أظهر تقرير حديث أنَّ المملكة العربية السعودية تلعب دورًا مهمًا في قمة مجموعة العشرين، التي تُعقد يومي 15 و16 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في مدينة برزبن في أستراليا؛ حيث ترسم السعودية الجزء الأهم بمعالم النظام الاقتصادي العالمي بصفتها مالكة لأكبر احتياطي نفطي في العالم، وكونها من أهم مزودي الطاقة في العالم.
ويناقش جدول قمة العشرين مسائل وقضايا عالمية واقتصادية مهمة؛ في مقدمتها تعزيز الاقتصاد العالمي وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، وتحسين التنظيم المالي والإشراف على إصلاح اقتصادي أوسع، علاوة على تركيز القمة على دعم النمو الاقتصادي العالمي، بما في ذلك تعزيز وإيجاد فرص أكبر للعمل وفتح التجارة وجعل الاقتصاد العالمي أكثر مرونة للتعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية في المستقبل.
وينطلق دور المملكة، بحسب التقرير، في صنع القرار الاقتصادي من الدور المهم والمؤثر الذي تلعبه في الجهود الدولية الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي وصياغة نظام اقتصادي عالمي، يسهم في تحقيق هدف مجموعة الدول العشرين المتمثّل في تشجيع النمو القوي والمتوازن والمستدام، في إطار المحافظة على مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
وتأتي مشاركة المملكة في الالتزامات التي تقرّ خلال قمم العشرين وتعمل على تنفيذها؛ سعيًا منها لتعزيز النمو الاقتصادي المحلي والعالمي، وجعله أكثر متانة لمواجهة الأزمات والصدمات من خلال طرح وجهة نظرها في المناقشات التي تتم في اجتماعات وزراء المال ومحافظي البنوك المركزية لدول المجموعة واجتماعات ممثلي قادة دول مجموعة العشرين، إضافة إلى المناقشات التي تتم في مجموعات العمل والفعّاليات المصاحبة لها.
وتصدّرت المملكة ترتيب الدول الملتزمة بتنفيذ التزامات مجموعة العشرين في التقرير الذي أعدّه فريق من الباحثين، تحت إشراف معهد أبحاث المنظمات الدولية التابع للجامعة الوطنية العليا للعلوم الاقتصادية في روسيا، ومجموعة أبحاث مجموعة العشرين في جامعة تورنتو الكندية، والذي يعد محاولة أولية لقياس التقدم المحرز في التزامات مجموعة العشرين السابقة، ويعطي مؤشرًا لمدى التزام المملكة بتنفيذ الالتزامات التي أقرّتها المجموعة في القمم السابقة.
يشار إلى أنَّ الوضع الاقتصادي القوي الذي تتمتع به المملكة وما حققته من نمو ونهضة اقتصادية على جميع الأصعدة شجّع جميع دول العالم على الاستفادة من الفرص الاستثمارية الهائلة فيها، لاسيما وأنها حافظت على معدل نمو بلغ ستة في المائة في السنوات العشر الماضية.
وبيّن التقرير أنَّ اقتصاد المملكة يمثل 25% من اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلغت موازنة المملكة 228 مليار دولار للعام 2014، بالتزامن مع تأكيدها التزامها في تطوير ودعم مختلف المجالات الداخلية في النهضة التنموية الشاملة في المملكة، لاسيما في مجال التعليم والصحة والبنية التحتية.
وتعمل السعودية على تعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية عبر دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، الذي يأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة، من خلال الاحتفاظ بطاقة إنتاجية إضافية لتغطية الطلب العالمي المتزايد؛ حرصًا منها على ضمان تدفّق الاستثمارات الضرورية لتعزيز القدرات الإنتاجية ومساعدة الدول الفقيرة في سعيها للوصول إلى مصادر طاقة موثوقة ومعقولة الكلفة، باعتباره أمرًا أساسيًا لخفض الفقر وتحقيق النمو والتنمية المستدامة، الأمر الذي يؤهلها للاستمرار في لعب دور أساسي في صياغة نظام اقتصادي عالمي يمكّن من الاستجابة لتداعيات الأزمة المالية العالمية.
وعملت المملكة منذ وقت مبكر على عدد من التدابير والإجراءات على مستوى السياستين المالية والنقدية إذ أقرّت العام 2008 أحد أكبر برامج التحفيز في دول مجموعة العشرين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ودأبت على زيادة رؤوس أموال مؤسسات التمويل الحكومية المتخصّصة لتتمكّن من توفير تمويل إضافي للقطاع الخاص وخصوصًا للمشاريع المتوسطة والصغيرة، التي ساهمت في الحدّ من تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السعودي، فضلاً عن تعزيز إدائه؛ إذ أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أنَّ المملكة من أفضل الدول أداءً بين اقتصادات دول مجموعة العشرين للفترة من بين 2008- 2012 بعد الصين والهند.
وقد واجهت المملكة، وفقًا للتقرير، آثار الأزمة المالية العالمية في الدول الفقيرة من خلال زيادة مساعداتها التنموية والإنسانية الثنائية والمتعددة، بما في ذلك دعم بنوك التنمية متعددة الأطراف، وذلك إثر مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لزيادة رؤوس أموال المؤسسات والصناديق العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50%، والتي رسمت مسارًا لتفعيل التعاون والتكامل الاقتصادي العربي وتطوير آلياته، بما يخدم أهداف التنمية ويسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي وبالتالي في الاقتصاد العالمي.
ويؤكد تقرير مشاورات صندوق النقد الدولي مع المملكة للعام 2013 أنَّ المملكة دعمت الاقتصاد العالمي عبر دورها المساند لاستقرار سوق النفط، ورحّب بالتدابير التي اتّخذتها المملكة لتعزيز إدارة المالية العامة، والخطوات المستمرة لدعم التطوير المالي وتعزيز التنظيم والرقابة المالية، والاستثمارات الكبيرة الموجّهة للتعليم للنهوض بمهارات المواطنين، وأنَّ نمو الائتمان في المملكة لا يزال قويًا، والجهاز المصرفي يتمتّع بمستوى جيّد من كفاية رأس المال والربحية مع بدء تطبيق معايير "بازل 3" لرأس المال في يناير 2013، الذي طبّقته المملكة.
ومنح التزام المملكة بصعيد الإصلاحات الهيكلية خاصة إصلاحات سوق العمل، والتوسّع في منح الائتمان إلى المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وتعزيز توظيف المواطنين، تقدمًا كبيرًا في المجال الاقتصادي.
وحرصت المملكة على تزويد مجموعة العشرين بالالتزامات التي أعدّتها لسياساتها الاقتصادية على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، التي من شأنها العمل على تشجيع النمو القوي والمستدام والمتوازن، التي تم نشرها مع البيان الختامي لقمة العشرين المنعقدة في مدينة سانت بطرسبرج الروسية العام 2013، وتركّز على الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة والخدمات العامة، وفي الوقت نفسه ضمان استدامة المالية العامة، والمحافظة على استقرار سعر الصرف والأسعار المحلية، وزيادة المعروض من المساكن، وتحسين البنية التحتية لقطاع النقل وتطبيق إطار جديد لحماية مستخدمي الخدمات المالية.
وأسهمت المملكة في دعم موارد صندوق النقد الدولي؛ لتعزيز دوره في مجابهة المخاطر الاقتصادية العالمية، تماشيًا مع موقف المملكة بصفتها مساهمًا رئيسيًا في المؤسسات المالية الدولية ومجموعة العشرين، وهو ما يؤكد دورها الريادي في الاقتصاد العالمي، باعتبارها مساهمًا رئيسيًا في دعم جهود الدول النامية لمواجهة الأزمة المالية العالمية، من خلال عضويتها في الصناديق والبنوك الدولية والإقليمية، فضلاً عن مصادقتها على إصلاحات صندوق النقد الدولي للعام 2010، حيث وافقت على زيادة حصتها في إطار المراجعة العامة الرابعة عشرة لحصص الصندوق، وبذلك تكون المملكة قد أكملت جميع الخطوات المتعلقة بإصلاحات 2010 للحصص والحوكمة في الصندوق.
وساهمت المملكة بشكل أساسي في صياغة خطة عمل التنمية متعددة السنوات التي تبنّتها قمة العشرين المنعقدة في سيول الكورية العام 2010، التي تحتوي على تسعة ركائز للتنمية، إذ لعبت دورًا محوريًا في مجموعة عمل التنمية المنبثقة عن مجموعة العشرين، وعزّزت من الجهود القائمة لتحقيق الأمن الغذائي وتطوير البنية التحتية في الدول النامية، من خلال تولي عدد من دول المجموعة مهمة العمل كمنسق لأحد ركائز خطة عمل التنمية التسعة، وتولت السعودية إلى جانب ألمانيا مهمة التنسيق المشترك لركيزة القطاع الخاص وإيجاد فرص العمل وتم تحقيق نتائج إيجابية من خلال العمل كمنسق لهذه الركيزة المهمة.
وقطعت المملكة شوطًا كبيرًا في التعامل مع قضايا التحايل والتهرُّب الضريبي على المستوى الدولي، إذ تسعى المجموعة لأداء دور حيوي في التعامل معه، بالإضافة إلى مشاركتها في إعداد خطة عمل مجموعة العشرين لمعالجة تآكل القواعد الضريبة ونقل الأرباح، ورحّب البيان الختامي لقمة العشرين المنعقدة في مدينة سانت بطرسبرج الروسية 2013 بهذه الخطة التي سيتم تنفيذها بالتعاون بين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ودول المجموعة، حيث إنَّ المملكة وقّعت أخيرًا على الاتفاق متعدد الأطراف للمساعدة الإدارية المتبادلة في الشؤون الضريبية؛ سعيًا منها لتعزيز الجهود الدولية المبذولة للتعامل مع القضايا الضريبية.
وتُعتبر مشاركة المملكة في جهود مكافحة الفساد في إطار مجموعة العشرين لها فعّالية كبيرة، وذلك من خلال تعبئة نموذج "طلب المساعدة القانونية في المسائل الجنائية"، الذي يحتوي على الإجراءات التي ينبغي اتباعها عند طلب المساعدة القانونية في المسائل الضريبة بين دول المجموعة، وقد تم تزويد مجموعة العشرين بهذا الاستبيان، كما صادقت على اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وعلى صعيد العلاقات السعودية الاسترالية فالمملكة ثاني أكبر شريك تجاري لأستراليا في الشرق الأوسط، إذ سجّلت التجارة الثنائية بين المملكة وأستراليا 2.459 مليار دولار أسترالي العام 2013، وبلغت صادرات المملكة إلى أستراليا نحو 269 مليون دولار أسترالي العام 2013، والصادرات الأسترالية للمملكة 2.190 مليار دولار أسترالي، وتُعد أستراليا إحدى أهم الوجهات المفضلة للمبتعثين السعوديين الذين يتلقون دراستهم في الخارج، حيث هنالك نحو 13 ألف طالب وطالبة مبتعثين للجامعات الأسترالية.
وكان سفير أستراليا لدى السعودية نيل هوكنز، رحّب بزيارة ولي العهد، الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى أستراليا؛ للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، مؤكدًا أنَّ صوت المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين يعكس التأثير المهم للمملكة إقليميًا وعالميًا وأستراليا تقرّ بدور المملكة في استقرار الاقتصاد العالمي".
أرسل تعليقك