رام الله ـ نهاد الطويل
يشهد الشارع الفلسطيني حالة من الجدل، بشأن مئات الألاف من التصاريح التي يصدرها الاحتلال للمواطنين الفلسطينيين، حيث يرى كثيرون أن هذه التصاريح سياحية اقتصادية، تلحق أضرارًا فادحة بالاقتصاد الوطني الفلسطيني، بسبب ذهاب مئات الألاف من الفلسطينيين خلال شهر رمضان وإجازة العيد إلى إسرائيل، وشرائهم لحاجاتهم من مراكز تجارية للاحتلال والتسوق بملايين الدولارات.
وأعلنت معطيات رسمية، أن ما يقارب ربع مليون فلسطيني من سكان الضفة الغربية المحتلة حصلوا على تصاريح دخول إلى أراضي 48 والقدس المحتلة، وذلك خلال شهر رمضان المبارك لقضاء عطلة عيد الفطر السعيد.
وأكد وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، في تصريحات صحافية، الأحد، أن الاحتلال الإسرائيلي أصدر 220 ألف تصريح لسكان الضفة الغربية، نافيًا أن يكون الحديث عن مليون تصريح.
وكشفت جهات فلسطينية، لـ"العرب اليوم"، أن إدارات الشؤون المدنية في مدن الضفة الغربية، وبالتعاون مع إدارات الشؤون المدنية الإسرائيلية، مخولة بإعطاء تصاريح فورية ولا سيما للسيدات والفتيات والرجال ممن هم فوق الأربعين عامًا, إضافة إلى جهات إسرائيلية أخرى، وشركات تعمل في مجال السياحة، تقوم بالتنسيق مباشرة مع حكومة الاحتلال.
ويتوقع أن تعاني الأسواق الفلسطينية في الضفة الغربية، حالة ركود شديد خلال الأيام المقبلة، في وقت جدد فيه بعض التجار وأصحاب المولات وشركات الملاهي تحميل الجهات الرسمية الفلسطينية المسؤولية عن الخسائر المالية التي لحقت بهم.
وأكد أحد رجال الأعمال، أن توجه مئات الألاف من الفلسطينيين للسياحة في إسرائيل، أدى إلى حدوث حالة أشبه ما تكون بـ"موت" الاقتصاد الفلسطيني في الضفة، نظرًا إلى أن شهر رمضان والأعياد وافتتاح المدارس والجامعات كلها مواسم تجارية ينتظرها التجار بفارغ الصبر طوال العام وخلال شهرين، فيما لم يستفد من هذه الفرص إلا التاجر الإسرائيلي، فمن المفترض أن ينفق أن كل فلسطيني نحو 200 دولار، وفق توقعاتهم.
و يرى مراقبون، أن ضرر مثل هذه التصاريح لا يكمن في الضرر الذي يستهدف السوق الفلسطيني، بل تتجاوز الخطورة أبعادًا سياسية "تطبيعية" وأمنية وتداعيات ذلك على الأوضاع كافة، مما يستدعي دراسة الحالة بجدية وعلمية ومهنية من قبل الأطراف كافة ذات العلاقة بما فيها الأمنية، ويسترعي اهتمام المسؤولين والقيادة، وإلى جانب ما تسببه هذه التصاريح من دعم للاقتصاد الإسرائيلي، فقد ذهب كثيرون إلى أبعد من ذلك، حيث يحذرون من تجنيد أكبر عدد من الشبان الفلسطينيين ممن هم في مقتبل العمر للعمل مع سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية، وذلك من خلال توزيع كروت تحمل أرقام هواتف وصور بنات إسرائيليات من بائعات الهوى، على شوارع وشواطئ مدينتي يافا وحيفا، حسبما أفاد عدد من شهود العيان.
ونشرت صحيفة "معاريف"العبرية، اخيرًا، تقريرًا عن الشبان الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين يحصلون على تصاريح زيارة من الارتباط المدني الإسرائيلي لدخول الأراضي المحتلة عام 48.
وادعت الصحيفة العبرية، أنه "في الوقت الذي يفترض أن يتقربوا من الله بحصولهم على تصاريح تخولهم دخول المسجد الأقصى، فإن الفلسطينيين يتقربون من البنات على شاطئ تل أبيب، وأن ألاف الفلسطينيين قصدوا خلال الفترة الأخيرة الملاهي الليلية المحاذية لشاطئ البحر في تل أبيب حيث تناولوا الخمور، بعد أن حصلوا على تصاريح تخولهم دخول إسرائيل، بعد ادعائهم أنهم ينوون الصلاة في المسجد الأقصى"، على حد تعبير الصحيفة.
وقالت الصحيفة، إن "قرار منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية السماح لمئات الآلاف من الفلسطينيين زيارة إسرائيل خلال رمضان، نجحت في إثارة قلق السلطة الفلسطينية".
وتطالب السلطة الفلسطينية بالتشجيع على السياحة المحلية، والعمل على "الترشيد" السياحي في الداخل، بحيث تشد الرحال إلى المدن العربية والتاريخية، تواصلاً مع العمق الوطني التاريخي، ودعمًا لسكانها الذين أنهكهم الاحتلال بمخططات الترحيل والتضييق الاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة لسكان القدس وبلدتها القديمة.
وأكد القيادي الفتحاوي حسام خضر، أنه لابد من وقفة أمام ظاهرة إصدار التصاريح للمواطنين الفلسطينيين من سكان الضفة لدخول أراضي 1948 من قبل إسرائيل، معربًا عن قلقه من استمرار إصدار هذه التصاريح بعشرات الآلاف، لمن هم ليسوا بحاجة لها وللشباب وصغار السن، محذرًا في الوقت ذاته من مغبة إعادة التواصل مع المواطن بشكل مباشر، وعمل تفاعل معه، وإعادة العلاقة المباشرة مع الاحتلال.
وأطلقت مجموعة من الناشطين الفلسطينيين، مبادرة أُطلق عليها اسم "طلعلي تصريح، وين أروح"، وتهدف إلى توعية الفلسطينيين لزيارة المطاعم والمقاهي والمحلات الفلسطينية التي يملكها فلسطينيو 48 في إسرائيل، وذلك لتفادي دعم أي مطعم أو محل تجاري إسرائيلي.
وستقوم المبادرة بنشر حملات إرشاد للفلسطينيين، من خلال توزيع منشورات تحتوي على أسماء وأرقام ومواقع المطاعم والمقاهي والمحال التجارية الفلسطينية في المدن الرئيسة المختلفة، مثل القدس وحيفا ويافا والناصره وعكا، بالإضافة إلى أهم أماكن السياحة والاستجمام وملاهي الأطفال المتوقع زيارتها في مثل هذه المناسبات، وتتضمن العروض بعض الخصومات المقدمة من التجار للفلسطينيين لتشجيعهم على الشراء منهم.
وتأتي الحملة في محاولة لتفادي ما حدث في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حيث تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة إلى داخل الأراضي المحتلة عام ٤٨، بعد حصولهم على التصاريح الإسرائيلية، مساهمين بشكل غير مقصود في إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي من خلال التبضع من مراكز التسوق الإسرائيلية.
وأوضح المحلل الاقتصادي طارق الحاج، في إحدى البرامج الإذاعية، أن التصاريح تعتبر من أهم الموارد الرئيسة التي ترتكز عليها الأسواق الإسرائيلية، وأن التصاريح تسهم في ضخ ألاف الشواكل إلى الأسواق الإسرائيلية، وهذا ما يلحق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني وينعش نظيره الإسرائيلي.
وأشار الحاج إلى أن ما يقارب 200.000 فلسطيني زار الأسواق الإسرائيلية العام الماضي خلال الأعياد، مضيفًا "إذا حسبنا تكاليف المواصلات والترفيه، لوجدنا أنها تعدت المليون شيكل، وهذا ما يعتبر تعطيل لمواردنا الاقتصادية، ويعطل السياحة الداخلية الفلسطينية من فنادق ومطاعم ومحال تجارية، وأن الفلسطينيين ينتظرون بفارغ الصبر كل عام قدوم رمضان، طمعًا في باب التصاريح وليس من باب العبادة".
أرسل تعليقك