يقف العديد من أصحاب المهن الشاقة الذين يواجهون صعوبات قاسية في شهر رمضان، تحت أشعة الشمس الحارقة كعمال التراحيل والبناء، والكماسرة، والعتالين، وسائقي المركبات العامة والعاملين في المخابز، من أجل لقمة العيش، وتوفير قوت يوم أبنائهم.
فأصحاب المهن الشاقة يتعرضون لأشعة الشمس الحارقة أو حرارة نيران الأفران ما يفقد أجسامهم الكثير من اللياقة والطاقة ويحتاجون إلى رعاية خاصة خلال الشهر الكريم، ورُغم حرارة الجو وطول ساعات الصيام يلتزم هؤلاء بالصيام، ويمارسون أعمالهم، التي تتطلب مجهودًا بدنيّا كبيرًا، رافضين منحة دار الإفتاء التي أجازت لمن يبذلون مجهودًا شاقًا، الإفطار خاصة إذا جاء رمضان في فصل الصيف، وأن يكون هذا العمل هو مصدر رزقه الوحيد.
"روز اليوسف" رصدت أحوال 5 من بين أصحاب المهن التي لا تعرف الراحة في نهار رمضان، ومن داخل أحد المخابز، يعمل عم حسن صاحب الـ 45 عامًا، منذ 30 سنة يواجه نيران الفرن وهو صائم بصبر، يقول: "يبدأ العمل بالمخبز في شهر رمضان من الساعة الثامنة صباحًا للثالثة مساءً، حتى يتمكن العاملون بالمخبز في الإفطار بمنازلهم".
وأكد عم حسن- الذي يعمل داخل فرن عبارة عن غرفتين إحداهما للعجن وتقريص الخبز والثانية يوجد بها الفرن- أن إحدى الصعوبات التي تواجهه هى الوقوف أمام الفرن لفترات طويلة وبالرغم من هذا يحرص العاملون بالمخبز على الصيام قائلا: "الله المُعين"
ومن المخبز حيث حرارة الفرن، إلى أحد مصانع التلحيم بالسادس من أكتوبر، ما أن تطأ قدماك المصنع، إلا وتشعر كأنك دخلت أحد الأفران، حيث تتغير درجات الحرارة وتحس بالهواء الساخن ورائحة الحديد المنصهر تكاد تخنق أنفاسك.
عم جمال الرجل ذو الـ40 عامًا يعمل بالمصنع منذ 20 سنة، بدوام من 8 صباحا إلى 8 مساء، وفي شهر رمضان، يوفر لهم المصنع وجبات للإفطار.. وهو المسؤول عن تعريض لهيب النار لجزء معين من الحديد باستخدام ماكينة تدعى البشبورى، حيث يقف أمام لهيب النار ما يقرب الـ 12 ساعة يوميا، ورغم ذلك يرفض رخصة الإفتاء ويواصل صيامه.
مينا ناجح مدير المصنع، أوضح أن المصنع يعمل 24 ساعة وهناك تغيير بالمواعيد فيحاول عمل موازنة بين العمال المسلمين بأن يعملوا بدوام ليلي والعمال المسيحيين يعملون خلال الفترة الصباحية، إلا أنه في بعض الأحيان يجبر على قيام بعض العاملين المسلمين بدوام نهارى لحاجة العمل، كما أن بعض العمال يرفض العمل الليلى، لذا يوفر لهم وجبة إفطار بالمصنع حتى لا يؤثر ذلك على سير الإنتاج.
الحال في ورش لحام جنوط إطارات السيارات، لا يختلف كثيرًا عن مصنع اللحام، فتحت درجات الحرارة العالية وشظايا اللحام المتطاير، يعمل "تيتو" صاحب الـ30 عامًا، في إحدى الورش، حيث يقوم بلحام الإطارات، ويبدأ يومه في نهار رمضان من الساعة الـ 1 ظهرًا إلى السادسة مساء ثم يعود لاستئناف العمل في الـ 9 مساءً للثانية بعد منتصف الليل. وقال الصعوبة التي أواجهها دائما في عملى أنه لا بُدّ من العمل واللحام في مكان مفتوح لذا فإن حرارة الشمس هى أكثر ما نواجهه من صعوبات أثناء الصيام.
ومن اللحام إلى ورشة خراطة، حيث الحاج محمد ذو الـ50عاما، يعمل بمجال الخراطة منذ 40 عاما، توارث المهنة عن أبيه، حيث كان يعمل معه منذ أن كان عمره 10 سنوات، موضحًا أنه يعمل بنهار شهر رمضان لأن الزبائن يتوافدون نهارًا فقط، والورشة تغلق في الساعة السادسة، وفي باقى شهور السنة يعمل نهارًا فقط.
الورشة بها ثلاثة عمال، تفتح أبوابها في تمام الـ9 صباحًا يوميّا وتغلق قبل أذان المغرب، ويُصر الحاج محمد على أن يفطر مع عماله مرّة أسبوعيّا وهي عادة توارثها عن أبيه، وعن العمل يقول: "ربنا بيقدرنا الحمد لله على أننا نصوم ونشتغل في نهار رمضان".
وفي نهار رمضان لا نستطع أن ننسى دور رجال الشرطة والمرور لتنظيم حركة السير تحت أشعة الشمس الحارقة، حيث يقول أحد أفراد الشرطة إنه يبدأ عملهم من 7 صباحًا إلى 3 مساء، وأحيانا من3مساء لـ11مساء، موضحًا أن ساعات الذروة تكون عادة مع خروج الموظفين من أعمالهم فتكون الحركة المرورية في حالة شلل تام، وهو ما يتطلب تواجدهم في الشارع، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية تقدم لهم يوميّا «وجبات» للإفطار.
رخصة الإفطار
كانت دار الإفتاء قد أجازت لهؤلاء الإفطار في رمضان، وقالت في بيان لها: "من المقرر شرعًا أن من شرائط وجوب الصيام القدرة عليه، والقدرة التي هى شرط في وجوب الصيام كما تكون حسية تكون شرعية، فالقدرة الشرعية تعنى الخلو من الموانع الشرعية للصيام، وهى الحيض والنفاس، وأما القدرة الحسية فهى طاقة المكلف للصيام بدنيا، بألا يكون مريضًا مرضًا يشق معه الصيام مشقة شديدة، أو لا يكون كبير السن بدرجة تجعله في منزلة المريض العاجز عن الصوم، أو لا يكون مسافرًا، فإن السفر مظنة المشقة، كما قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه" رواه الشيخان.
وأضاف: "أنزلت المظنة منزلة المئنة"، فالسفر مانع من وجوب الصيام وإن لم تكن هناك مشقة بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بالمكلفين، ومن يسر هذه الشريعة الغراء.. ومن القدرة الحسية أيضا ألا يكون المكلف يعمل عملا شاقا لا يستطيع التخلى عنه في نهار رمضان؛ لحاجته أو لحاجة من يعول؛ فإن كان المكلف لا يتسنى له تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله في لياليه فإن الصيام لا يجب عليه في أيام رمضان التي يحتاج فيها إلى أن يعمل هذا العمل الشاق في نهاره؛ من حيث كونه محتاجا إليه في القيام بنفقة نفسه أو نفقة من عليه نفقتهم، كعمل البنائين والحمالين وأمثالهم، وخاصة من يعملون في الحر الشديد، أو لساعات طويلة".
أرسل تعليقك