نيقوسيا - د.ب.أ
يقول كريس الذي جاء لتسلم كيس مليء بالمواد الغذائية المجانية من احدى الكنائس في نيقوسيا، على غرار عدد متزايد من القبارصة، "لم يخطر في بالنا قط اننا سنصل الى هذه الحالة في يوم من الايام"، ويعكس كلامه تفاقم الازمة الاجتماعية في قبرص التي تشهد كسادا شاملا.
واضاف "كنت اعمل في مهنة النجارة، وزوجتي في صناعة المواد الغذائية، وكنا نملك سيارتين ونعيش حياة رخاء.. لقد استمر هذا الوضع حتى فقدنا عملنا" قبل اشهر. وقال "اننا نستخدم الشموع اليوم، لان مدخراتنا لم تعد تكفي لدفع فاتورة الكهرباء، وجئت اتسلم المساعدة في هذه الكنيسة".
وفي اعقاب عقود من النمو الذي غزته السياحة والقطاع المالي، شهد الاقتصاد القبرصي ازمة اقتصادية استمرت سنتين، ثم ازمة مالية حادة في اذار/مارس ادت الى تقليص كبير لقطاعها المصرفي الضخم. والبطالة التي بقيت نسبتها لفترة طويلة تناهز 5%، شهدت ارتفاعا غير مسبوق في الاشهر الاخيرة، وسجلت رقما قياسيا بلغ 17%، وما زال يواصل الارتفاع. وتتعرض اجور عدد من الاجراء لاقتطاعات كبيرة، وكذلك الموظفون والمتقاعدون في اطار تدابير التقشف الرامية الى انقاذ الجزيرة من الافلاس.
وقالت ايليني، الخمسينية النشطة التي اتت الى مركز الصليب الاحمر لتسلم كيس يحتوي على زيت ومعكرونة وبرغل وطحين ومواد اساسية اخرى، "ليس متاحا لي خيار آخر، ولم يعد احد يعمل من افراد عائلتي". وهذا سيساعدها على اعالة اولادها الثلاثة الذين عادوا للعيش معها لانهم فقدوا وظائفهم على غرار والدتهم التي كانت سائقة شاحنة. وبعد انتهاء فترة الاشهر الستة المخصصة لمساعدات البطالة، لا يجد عدد متزايد من القبارصة حرجا في طلب المواد الغذائية او العناية الطبية من جمعيات خيرية كانت تقدم مساعدات للاعداد الكبيرة من العمال المهاجرين الى الجزيرة.
وقال تاكيس نيوفيتو مدير الصليب الاحمر "منذ اذار/مارس، ازداد كثيرا عدد القبارصة الذين يستفيدون من المساعدات". واضاف "من قبل، كنا نعنى بالمهاجرين، اما اليوم فيشكل القبارصة 50%" من الاف العائلات التي يساعدها الصليب الاحمر. وجاء في استطلاع للرأي اعده معهد الاحصاءات القبرصية، ان 5،7% من السكان، اي 48 الف شخص باتوا يستفيدون من المراكز الغذائية التي ازدادت بمبادرة من الكنيسة الارثوذكسية والبلديات والافراد.
واطلقت الازمة حركة تضامن في الجزيرة التي لا تزال تحت صدمة خطة الانقاذ الاوروبية في اذار/مارس، وقد شبهها البعض بحركة التضامن التي نجمت عن الاجتياح التركي في 1974، عندما خسر عشرات الاف القبارصة كل ما يملكونه بين ليلة وضحاها. وتؤمن هيئة من الاطباء الذين عادة ما يقومون بمهمات انسانية في الخارج، استشارات طبية ومعاينات مجانية منذ الربيع في خمس مدن.
وفي نيقوسيا، يأتي عشرات المرضى في عطلة الاسبوع الى المركز الذي اعده الاطباء المتطوعون في المدينة القديمة. وفي الغرفة البدائية والباردة في هذا الصباح من كانون الاول/ديسمبر، يعنى طبيبان متطوعان بالمرضى مستخدمين معدات فائقة التطور قدمت القسم الاكبر منها شركات طبية خاصة.
وقال والد احد المرضى "لقد شخص الطبيب اصابة ابنتي بذات الرئة الاسبوع الماضي"، وشكر له بحرارة متابعة العلاج. واضاف "لا استطيع الذهاب الى المستشفى، لقد خسرت وظيفتي وبالتالي بطاقتي للضمان الاجتماعي. انهم اطباء ماهرون هنا، والمعاينة والعلاج مجانيان".
وبالاضافة الى عشرات الاطباء الذين يعاينون المرضى مجانا يومي السبت والاحد، تعمل في اطار هذه المنظمة غير الحكومية التي تمولها هبات من مؤسسات وافراد، شبكة من الاختصاصيين الذين يقبلون استقبال المرضى الذين ترسلها لهم. وقال الدكتور جورج ماكريانيس رئيس منظمة اطباء متطوعون "اننا نعالج 25% من الاجانب بينهم عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، و75% من القبارصة ولاسيما المتقاعدون والعاطلون عن العمل وعدد كبير من الاطفال".
ويأتي البعض لاجراء معاينة طبية بتكاليف زهيدة من دون الانتظار في قاعات الطوارىء او لانهم لا يحق لهم الحصول على العناية الطبية في المستشفيات الحكومية. وخلص الدكتور ماكريانيس طبيب القلب الى القول "لكن بالنسبة الى آخرين، من الصعب عليهم حتى ان يدفعوا المبالغ الزهيدة التي يطلبها المستشفى الحكومي منذ شهرين عن اي استشارة او معاينة طبية".
أرسل تعليقك