اقتصاد لبناني منهار في قبضة حزب الله
آخر تحديث GMT03:02:48
 العرب اليوم -

اقتصاد لبناني منهار في قبضة "حزب الله"

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - اقتصاد لبناني منهار في قبضة "حزب الله"

اقتصاد لبنان
بيروت ـ العرب اليوم

على مدار سنوات، واجه الاقتصاد اللبناني أزمات متتالية، تفاقمت بعد عام 2011، عندما عمل "حزب الله" صراحة على حكم لبنان، واستولى على قطاعات البلد الحيوية ومقدراته، حتى قاده نحو دمار مالي واقتصادي واضمحلال سياسي لم يعرف لبنان الحديث مثيلا له. وفي 16 أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة اللبنانية فرض ضريبة على "مكالمات الإنترنت"، أملا في تحصيل 200 مليون دولار سنويا، سعيا لانتشال الاقتصاد من الدمار، إلا أن الأمر شكل شرارة لاحتجاجات عارمة، اجتاحت مختلف أنحاء البلاد وكسرت حاجز الخوف لدى اللبنانيين، الذين اتخذوا من "كلهم يعني كلهم.. نصر الله واحد منهم"، شعارا لهم، تأكيدا على أنهم لم يعودوا يخشون زعيم ميليشيا حزب الله، ووضعه علنا في خانة الطبقة السياسية الفاسدة. حينها، دق ناقوس الخطر عند حزب الله وحلفائه، وسرعان ما اقتحم مؤيدوه ساحات الاعتصام وسط بيروت، إلا أن غضب المواطنين كان أشد وأقوى، وأصبحت أسطورة "التنظيم المقاوم" مجرد خرافة في أعين الكثيرين، إذ تكفلت الأعوام العشرون التي مرت على انسحاب إسرائيل من لبنان، بإيضاح الحقيقة.

فقد تسيّد حزب الله المشهد اللبناني، وجاء بأعوانه إلى السلطة، وفرض إرادته على السياسة الخارجية، وسلطته على الوزارات، وظهرت مخالبه بوضوح عام 2008، حين نشب خلاف عندما حاولت الحكومة السيطرة على شبكة اتصالات تتحكم بها ميليشيا الحزب، وازاحة قائد جهاز أمن المطار المقرب منها، فلجأ إلى البطش واجتاح مسلحوه العاصمة اللبنانية. كانت هذه نقطة التحول، التي انتهى بعدها عصر العمل من وراء الكواليس، وأصبحت ميليشيا حزب الله صراحة الآمر الناهي، وزجت بمسلحيها في حرب سوريا، وكسرت تعهد الحكومة اللبنانية بسياسية النأي بالنفس، ودانت بالولاء لطهران، وجعلت لبنان ينعزل عن محيطه العربي. ونتيجة لذلك، اعتبر الكثير من الدول العربية، أن الحكومة اللبنانية أصبحت رهينة لحزب الله أو واجهة ينفذ من خلالها مخططاته، خاصة بعد أن أعلنت دول خليجية إحباط مخططات إرهابية تابعة لحزب الله، الذي امتدت أذرعه إلى سوريا واليمن والعراق.

وقال المسؤول السابق في مكتب مدير الأمن الوطني الأميركي، نورمان رول، إن حزب الله بمثابة " دولة داخل دولة"، مضيفا أنه "يمتلك أدوات حرب تشكل تهديدا لسيادة لبنان، وهذا وضع يندر حصوله في العالم". ونوه إلى أن حزب الله "يسعى للسيطرة على أهم القطاعات الحيوية بما يرضي متطلباته، لكنه لن يسيطر على البلد بأكمله، لأنه إن فعل فإن ذلك سيحرم البلد من المساعدات التي يحتاجها، لبقاء الدولة". وتابع: "حزب الله متورط بما يحدث في العراق واليمن، كما اكتشفت دول خليجية مخابئ أسلحة، مثل ما حدث في الكويت منذ سنوات، كان حزب الله مسؤولا عنها، والغاية منها كانت تنفيذ عمليات إرهابية".

ومع تلك الخطوات، غاب السياح العرب عن لبنان وتوقفت الاستثمارات وعملية شراء العقارات، وأوجه الوجود العربي في البلاد، وبالتالي تأثر اقتصاد البلاد وبدأت تدريجيا مؤشرات الانهيار بالظهور. وقال وزير الداخلية اللبناني السابق زياد بارود، لـ"سكاي نيوز عربية": "من الخطأ أن يعزل لبنان نفسه عن محيطه العربي، لطالما كان لبنان في حالة من الوئام مع الدول العربية، والكلام عن النأي بالنفس واقعي ويعني أن لبنان متضامن عربيا، لكنه ليس مضطرا للدخول في لعبة المحاور، خاصة انه غير قادر على كلفة الدخول فيها". وتابع: "كلما اقترب لبنان من الإجماع العربي كلما ربح، وكلما اتخذ مواقف مصطفة مع فريق دون آخر كلما خسر".

استغلال النظام المصرفي

وتدريجيا، تغلغل حزب الله في القطاعات الحيوية وسيطر على مطار بيروت ومرفأ بيروت، وقد تم الكشف عام 2011 عن خيوط إمبراطورية للمخدرات وتهريب الأموال كونتها الميليشيات، عندما اتهمت واشنطن البنك اللبناني الكندي بالتواطؤ مع حزب الله لتبييض الأموال. وقال رول في هذا الشأن: " أصبح البنك اللبناني الكندي وفق معلومات وزارة الخزانة الأميركية، أداة لتبييض الأموال لحزب الله وشركائه، ونتيجة عقوبات الخزانة اختفى المصرف، وهذا مثال على استغلال حزب الله للمؤسسات اللبنانية التي تتحمل في نهاية المطاف عواقب نشاطاته وإيران".

ويستخدم حزب الله شركات الصرافة لتحويل أرباح بيع المخدرات بأوروبا إلى البنك اللبناني الكندي، الذي يحول جزءا منها إلى تجار يشترون السيارات المستعملة، ويصدرونها بطريقة قانونية لإفريقيا، حيث تباع هناك وتحول الأرباح للبنك اللبناني الكندي. وكان البنك يحول الأموال لحسابات بأميركا لتمويل شراء مواد استهلاكية من الأسواق الآسيوية، وتصديرها إلى أميركا اللاتينية، حيث تستخدم أرباحها في سداد ثمن المخدرات، وهكذا تستمر العمليات غير الشرعية في حلقة شيطانية، استغل فيها حزب الله النظام المصرفي اللبناني. كما وظف حزب الله النظام المصرفي في البلاد لمصلحة طهران، إذ قام سفير حزب الله لدى طهران عبدالله صفي الدين، بتسهيل استخدام مسؤولين إيرانيين لخدمات البنك اللبناني الكندي.

سيطرة على المشهد السياسي

في بداياته العلنية، أعلن حزب الله أنه "تشكيل مقاوم" يترفع عن السياسة والسلطة، لكنه قدم مرشحين سرعان ما أصبحوا نوابا في البرلمان ثم وزراء، ثم جاء عام 2016  بميشال عون إلى سدة الرئاسة، وصهره جبران باسيل لوزارة الخارحية. وبهذا، أصبح جزب الله جزءا من النظام الرئاسي، والمحرك الأساس والقوة الأوحد على الساحة السياسية اللبنانية، فمنذ عام 2011، عمل صراحة على حكم لبنان وأسقط حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي كان خارج البلاد حينها، وكانت تلك البداية الحقيقية للانهيار.

"قلب الطاولة"

وبعد صدمة "ضريبة واتساب" التي تعرض لها اللبنانيون وأشعلت شرارة الاحتجاجات عام 2019، اكتشف المواطنون أن النظام المصرفي في البلاد بات أطلالا، وأُبلغوا أن معظم إيداعاتهم بالدولار تبخرت. وبعد هذه الأزمة، وجهت أصابع الاتهام إلى مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، الذي تولى منصبه سنة 1993، وفجأة تم تحميله وزر الأزمة، إذ شن حزب الله من خلال حلفائه وأذرعه الإعلامية حملة شعواء على المصرف وعلى سلامة، ليقلبوا الطاولة عليه ويتهربوا من نتائج أفعالهم الخبيثة. فبعد أن أصدر حاكم مصرف لبنان، تعميما بتنظيم تداول مؤسسات الصرافة بالدولار، انطلقت الحملة الشعواء عليه.

ورأت الباحثة في معهد واشنطن، حنين غدار أن حاكم مصرف لبنان "سهل تمويل الدولة من مدخرات الناس، لكن الدولة هي من أخذت تلك الأموال.. الكل مسؤول، بمن فيهم حزب الله". واستطردت قائلة لـ"سكاي نيوز عربية": "اليوم قرروا أن يجعلوه كبش محرقة، خاصة لأنه لديه طموح رئاسي، وهو الهدف نفسه الذي يطمح إليه جبران باسيل، وبالتالي فإنه في حال تمت الإطاحة برياض، يصبح الوضع أسهل على باسيل". ومع الوقت وتوالي الأحداث، تحول غضب المتظاهرين من نقمة على السياسيين إلى رغبة بالانتقام من المصارف، لكن الصراع الحقيقي كان يتعلق بما هو في الحقيقة اقتصاد مواز تديره الميليشيات، يستنزف السيولة في لبنان.

لكن في ظل تلك الأزمة، يبقى مصرف لبنان ثروة من ثروات البلاد الحقيقية، إذ يملك لبنان ثاني أكبر احتياطي من الذهب في العالم بعد سويسرا، قياسا إلى عدد السكان، وهو ما يديره ويشرف عليه مصرف لبنان، الذي يملك أصولا قيمة اخرى. وقال الخبير الاقتصادي جان طويلة، لـ"سكاي نيوز عربية": "عام 2011 بعد أن ازاح حزب الله حكومة الحريري، وشكّل هو حكومة بلون واحد، انقلبت الأمور وصار ميزان المدفوعات سلبيا، ولم تعد هناك مساعدات دولية وتأثرت السياحة". وأضاف: "لبنان اليوم بأمس الحاجة لمحيطه العربي، وأصدقائه في أميركا وأوروبا، لكن طالما هناك سيطرة من حزب الله على البلد، سيكون هذا شيئا مستحيلا".

ونوه طويلة إلى أنه تاريخيا، وحتى عام 2011، كان ميزان المدفوعات إيجابيا كل سنة، وهذا ما سمح لمصرف لبنان في الماضي بأن يكون لديه احتياطي كبير بالعملة الأجنبية، لكن بعد عام 2011، بات ميزان المدفوعات سنويا سلبيا، مما يعني أن العملة الصعبة التي تخرج من البلد، أكبر من تلك التي تدخله". وفي هذا الشأن، قالت غدار: "حزب الله أكثر جهة في لبنان لديها عملة الدولار، كونه يحصل عليه من تهريب المخدرات أو من العراق، وبالتالي يريد أن يبيض تلك الاموال في السوق، عبر دفع الناس لبيع وشراء الدولارات، من خلال محال الصرافة، التي أصبحت تتحكم بسعر الليرة، مما أدى إلى انهيار العملة المحلية".

أما عن سبيل الخروج من الحلقة المفرغة التي تستمر في قيادة الاقتصاد اللبناني نحو الانهيار، اعتبر المحلل الاقتصادي أن الخطوات الأساسية تتمثل في أن يلغي حزب الله الاقتصاد الموازي، وأن يعمل على تقوية الاقتصاد الاحتياطي في البلاد، مشددا على ان ذلك الأمر "لن يحدث". وأصبح من الواضح اليوم، أن ميليشيا حزب الله نجحت في الانقلاب على الدولة، وأطاحت سلطتها، وتحكمت بمؤسساتها وقادتها نحو دمار مالي واقتصادي، وأصبح من المؤكد أن حزب الله وأعوانه تسيدوا لبنان، ففشلوا فشلا ذريعا في إدارة شؤون غنيمتهم، وأوصلوا البلاد إلى مستقبل مظلم ومجهول.

قد يهمك أيضاً:  

سعر الجنيه المصرى مقابل الليرة اللبنانية اليوم 21 يناير/كانون الثاني فى البنوك المصرية
شاهد: "بليرة بس" مبادرة شعبية لدعم الليرة السورية

    

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتصاد لبناني منهار في قبضة حزب الله اقتصاد لبناني منهار في قبضة حزب الله



GMT 10:43 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

التضخم بالأردن يرتفع 1.35% في نوفمبر على أساس سنوي

GMT 06:02 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

صندوق النقد يتوقع انكماش اقتصاد الكويت 2.8% في 2024

GMT 12:20 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

قطر ستستثمر 1.3 مليار دولار في تكنولوجيا المناخ في بريطانيا

GMT 13:11 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

اقتصاد تونس ينمو 1.8% بالربع الثالث مع تحسن النشاط الزراعي

GMT 11:51 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع معدل البطالة في مصر إلى 6.7% في الربع الثالث من 2024

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab