نيقوسيا ـ أ.ف.ب
بعد عام على الأزمة المالية التى هزت قبرص، تلتزم الحكومة بشكل جيد فى الإجمال بخطة التقشف، لكن التكيف مع الوضع لا يزال صعبًا، وخصوصاً بسبب البطالة، بعد سنوات من الاقتصاد المزدهر.
ويقول أكيس كوروزيدس (45 عاما) المدير السابق فى أحد المصارف والعاطل عن العمل منذ أشهر: "أبحث عن عمل منذ اليوم الأول الذى تركت فيه المصرف"، "إلا أن سوق (العمل) شبه ميتة".
وحصلت قبرص التى كانت على شفير الإفلاس بسبب انكشاف مصارفها بشكل كبير أمام الديون اليونانية، فى 16 مارس 2013 على قرض بقيمة 10 مليارات يورو فى إطار خطة إنقاذ أوروبية، وتسلمت حتى الآن نصف هذا المبلغ تقريبا.
فى المقابل، اضطرت الحكومة إلى القيام باقتطاعات صارمة من الموازنة والقيام بعمليات خصخصة، وخصوصا تصفية ثانى أكبر مصارف البلاد "لايكى" وإعادة هيكلة المصرف الأول "بنك أوف سايبرس"، مما ألحق بالمودعين خسائر تتراوح بين 47.5 و100% من مدخراتهم التى تفوق المئة ألف يورو.
وفى مطلع مارس، أبلغت الهيئات الثلاث المانحة إلى قبرص (الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى والمصرف المركزى الأوروبى) الجزيرة بأنها على الطريق الصحيح مع تراجع الركود الذى سجل 6% فى 2013، نقطتين عن التوقعات، مما أتاح صرف الشريحة الثانية من المساعدة، التى تبلغ قيمتها 236 مليون يورو.
لكن وفى ظل شلل الاقتصاد، تواصل البطالة الارتفاع وانتقلت من 11.8% فى 2012 إلى 16.2% فى القسم الثالث من 2013 (38.5% لمن تقل أعمارهم عن 35 عاما)، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة العامة إلى 19%.
ومع أنها لا تزال بعيدة عن جارتها اليونان التى تجاوزت فيها هذه النسبة 27%، إلا أنه لا يزال من الصعب تقبلها فى مجتمع كانت فيه فكرة البطالة حتى 2008 غير مطروحة فعلا إذ كانت تراوح 4% من إجمال الناتج الداخلى الذى كان فى تحسن شبه متواصل منذ أربعين عاما.
وأوضح أندرياس كريستو مسئول خدمات التوظيف فى وزارة العمل "لم نواجه أبدا مثل هذا الوضع"، كما أنه لا يتوقع أى تحسن ممكن فى المستقبل القريب.
وأضاف كريستو أن الخريجين من الشباب "هم القسم الأكبر من المشكلة" بالنظر إلى شريحة العمر.
والقطاعات الأكثر تضررا هى المصارف حيث فقدت ألفا وظيفة من أصل 11500 بحسب نقابة المصارف، والتجارة كما يدل على ذلك عشرات المتاجر الفارغة على جادة ماكاريوس التى كانت تعج بالنشاط فى وسط نيقوسيا.
واعتبرت كاليوبى أغابيو- جوزيفيدس أستاذة العلوم السياسية والاجتماعية فى جامعة نيقوسيا أن "المجتمع القبرصى لا يزال اليوم تحت وقع الصدمة، كنا نثق بنموذج اقتصادى وديمقراطى يتقدم بشكل منتظم ولم يخطر لنا أبدا أن الوضع سينقلب على هذا النحو".
وأضافت أن الجيل الشاب "الأكثر تعلما والذى استفاد من الاقتصاد المزدهر هو من سيدفع الثمن الأكبر".
واعتبر كريستو أن قسما كبيرا من الشباب باتوا يختارون الخارج بعد التخرج ويحاولون تأخير عودتهم إلى الجزيرة إلى أقصى حد من خلال التدرج أو مواصلة الدراسة لفترة أطول مما كان مقررا.
وتابع أن القسم الآخر يفضل الهجرة، مما يشكل هجرة للأدمغة لم يتم تقييم تأثيرها رسميا بعد لكنها "كبيرة" كما سيتبين على الأرجح.
فى المقابل، أعدت الحكومة خطة اندماج تتيح لـ2500 متخرج اكتساب خبرة لدى شركات لمدة ستة أشهر لقاء 500 يورو شهريا، كما من المفترض أن يتم إطلاق خطة ثانية تشمل 2500 وظيفة قريبا.
وعلاوة على ذلك، تم إنشاء مجالات تدريب متعلقة بمهن صناعة الغاز على أمل أن يعود احتياطى الغاز الكبير الذى اكتشف قبالة سواحل الجزيرة بمداخيل كبيرة على البلاد.
إلا أن التضامن الأسرى القوى تقليديا يساعد أيضا فى التقليل من وقع الأزمة، فالأبناء يساعدون أهلهم الذين خسروا رواتبهم التقاعدية كما يهتم عدد متزايد من الجدات بالأحفاد، بدلا من إرسالهم إلى دور الحضانة.
وقالت أغابيو جوزيفيدس "إن من ميزات قبرص شبكة الأمان المتمثلة بالأسرة والتى لا تتخلى عن أحد".
أرسل تعليقك