الخرطوم ـ عبدالقيوم عاشميق
اختتم وزير الخارجية السوداني علي كرتي، الثلاثاء، زيارة إلى باريس، حيث احتلت قضية ديون السودان حيزًا من محادثاته مع المسوؤليين الفرنسيين، بعد أن وصلت إلى مايقارب 45 مليار دولار أميركي, حسبما ذكر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية السفير العبيد أحمد مروح.
وقال الخبير الاقتصادي ووزير الدولة السابق في وزارة المال السودانية، البروفسير عز الدين إبراهيم، في تصريحات لـ"العرب اليوم"، إن "طلب وزير الخارجية السوداني استند على مبادرة أطلقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تقضي إعفاء الدول المثقلة بالديون، وتقوم فكرتها في الأساس على وصول الديون الخارجية إلى حجم يصعب أن تسدده الدولة كما في حالة السودان، وقد استفادت بعض الدول من المبادرة من بينها أوغندا، ورغم أن السودان من الدول المؤهلة للاستفادة من المبادرة، إلا أن الذي يحدث هو أن الولايات المتحدة الأميركية ظلت تعارض سرًا وعلانية إعفاء ديون السودان لأسباب سياسية بالدرجة الأولى".
وأضاف البروفيسير إبراهيم أن "نادي باريس، وهو تجمع للدول الغربية الدائنة، لابد من أن تتقدم دولة عضو فيه بمبادرة تدعو فيها الدول الدائنة لعمل شئ في أمر الديون، بإعفائها جزئيًا أو كليًا، وكلا الأمرين يتم في الغالب وفق شروط معينة، قد تكون شروطًا اقتصادية أو سياسية، فالشروط الاقتصادية لن تبتعد عن مطالبة الحكومة السودانية بتبني سياسات أو إصلاحات اقتصادية من بينها رفع الدعم عن السلع، أما الجانب السياسي فهو في الغالب لن يتعدى الحديث عن قضايا مثل إطلاق الحريات وإشاعة الديقراطية وحقوق الإنسان، وجميع هذه القضايا ظلت محطات خلاف بين السودان وهذه الدول منذ سنوات"، موضحًا أن "الديون تبلغ في الاصل 11 مليار دولار، تضاعف حجمها بسبب جزاءات فرضت عليه في ما بعد".
وعن أثر تراكم هذه الديون على الاقتصاد الكلي في السودان، أكد وزير المال السوداني الأسبق (أول وزير للمال في حكومة عمر البشير) الدكتور سيد علي زكي، أن "أول الأثار وأخطرها هو حرمان السودان من الحصول على المزيد من القروض التي تقدمها الدول والمؤسسات المالية الدولية، وأن معالجة قضية ديون بلاده من القضايا الشائكة والمعقدة بالنظر إلى الظروف الأمنية وصراع المركز والهامش المحتدم منذ سنوات، لكنه عاد وقال إن "هناك دول عانت من المشكلة نفسها مثل الهند، لكنها اعتمدت سياسات اقتصادية متقدمة ساعدتها في عبور أزمة الديون".
وأضاف الدكتور زكي في حديث لـ"العرب اليوم"، أن "المطلوب من الحكومة السودانية بغض النظر إن عولجت هذه القضية أم لم تعالج، مراجعة الأداء الاقتصادي واتباع سياسة التقشف بدرجة متوازنة حتى لا تؤثر السياسة على القطاعات الإنتاجية والطبقات الضعيفة، وتتسبب في مشكلات من نوع آخر"، موضحًا أن معظم الديون تعود إلى سنوات سابقة وغالبها بسبب جزاءات فرضت على السودان، لأنه لم يسدد أقساط الديون بشكل منتظم، وقد صرفت هذه القروض في حينها، في مشاريع تعثرت في ما بعد، منها صناعية وزراعية ومشاريع الري".
يُشار إلى أن الحكومة السودانية قد راهنت على تطور إيجابي في قضية معالجة ديونها الخارجية، عقب انفصال جنوب السودان العام قبل الماضي، وبخاصة أنها تلقت إشارت بإمكان إتمام ذلك، لكنها لم تحصل على شئ إيجابي حتى الآن، كما تم الاتفاق على تحرك مشترك بين السودان والجنوب تلعب فيه جوبا دورًا محوريًا بمحاولات إقناع الدول الغربية والدائنة للسودان، بتفهم ظروف البلاد الاقتصادية ومساعدته في حل القضية، إلا أن خلافات البلدين حول قضايا أخرى جعل من هذا التحرك أمرًا معقدًا في حد ذاته، حيث تشترط جوبا على الخرطوم تقديم تنازلات في قضايا خلافية أخرى مقابل مشاركتها في التحرك الدولي لصالح إعفاء ديونه الخارجية، وهكذا تختلط السياسية بالاقتصاد في السودان.
أرسل تعليقك