بيروت ـ العرب اليوم
يمرّ لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات بواحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية، التي شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى تدهور العملة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي وفقدانها لأكثر من 95 في المئة من قيمتها.
وكان من المتوقع أن يؤدي هذا التدهور في العملة المحلية وشح العملة الصعبة في السوق، إلى تراجع حجم فاتورة استيراد لبنان بشكل كبير، لكون ارتفاع سعر صرف الدولار يعكس حكماً ارتفاعاً بأسعار السلع المستوردة، مما يتسبب في تقلص الطلب عليها في ظل التدني الكبير للقيمة الشرائية للبنانيين.
ولكن الإحصاءات الصادرة عن إدارة الجمارك اللبنانية، أظهرت أن واقع الحال مختلف تماماً، حيث تبين أن فاتورة الاستيراد في لبنان بلغت 19.05 مليار دولار خلال 2022، مرتفعة بنحو 5.41 مليارات دولار مقارنة بعام 2021، وهو ما طرح تساؤلات كبيرة حول كيفية تمكن بلد متعثر ويعاني من أزمة مالية ونقص في العملة الصعبة أن يستورد بقيمة تتجاوز الـ 19 مليار دولار.
ويقول المحامي في رابطة المودعين فؤاد الدبس في حديث لموقع "اقتصاد دوت الخليج"، إن الدافع الأساسي وراء ارتفاع فاتورة الاستيراد في لبنان خلال عام 2022، سببه معرفة التجار والمستوردين منذ بداية العام المنصرم، أن الدولة اللبنانية تتجه إلى رفع قيمة الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة لبنانية، إضافة إلى نيتها فرض ضرائب على بعض السلع المستوردة، مشيراً إلى أن هذا الأمر دفع بالجميع لاستيراد بضائع تفوق حاجتهم السنوية واستباق رفع التعرفات الجمركية.
ويكشف الدبس عن أن التعرفات الجمركية الجديدة دخلت حيز التنفيذ في الشهر الأخير من 2022، وهذا ما أتاح للتجار فترة زمنية طويلة لاستيراد وتكديس البضائع، وفقاً لأسعار الضرائب القديمة التي تعد منخفضة، مشيراً إلى أن ما تم استيراده في لبنان خلال 2022، سيتم بيعه على مدى سنوات مقبلة ووفقاً للأسعار الجديدة للضرائب، ما يتيح للتجار تحقيق المزيد من الأرباح من جيب المواطن.
من جهته، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني لموقع "اقتصاد دوت الخليج"، إن نظرية شح العملة الصعبة في لبنان هي نظرية خاطئة، وتم تعميمها بهدف التغطية على عدة قرارات في بداية الأزمة، لافتاً إلى أن كمية "الدولارات الكاش" التي يتم تداولها في لبنان هائلة، بدليل فاتورة الاستيراد الضخمة.
وبحسب مارديني فإن الدولارات الموجودة في السوق اللبنانية تأتي من ثلاثة مصادر، هي تحويلات المغتربين والأموال التي ينفقها السياح، إضافة إلى دولارات المصرف المركزي اللبناني الذي تراجعت احتياطياته بشكل كبير، مشدداً على أن لبنان يعاني من فائض في الليرة اللبنانية بفعل سياسة طبع العملة التي تنتهجها الدولة لتمويل رواتب ومصاريف القطاع العام.
ولفت مارديني إلى أنه قبل الأزمة كان هناك نحو 4 تريليونات ليرة لبنانية في التداول، أما اليوم فهناك 80 تريليون ليرة، وبالتالي يتم استخدام هذا الكم الضخم من الليرات اللبنانية، للمضاربة على سعر العملة، داعياً إلى ضرورة عدم شيطنة الاستيراد، معتبراً أن هذا الأمر صحي ويعني أن البلد يملك أموالاً صعبة، في حين أن البلد غير القادر على الاستيراد يكون يعاني من مجاعة.
قد يهمك ايضا
صعود "غير متوقع" للدولار والذهب يلحق به
أزمة المحروقات في لبنان تهدّد المخابز والمستشفيات وتقفل أبواب المطاعم
أرسل تعليقك