الرياض ـ واس
كشفت دراسة صدرت مؤخرا أن التكلفة الاقتصادية لتآكل المنشآت النفطية في المملكة تستهلك 4.2% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، حيث تساهم قسوة أجواء المملكة وتوفر جميع محفزات التآكل في تفاقم المشكلة.
وتعتبر مشكلة التآكل في قطاعات صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات إحدى أهم المشاكل التي تستقطب اهتمام الباحثين والمطورين، باعتبارها تستقطع الجزء الأكبر من تكاليف الصيانة التي تخصصها الشركات العاملة في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات.
وبينت الدراسة التي قامت بها شركة ارامكو أن 36% من تكاليف الصيانة للمصافي المحلية الرئيسية تصرف لمعالجة ومكافحة التآكل، بينما كلفت معالجة التآكل 25% من تكاليف الصيانة في معامل تنقية الغاز و17% في معامل تكسير الغاز، واستحوذ التآكل على 28% من تكاليف الصيانة في عمليات الإنتاج البرية، بينما يستهلك من 60 إلى 70% من تكاليف الإنتاج في عمليات الإنتاج البحري. ويؤثر التآكل في الحد من قدرة المعامل إلى درجة أن أثر التآكل في خفض أداء وكفاءة المعامل يبلغ أضعاف تكاليف الصيانة.
وذكر الدكتور رامي سليمان الباحث في مركز التميز البحثي في التآكل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أنه يترتب على مشاكل التآكل توقف المنشآت الانتاجية عن العمل توقفا غير مبرمج، وما ينتج عن ذلك من كلفة اقتصادية إضافية، كما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الصيانة الدورية وتبديل الأجزاء. وتدخل الإجراءات الوقائية للحد من التآكل يضمن تكاليف التشغيل والصيانة. ويؤدي التآكل إلى تغيير الطبيعة الكيميائية للوسط وتلوثه بشكل يؤثر على جودة المنتج.
ولا يقتصر ضرر التآكل على الناحية الاقتصادية بل يؤدي إلى مخاطر صحية وأضرار بيئية يصعب التنبؤ بها، فمثلاً قد يؤدي حصول التآكل بين الغازات والاحماض المتكونة نتيجة التفاعلات مع سطوح الخزانات إلى انهيار تلك الخزانات، وبالتالي تحرر الغازات كغاز كبريتيد الهيدروجين الخطر، كما يؤدي حصول تآكل في جزء معدني صغير إلى انهيار أو سقوط منشأة بشكل كامل.
وأوضح أن مركز التميز البحثي في التآكل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن يقوم بالعديد من الدراسات والأنشطة لمقاومة ومعالجة التآكل في المنشآت الصناعية من خلال عدد من البرامج، منها برنامج مثبطات التآكل المبتكرة، وتتركز البحوث في هذا البرنامج على تطوير مثبطات أكثر صداقة للبيئة من أجل منع التآكل باستخدام مستخلصات النواتج الطبيعية من المملكة العربية السعودية. هذه النواتج لها إمكانية لتصبح نواتج تجارية موجهة في المقام الأول لصناعة الغاز والنفط في المملكة. كما يملك المركز القدرة على تصميم مثبطات تآكل جديدة وغير مألوفة باستخدام المحاكات الحاسوبية الحديثة.
ومن خلال هذا البرنامج دخلت بذور التمر «النوى» إلى التطبيقات الصناعية في قطاع النفط والغاز، فقد اكتشف باحثون في مركز التميز البحثي في التآكل بجامعة الملك فهد أن مادة مستخلصة من بذور التمر «النوى» تمنع تآكل المعدات المصنوعة من الحديد الصلب منخفض الكربون المستخدمة عادة في صناعة النفط والغاز مثل خطوط الأنابيب والحاويات. وتتميز المادة المستخلصة، إضافة إلى كفاءتها العالية، بصداقتها للبيئة.
ووفقا لمجلة الجمعية الكيميائية الأمريكية المتخصصة بالصناعة وبحوث الكيمياء والهندسة الكيميائية التي نشرت التقرير، فإن الباحثين في جامعة الملك فهد توصلوا إلى مصدر غير تقليدي لمادة ثبطت عملية التآكل في خطوط أنابيب وخزانات النفط والغاز. وهذا المصدر هو مستخلصات بذور نخيل البلح، تلك الأشجار الطويلة الشاهقة التي لا تزال حتى الآن مصدر الغذاء بصورة أساسية في المملكة العربية السعودية، حسب وصف التقرير.
وقال الدكتور سافوير أمورين: إنه في إطار البحث عن وسائل طبيعية، أو ما يطلق عليها «وسائل خضراء» لمنع التآكل في المعدات المعدنية المستخدمة في صناعة النفط والغاز، توصل هو وفريقه إلى مادة مستخلصة من «النوى» تمنع تآكل خطوط الأنابيب وحاويات النفط والغاز. موضحا أن الحديد الصلب يتآكل عند تعرضه لبيئات حمضية أثناء عمليات إنتاج النفط. وأوضح أنه بالرغم من وجود جزيئات عضوية يتم استخدامها حاليا للحد من معدلات تآكل هذه المعادن، إلا أن الكثير منها يعتبر مواد كيميائية سامة. وتابع «لذلك قررنا التحقق من احتمالات استخدام مستخلصات بذور نخيل البلح كمثبطات للتآكل».
وأضاف «وجدنا أن مستخلصات بذور نخيل البلح تحول دون تآكل الحديد الصلب ذي الكربون المنخفض والمُستخدم في خطوط أنابيب النفط وغيرها من التطبيقات. وأشار إلى أن هذا هو الاختبار الأول لمستخلصات البذور كمواد مضادة للتآكل».
وأكد أن الاكتشاف إضافة مهمة في مثبطات التآكل. حيث تمكن من استبدال المثبطات المكلفة الضارة بالبيئة بنوع رخيص يمكن الحصول عليه بسهولة في المنطقة كما أنه صديق للبيئة.
وقال إن الأبحاث المخبرية أعطت نتائج مشجعة، وسيتم اختبار المستخلص على نطاق صناعي للتأكد من إمكانية استخدامه في منشآت صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات.
وبين أن عملية استخلاص المادة في غاية السهولة حيث يتم طحن النوى واستخدام مذيبات خاصة ومن ثم استخلاص المادة الفعالة، وبين أن جميع أنواع نوى التمر تملك نفس الخصائص ويمكن الاستفادة من جميع أصناف التمور لإنتاج هذه المادة، وهو ما يعطي هذه الثمرة المباركة قيمة مضافة.
ولفت إلى أن شركات كبرى أبدت اهتمامها بنتائج الدراسة، وسيعقد المركز قريبا لقاء مع إحدى الشركات الوطنية لعرض نتائج الدراسة وبحث إمكانية تطبيقها في منشآت الشركة. وأضاف أن المركز في طور التقديم بطلب براءة اختراع عن الدراسة في مكتب براءات الاختراع الأمريكي.
أرسل تعليقك