عمان ـ بترا
كبا العرض المسرحي "كثيرا من الحب" للمخرج حسين نافع عن نص للكاتب الاسباني اليخاندرو كاسونا، في أداء الممثلين ، فيما مزج بين المدارس الكلاسيكية الحديثة والرومانسية والواقعية دون الاحتياط لأدواتها.
ورغم ان نص العمل المسرحي المفعم بالعاطفة يجسد نقطة جذب لها خصوصيتها من حيث ما يشكل مضمونه من حالات حاضرة في كل الازمنة ، تبرز الانسان في تناقضاته المتعددة واصطراعاته في مواجهته مع ذاته والاخر، مبدلا اقنعته ومواقفه التي تعكس سيكولوجية تعبر عن امراض اجتماعية او ذاتية ، الا ان المخرج لم يوفق في توظيف اهم ادوات العرض وهو اداء الممثلين لشخصيات النص وحركتهم التي بدت تفتقد لأدنى مقومات الحضور الاحترافي باستثناء الممثل ابراهيم النوابنة الذي شكل حضوره الى حد ما نقلة في إيقاع العرض لولا كسره لقواعد المدرسة الكلاسيكية الحديثة التي تتطلب جدية الاداء بعيدا عن الكوميديا وهو ما اخرج الشخصية من مضامينها.
وظهر في أكثر من موضع في مشاهد العرض عدم قدرة بعض الممثلين في تكييف وضبط حركتهم والالتفاف باتجاه خلفية الخشبة واداء الحوار المطلوب بحيث جاء، بالإضافة الى الضعف البين في التحكم بمخارج الحروف ودرجة الصوت، غير موصل للمتلقي مثلما غابت قدرتهم على إيصال المضامين المطلوبة.
تمتاز المدرسة الكلاسيكية الحديثة التي كانت تتجه الى تسلية الخاصة، بإباحة وجود عقدة ثانوية او اكثر بشرط الا يضعف ذلك من العقدة الاساسية والا تشوه وحدة الموضوع، وقبول اتساع وحدة الزمن، وقبول ان يمتد نطاق وحدة المكان، والابقاء على الاسلوب الارستقراطي على ان يكون اسلوبا سليما وشاعرا، فيما تتفق الرومانسية مع الكلاسيكية في عدم تقيدها بوحدة الزمن والمكان مثلما ان المنطق الفردي الضعيف الذي تربى في ريح العاطفة المتقلبة التي لا استقرار لها يتجلى في هذه المدرسة .
فالمخرج لم يوفق في توظيف الادوات السينوغرافية لهاتين المدرستين حيث ظهرت خشبة المسرح خالية من اي رموز ودلالات لهما وبدا الديكور يفتقد الى القوالب الجمالية مقتربا من التجريدية، مثلما نحا العرض باتجاه الواقعية إذ ان المسرحية الواقعية تصدر عن فكرة انسانية تعود بالخير على عقول الناس وقلوبهم واذواقهم وتزيدهم انسانية وتصف الواقع بعيدا عن اي مسحة رومانسية.
العرض الذي قدم اخيرا على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي ويستهل مشهده بدخول ستة ممثلين الخشبة في احتفالية راقصة تفتقر للحيوية والحرفية الكيروغرافية بالإضافة للحوارية الرتيبة، تناول في مضمونه العلاقات الانسانية الخاصة ولاسيما العلاقات الزوجية المتناقضة تلك التي تعطي وجها آخر لمفاهيم المجتمع ولبيئته وتركيبته.
ويتحدث العرض عن ثلاثة أزواج يبدون في قمة سعادتهم وهم يحتفلون في عامهم الثامن عشر لعلاقاتهم الزوجية، فيما هم ينتظرون صديقا رابعا لهم كان شاهدا على تجاربهم الزوجية المسكونة بالعاطفة والاخلاص بحسب اعتقادهم ، في حين يختلفون في حقيقة وجود المرأة الفاضلة ما يقودهم الى مكاشفة انفسهم بخفايا خيانتهم لزوجاتهم.
ويشكل غياب صديقهم "الاعزب" الرابع "آدم غوستابو" الذي تبين فيما بعد ان الطائرة التي كانت تقله قد سقطت ومات كل من فيها، لحظة دفع درامية تكشفت عن تفاصيل خفية عن الازواج لوصية ابرزها احدهم تميط اللثام عن اعترافات مكتوبة بيد غوستابو حول خيانته لأصدقائه الثلاثة مع زوجاتهم، لا يلبث ان يعود بعد ان تبين انه لم يركب الطائرة المنكوبة لتتجدد لحظة الدفع الدرامية مرة اخرى في مواجهة غوستابو لآنا الزوجة والام صاحبة القصر والتي لم يحظ بها في الماضي سوى لساعة ومازال الحب نحوها يعتمل في صدره.
ويختتم العرض الذي وفق المخرج في استغلال مساحات الخشبة لتموضع الممثلين في مشاهده بحسب سياق الحدث ومتطلبات مضامينه الدرامية، بمشهد لغستابو يكتب وصيته الجديدة بحسب إتفاقه مع آنا بان يكذب في وصيته الجديدة ، فيما يصدق في موته من خلال قتل نفسه، في حين تصاحب المشهد مؤثرات لصوت امرأة تعبر عما يكتب من مدى شغفه بها، لتدخل عليه حينها وتطلب منه الرجوع عن قتل نفسه حيث تنطلق رصاصة تقضي عليه حال تجاذبهما للسلاح.
انساق المظهر الخارجي للشخوص جاءت معبرة الى حد ما من خلال الملابس في تبيان المظهر الاجتماعي والانتماء الطبقي والمكاني، وإن فقدت بوصلتها الزمانية، فيما عبرت ملابس شخصية آدم غوستابو السيكودرامية التي جسدها الفنان النوابنة ، عن حالة الكاتب التي تنعكس جوانيته وما تعانيه من صراعات خفية، في حين كان نسق التعبير الجسدي ضعيفا غير منسجم مع احداث العرض المسرحي لمعظم فريق العمل وهو ما غيب اهم محمولات الاعمال الكلاسيكية والرومانسية التي تتطلب أداء مميزا.
اما فيما يتعلق بنسق النص المنطوق رغم لغته المفعمة بالعاطفة، الا انها كانت تصل مفرغة من الشاعرية او الاحاسيس وفقد فعل الكلام والحواريات الكثير من اشتراطات التباين في مخارج الحروف ونبرة الصوت ونغمته وارتفاعه وسرعته والتي تعبر عن هواجس الشخصيات بحسب سياق العرض واحداثه الدرامية لدى معظم فريق العمل.
في حين جاءت انساق المؤثرات غير المنطوقة كما في المشهد الاستهلالي من موسيقى(مقطوعة من سمفونية بحيرة البجع)، منسجمة مع معظم مشاهد العرض ومكملة له الا ان غياب ترابط الإضاءة مع حركة الممثلين رغم ما شكلته اسقاطات الاضاءة البيضاء العلوية(البروجيكتور) على بعض المشاهد التي اقتضى فيها تعتيم معظم الخشبة ، والحمراء بما حملت من مدلولات جاءت موفقة في مجملها ومثلها عبرت الاضاءة السفلية الحمراء ومكملتها الخضراء في واجهة الخشبة الامامية، عن الحالتين الممتزجتين من الرومانسية والتراجيدية(المأساوية) للعرض.
وشارك في أداء الادوار بالاضافة الى النوابنة ، وسام البريحي ، هالة شقير، محمود حايك، سالي عودة، هناء الشوملي، سعدالدين لافي، وماجدولين اللحام، وصمم الاضاءة الفنان محمد المراشدة ،فيما صمم الكيروغرافيا هانئة العبيدي، ونفذ الديكور معتز اللبدي، وساعد في الاخراج رنا قطامي.
أرسل تعليقك