أظهرت التدفقات المسجلة في بيانات “بلاك روك” انعكاسا مؤقتا في المكانة القيادية لسوق الأسهم العالمية. تظهر التدفقات أن وول ستريت -التي كانت لفترة طويلة أبرز محرك لعوائد الأسهم في جميع أنحاء العالم- تسلم عصا القيادة في الوقت الذي تتراجع فيه المخاوف من ركود أوروبي، بينما يوفر ضعف الدولار بيئة مواتية للأسواق الناشئة.
منذ بداية تشرين الأول (أكتوبر)، ارتفع كل من مؤشر يورو ستوكس 600 بنسبة 19.1 في المائة ومؤشر إم إس سي آي الصيني 24.3 في المائة، وكلاهما متقدم على المكاسب التي حققها مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ونسبتها 16.2 في المائة. خلال الفترة ذاتها، انخفض مؤشر دي إكس واي، الذي يقيس الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات 7.9 في المائة.
دفع هذا بالمستثمرين إلى ضخ مبلغ 7.3 مليار دولار في صناديق الاستثمار المتداولة التي تركز على الأسهم الأوروبية -أغلبهم من المستثمرين الأمريكيين- وهو أعلى رقم منذ يناير 2022، بحسب بيانات “بلاك روك”.
فيما كانت صناديق الاستثمار المتداولة في الأسواق الناشئة مرغوبة أكثر، حيث اجتذبت قيمة صافية بلغت 15.9 مليار دولار، وهو أيضا أعلى مستوى في 12 شهرا، مع عمليات شراء تقودها الصناديق المدرجة في الولايات المتحدة “قيمتها تسعة مليارات دولار” وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا “قيمتها 5.3 مليار دولار”.
بينما ذهب نحو 7.3 مليار دولار من الإجمالي إلى صناديق دولة واحدة، التي تهيمن عليها الأدوات التي تركز على الصين، التي جذبت 6.4 مليار دولار، بما في ذلك مبلغ قياسي يضاهي 1.8 مليار دولار من الصناديق المتداولة المدرجة في أسواق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، و2.1 مليار دولار من الصناديق الموجودة في الولايات المتحدة.
جاء تدفق الأموال إلى الصين في وقت تم فيه إلغاء عمليات الإغلاق الصارمة بسبب كوفيد في بكين، ما مهد الطريق لتحقيق انتعاش في النمو الاقتصادي. كانت أعلى التدفقات الداخلة منذ حزيران (يونيو) العام الماضي، عندما تم تخفيف قيود كوفيد سابقا ولوح المنظمون بنهج أقل حدة لضبط قطاع التكنولوجيا في الصين بعد إجراءات صارمة غير مسبوقة.
قال ديتليف جلو، رئيس قسم الأبحاث لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة ريفينيتيف ليبر، الذي رأى مجموعة من الاقتصادات النامية تستفيد من ارتفاع الطلب الصيني على السلع “مع إعادة فتح الصين، ونهاية سياسة صفر كوفيد، نشهد فرصة جيدة كي تنتعش الصين وتدفع النمو في الأسواق الناشئة خلال هذا العام”.
من جانبه، قال كريم شديد، رئيس استراتيجية الاستثمار في ذراع “آي شيرز” التابعة لـ”بلاك روك” في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا “لقد شهدنا ارتفاعا في الطلب على المؤشرات الصينية المتنوعة. يتهيأ المستثمرون الآن لتوسع التعافي إلى مجموعة أكبر من الأسواق”.
وأضاف شديد أن “التعافي إثر إعادة فتح الصين ينقسم إلى مرحلتين حتى الآن، الأولى تركز على قطاع التكنولوجيا والثانية تركز على الزيادة في شمولية الشراء في الأسواق الناشئة”.
كما أعرب عن اعتقاده أن المرحلة الثانية ستستمر بالنظر إلى “تحسن الظروف المالية في الشهر الماضي” على الصعيد العالمي بسبب ضعف الدولار وانخفاض عوائد السندات، على الرغم من تشديد البنوك المركزية.
تنبأ شديد أيضا بمرحلة ثالثة من التعافي الذي تدفع به الصين، التي تتضمن شراء شركات السوق المتقدمة المهيأة لنمو صيني متجدد، مثل السلع المنزلية ومخزونات الموارد الأساسية.
قال هووي لي، الرئيس العالمي للمؤشر والصناديق المتداولة في شركة ليجال آند جنرال إنفستمنت مانيجمنت، “إن تدفقات يناير تعكس التقييمات النسبية بين الأسواق الإقليمية.
كان هناك شعور قوي بالتشديد النقدي الدراماتيكي في أوروبا في 2022، ويبدو أن السوق تتوقع بدء الركود قريبا في الولايات المتحدة.
لقد أصبح المستثمرون أكثر ثقة بأوروبا خلال هذا الربع من العام، بعد أن تراجعت المخاوف إلى حد ما حول أسعار الطاقة التي تؤثر في الإنتاجية الاقتصادية”.
لكن جلو كان غير مقتنع بأن التحول الذي حصل أخيرا نحو الأسهم الأوروبية سيستمر. بدلا من ذلك، يعتقد أن كثيرا من المستثمرين الأوروبيين لديهم ببساطة ثقل هيكلي زائد نحو الولايات المتحدة بعد أن استثمروا مبالغ كبيرة في أسهم التكنولوجيا أثناء الجائحة، وأنهم يصححون ذلك.
يعتقد أن التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو أكثر من الولايات المتحدة خلال 2023 من المرجح أن تزيد من قوة اليورو مقابل الدولار، الأمر الذي سيجعل وول ستريت سوقا أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب.
مع ذلك، قال جلو، “لا أعتقد أن هناك نقطة يعتقد فيها المستثمرون الأوروبيون أن الأسواق الأوروبية تتمتع بميزة هيكلية على الولايات المتحدة”.
صناديق الديون المتداولة في الأسواق الناشئة حققت أيضا تدفقات داخلة للشهر الثاني على التوالي بقيمة 2.2 مليار دولار، بعد أول عام لتدفقها الخارجي على الإطلاق في 2022، عندما تبخرت تسعة مليارات دولار.
كانت هناك بعض الدلائل على مضاعفة المخاطرة في الدخل الثابت على نطاق أوسع في يناير، على الرغم من أن الصورة لم تكن مقنعة تماما.
شهدت صناديق الاستثمار المتداولة الائتمانية ذات الدرجة الاستثمارية ثالث أكبر تدفقات داخلة شهرية لها على الإطلاق، إذ إن مبلغ الـ12.6 مليار دولار كان أكبر مبلغ منذ يونيو 2020.
مع ذلك، في حين استحوذت الصناديق المتداولة ذات العائد المرتفع أيضا على 2.4 مليار دولار، أي أكثر من انعكاس التدفق الخارجي البالغ 0.9 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر)، فإن هذا يعد أقل بكثير مما كان عليه في أكتوبر ونوفمبر.
كما يعتقد شديد أنه بدلا من مضاعفة المخاطرة بالانتقال من درجة الاستثمار الأمريكية إلى الديون ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة، كان الأمريكيون يرفعون الرهان من خلال التوسع في الأوراق المالية ذات التصنيف الاستثماري الأوروبي.
“هناك حذر أكثر بشأن العائد المرتفع، إن تقييم الضرر في الاقتصادات (من ارتفاع أسعار الفائدة) هو عملية تتغير باستمرار”، كما قال.
في موضوع آخر، كان الانقسام عبر الأطلسي في الطلب على الصناديق المتداولة “المستدامة” حادا مرة أخرى. استحوذت الصناديق المدرجة في أسواق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا على 5.7 مليار دولار، مع تحويل 3.6 مليار دولار من هذا المبلغ إلى الصناديق المتداولة في الأسهم وهو أعلى رقم منذ تموز (يوليو).
في المقابل، تم سحب 855 مليون دولار من نظيراتها المدرجة في الولايات المتحدة، وهو ثالث أكبر مبلغ على الإطلاق.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك