بيروت ـ وكالات
منذ أن توقف العمل بالروزنامة الزراعية في عام 2012، بدأت منتجات الساحل السوري تدخل إلى لبنان بسهولة وبلا أي رسم. هذا الأمر ينعكس تذبذباً في الأسعار التي ترتفع فجأة وتنهار فجأة، ما يؤثّر مرّة على المستهلك وتارة على المزارع.
للأزمة في سوريا أوجه كثيرة من التداعي في لبنان. بين هذه الوجوه ما يظهر في السوق الزراعية التي تشهد حالة إغراق بالمنتجات السورية. لهذا الأمر نتائج واضحة المعالم؛ فعلى وقع وتيرة دخول الكميات السورية تتذبذب أسعار الخضر في السوق، فيما يتعرّض المزارع اللبناني لمخاطر الإفلاس.
يجزم رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك بأن أسعار الخضر المنتجة محلياً تشهد انهياراً سريعاً بسبب الإغراق الذي تتعرّض له من المنتجات المماثلة الآتية من سوريا. مصدر هذا الإغراق هو الساحل السوري الذي ظل بعيداً نسبياً عن التطورات الميدانية العسكرية في سوريا وأُتيحت له فرصة زراعة وإنتاج كميات من البندورة والخيار والجزر والكوسا والحشائش والباذنجان واللوبيا والفول وسواها من السلع التي لم يعد يتمكن من تصريفها سوى في لبنان.
قبل الأزمة السورية، كان السوريون يصرّفون محاصيلهم الزراعية في 3 اتجاهات: تلبية الطلب المحلي وبيع كميات في المحافظات السورية، التصدير إلى بعض دول أوروبا والخليج العربي، وتصريف قسم من المنتجات في لبنان القريب. غير أن هذه المسارات باتت متعذّرة خلال الفترة الماضية مع ارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية والاقتتال الدائر في بعض المناطق السورية، ما منع النقل الداخلي من إيصال البضائع إلى الاسواق في مختلف المحافظات، وهو الأمر نفسه الذي قطع خطوط التصدير مع دول الخليج العربي أيضاً، رغم أن العلاقات السورية ــــ الخليجية بدأت تشهد انحداراً خلال الفترة الماضية مع بروز توجهات سياسية مختلفة لهذين الفريقين بالنسبة إلى الأزمة السورية. أيضاً جاء تشديد العقوبات الأوروبية على سوريا ليزيد من تذبذب العلاقات التجارية مع أوروبا.
في هذا الإطار، لم يعد أمام المزارعين والتجار السوريين سوى تصريف منتجاتهم في لبنان، نظراً إلى قربه الجغرافي وبسبب احتمال حصولهم على أسعار مرتفعة نسبة إلى كلفة الإنتاج لديهم وتحصيل فواتيرهم بالدولار أو بالليرة اللبنانية التي تبقى في هذا الوقت مربوطة بسعر صرف الدولار بصورة ثابتة.
على الجانب الآخر من الحدود، تبدو عناصر القصة مختلفة قليلاً. فبالنسبة إلى لبنان، كانت السلع الزراعية الآتية من سوريا خلال فترات لا يزرع فيها اللبنانيون منتجات مماثلة، مفيدة للسوق المحلية وتفرض نوعاً من التوازن في الأسعار، أما إذا جاءت هذه الكميات من سوريا خلال فترة «الموسم» في لبنان، فإنها ستكون مدمّرة. «لهذا السبب كانت هناك روزنامة زراعية تنظم وتوازن استيراد وتصدير السلع بين الدول العربية فتسمح للدول بفرض رسوم جمركية على بعض المنتجات خلال فترات معيّنة وإزالتها خلال فترات أخرى» يقول الحويك. غير أن العلم بهذه الروزنامة توقف في عام 2012، ما انعكس مباشرة على المزارعين اللبنانيين ابتداءً من تشرين الأول 2012. يومها، وفق رواية الحويك، شهد لبنان دخول 2280 طناً من البندورة مقارنة مع 22 طناً خلال الشهر نفسه من عام 2010 حين كانت الروزنامة لا تزال سارية المفعول. وفي تشرين الثاني 2012 دخل إلى لبنان 4815 طناً من البندورة مقارنة مع 420 طناً في تشرين الثاني 2010... وهذه الوتيرة من التصدير انعكست على كل السلع المنتجة، ابتداءً من تشرين إلى اليوم، حتى بدأت تصبّ غالبية الكميات المنتجة على الساحل السوري في أسواق طرابلس اللبنانية.
رغم ذلك، كان يمكن السلطة في لبنان أن تضع قيوداً غير جمركية تحدّ من دخول السلع إلى لبنان، إلا أن وزارة الزراعة لم تذهب في هذا الاتجاه؛ «فهذه الوزارة لم تعدّل أي قرار يتعلق باستيراد السلع الزراعية ما أتاح، على سبيل المثال، استيراد بضاعة الباب الثالث، ولم تحدّد مواصفات السلعة التي يسمح لبنان بإدخالها ولا طرق توضيبها... ما أسهم في تسعير الكارثة الحالية التي تطيح مزارعي الخيم في الشمال مع استمرار دخول البضائع السورية إلى لبنان».
انعكس هذا الوضع على الأسعار في السوق المحلية، فشهدت انهياراً في بعض الأصناف سبّب خسائر كبيرة للمزارعين. فعلى سبيل المثال، عقدت صفقات لبيع الفريز بسعر 800 ليرة للكيلوغرام الواحد بالجملة، رغم أن كلفة إنتاجه في لبنان تبلغ في حدّها الأدنى 1500 ليرة. ويؤكد الحويك أن أسعار الخيار انهارت خلال فترة الخريف، فيما تذبذبت أسعار البندورة وأصبحت مرتبطة بوتيرة دخول الشاحنات المحملة بالبضائع السورية عبر المعابر الحدودية، ليصبح سعر الكيلوغرام مرّة بـ800 ليرة ومرّة ثانية بـ1500 ليرة.
إزاء ما يحصل، تبدو أسعار الخضر والحشائش عرضة لتغيّرات سريعة وحادّة خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً بعدما أصدرت لجنة مزارعي البيوت المحمية في الشمال بياناً تطلب فيه من الجمارك اللبنانية ووزارتي الزراعة والاقتصاد «منع دخول الشاحنات الخارجيّة والمحمّلة بالخضر من بندورة وخيار وكوسا وباذنجان وملفوف وجزر... لذلك، فإنه اعتباراً من تاريخ 17 نيسان وحتى 31 أيار 2013 لن نسمح بدخول الشاحنات المحملة بهذه المنتجات إلى لبنان».
هذا الموقف يعني ببساطة، أن الأسعار سترتفع إلى حدود قصوى خلال الأيام التي تنجح فيها اللجنة من منع دخول الكميات من سوريا، وستنهار حين تفشل في ذلك، ما يعني أن من يدفع الثمن هو المستهلك أو المزارع.
أرسل تعليقك