العرض.
وأوضحت عكاش.. أن خصوصية هذا العرض تكمن في أنه يعمل على توضيح آلية اللعبة المسرحية عبر كسر الإيهام أمامه وذلك بتنقل الممثل من أدائه كممثل ومن ثم كدمية ومن ثم كراو لحدث ومعلق عليه فليس هناك من أسرار هنا وكل شيء يحدث أمام الطفل وكل تغيير من قطع الديكور أو الكواليس السوداء مفتوح أمام جمهور الصغار كون الممثل يغير شخصيته بتغيير الإكسسوار أو تغيير الدمية التي يحملها دون تأطير مخيلة الطفل في تصور نهائي وحاسم عن الشخصية التي يتابعها على الخشبة.
وأضافت مترجمة كتاب تاريخ الأزياء أن كسر النمطي في مسرح الطفل كان في عرض الدجاجة السوداء أيضاً عبر تغيير النمط الموسيقي واستخدام موسيقا ورقصات الهيب هوب والراب عبر أداء أغاني العرض باللغة العربية الفصحى كمواكبة لاهتمامات جيل لا نعرف عنه الكثير ولا عن تجاربه في هذا المجال حيث كانت أغاني ورقصات الهيب هوب والراب بعيدة عن صيغها المعتادة التي تعتمد عادةً على مبدأ ارتجال الفكرة ومن ثم الشغل عليها وتطويرها.
بدورها قالت الفنانة سوزان سلمان التي تجسد شخصية الصبي آلوشا.. تجربتي كبطلة للعرض هي الأولى مع مسرح الطفل بعد تخرجي عام 2010 من قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية حيث سمح لي عرض الدجاجة السوداء بشحذ أدواتي كممثلة مسرح ليس على صعيد الجسد والرقص والغناء وحسب بل على صعيد فصل الحواس بالنسبة لتعاملي طوال فترة العرض مع الدمية ككائن حي وملموس له حيزه على المسرح وقدرته التعبيرية الخاصة وليس مجرد قطعة خشب محايدة أو قطعة زائدة أو درعاً للممثل يختبئء فيه عن ملامسة خيال الطفل بل التركيز أكثر على جعل الطفل يصدق هذه الدمية ويعيش معها ويشعر بحضورها النفسي جنباً إلى جنب مع الممثل الذي يحركها.
وأشارت سلمان إلى أن عملها كممثلة مع زملائها من الفنانين الآخرين انصب على تدعيم فكرة الطفل عن الأماكن المجردة التي عملوا على صياغتها أثناء العرض وفق تحريض مستمر لمخيلة الطفل وطاقته على التفاعل مع أشياء وأماكن غير موجودة وغير مجسدة في الديكور والأزياء إضافة لعملهم كممثلين على الأداء الإيمائي أو مسرح البانتوميم وذلك عبر المحاولة دائماً الفصل بين شخصية الدمية التي تؤديها وبين عمل الممثل كراو للقصة ومعلق عليها.
الفنان مأمون الخطيب قال إن مسرح الطفل له أهمية خاصة لاسيما في هذه الأزمة التي تمر بها سورية فتعويد الطفل على الذهاب إلى المسرح سيكسبنا جيلاً حضارياً يمتلك وعياً متيناً ومبنياً بشكل صحيح ومعافى من أي تطرف وبالتالي عبر مسرح الطفل نضيء على زاوية إبداعية في عقل الصغار سيحتفظون بها عندما يكبرون وتحميهم من أي انتماء لأي فكر متشدد أو تهديمي.
وأوضح صاحب مسرحية عنزة عنوزية أن على مسرح الطفل أن يكون هيئة كاملة ومستقلة مثله مثل المسرح القومي وليس ملحقاً أو تابعاً في دائرة بل هيئة لها استراتيجيتها وخططها الكاملة تعنى بالطفل وليس مجرد مبادرات فنية يقوم بها أفراد لصالح مديرية المسارح والموسيقا وهذا يتطلب تفعيل دور المسرح المدرسي الذي يقتصر على حصة دراسية أسبوعياً مثله مثل دروس الرسم والأشغال والخياطة والموسيقا ليكون هناك خطط وفعاليات وبرامج مفتوحة على امتداد العام وهذا شيء يمكن تحقيقه بسهولة نتيجة أن جمهور مسرح الطفل متعطش دوماً لحضور العروض المسرحية وهو جمهور مضمون كونه يعتمد على زواره الصغار من تلاميذ المدارس ومعلميهم.
من جهتها قالت الفنانة رنا كرم هذه تجربتي الأولى مع مسرح الطفل بعد عدة عروض قدمتها لصالح المسرح القومي فهنا كان لدي متعة كبيرة على المستوى الأدائي وتحفيز خيال الطفل والتركيز على الجسدي تارة وعلى الحسي تارة أخرى وعلى مستوى تكنيك الحركة فكل الخيارات كانت مفتوحة أمامي لبناء نوعية خاصة من الأداء المسرحي.
وأضافت كرم أن هناك نوعين من الممثلين الأول يعتبر مسرح الطفل نوعا خفيفا وسهلا ولا يتطلب أي جهد يذكر لذلك يمتنع عن المشاركة في عروضه أما الثاني فهو نوع من الممثلين الذين يعرفون صعوبة العمل في مسرح الطفل لكن عموماً يمتنع معظمهم عن العمل فيه ويهجرونه إلى التلفزيون.
الممثلة آلاء مصري زادة أوضحت أنها تربت في مسرح الطفل منذ نعومة أظفارها قائلة.. التمثيل للصغار يجعلني على طبيعتي أما التمثيل للكبار فيستلزم وقتاً لإقناعهم وهذا ينعكس في معايشة الطفل لك كممثل على الخشبة واستمتاعه بالعرض لا تسقط أخطاؤه وانتقاده لعدم روءيته في شرطه الصحي البعيد عن لوثة النقد والتفكير الدلالي للمسرحية.
يشار إلى أن كاتب الدجاجة السوداء هو ألكسي بيروفسكي المعروف باسم أنتوني بوغاريلسكي كتب هذه الحكاية لابن أخته أليوشا ذي السنوات العشر الذي أصبح فيما بعد شاعراً روسياً مشهوراً هو ألكسي تولستوي ويقدم فيها توصيفا دقيقاً لمدينة بطرسبورغ القديمة والمدرسة التي درس فيها أليوشا وأسلوب الحياة في ذلك الزمان إضافة إلى تصويره المملكة السحرية تصويراً رائعاً أيضاً ولا عجب في أن الكاتب الروائي الروسي الكبير ليف تولستوي كان يحبها ويضعها جنباً إلى جنب مع تلك الكتب التي تركت لديه وهو طفل انطباعاً عميقاً لا يمحى.
يذكر أن عرض الدجاجة السوداء من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا مسرح العرائس ومستمر يومياً على مسرح القباني عند الساعة الثانية ظهراً وهو من تمثيل كل من مأمون الفرخ ..سوزان سلمان.. وائل معوض .. رنا كرم ..آلاء مصري زادة .. أيهم الجيجكلي ..كمال بدر سينوغرافيا آنا عكاش دمى ضحى الخطيب.. تأليف موسيقي سامر الفقير.. رقص وحركة محمد شباط.. إضاءة بسام حميدي.. كلمات الأغاني عيسى صمادي.. تصوير فوتوغراف يوسف بدوي.. مخرج مساعد منصور نصر.. تنفيذ فني للدمى وهيب السعيد ..تنفيذ فني للديكور ريم أحمد.. تنفيذ إضاءة عماد حنوش.. تنفيذ الصوت إياد عبد المجيد ..مشرف إكسسوار علي النوري.. مشرف ملابس هيثم مهاوش.
أرسل تعليقك