أكدت دراسة حديثة أعدها مجلس دبي الاقتصادي أن دبي تمتلك اقتصادا حيويا فريدا يماثل اسرع اقتصادات العالم نموا مثل هونج كونج وسنغافورة وأنه رغم النمو الاقتصادي الملفت الذي سجلته الامارة طوال العقود الأربعة الماضية والتطورات الحاصلة في العديد من قطاعاتها فان ثمة آفاقا رحبة للنمو المستدام وتعزيز موقعها على خريطة التنافسية العالمية.
واكدت الدراسة أن تحقيق ذلك يتطلب بالضرورة اجراء تغييرات في استراتيجية التنمية من الاعتماد على التوسع في عنصري العمل ورأس المال الى إحداث زيادة حقيقية ومستمرة في الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج وهذا بدوره يعتمد على استراتيجية "الاقتصاد المبني على المعرفة" والذي يستمد حيويته من مفاهيم تطوير التعليم والبحث العلمي والمعلوماتية ورفع الانتاجية والاعتماد على الابتكار.
وتأتي هذه الدراسة في إطار سلسة أبحاث السياسات الاقتصادية التي يضطلع بها مركز السياسات الاقتصادية والأبحاث الذراع التشغيلية لمجلس دبي الاقتصادي والتي تركز على قضايا الاقتصاد الكلي والقطاعي ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد المحلي.. وتهدف هذه الأبحاث الى رفع مستوى الوعي لدى مراكز صنع القرار بشأن أولويات العمل المطلوب لتعزيز عملية التنمية الاقتصادية على مستوى إمارة دبي ودولة الامارات.
و اعتمدت الدراسة على منهجية المقارنة مع كل من هونج كونج وسنغافورا بوصفهما اقتصادات مدن منفتحة على الخارج وقد استفادت من تدفق العمالة الوافدة اليها فضلا عن الموارد المالية وذات حجم سكاني اقرب الى دبي وموقع استراتيجي لشبكة التجارة العالميةاضافة الى فقرها للموارد الطبيعية.. كذلك تمت المقارنة مع الاقتصاد الأمريكي كمؤشر للاقتصاد العالمي.
واشارت الدراسة الى أن اقتصاد دبي شهد نموا ملفتا خلال العقود الأربعة الماضية.. فبين عامي 1975 و 2008 نما الناتج المحلي الاجمالي حوالي 11 مرة بيد أن وتائر النمو كانت متفاوتة.. فبينما بلغ متوسط النمو خلال الفترة 1975-1990 حوالي 6 بالمائة لوحظ أنه ازداد خلال السنوات التي تلت ليبلغ 9بالمائة .. وتؤكد الدراسة أن عددا قليلا من الدول قد استطاعت أن تحقق ذات الأداء الذي حققته دبي خلال فترة الدراسة وطبقا للبيانات فقد كان معدل النمو الاقتصادي في دبي أقرب الى هونج كونج وسنغافورا ولكنه أسرع بكثير من الولايات المتحدة /الاقتصاد العالمي/.
**********----------********** و لغرض فهم أسباب النمو السريع لاقتصاد دبي قامت الدراسة بتفكيك الناتج المحلي لدبي الى مصادره وكما هو الحال في أي اقتصاد فان مصادر النمو تتمثل بمزيج من التراكم الرأسمالي /المادي/والتوسع في التوظيف بكل خصائصه اضافة الى الزيادة في الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج ومن خلال تحليل البيانات المتعلقة بهذه المصادر وجدت الدراسة ان حصة العامل من الانتاج في دبي لم ينم بنفس السرعة هذا اذا ما قورن بحصة الفرد من الانتاج حيث أن الأول لا يتأثر بالتغييرات الحاصلة في العوامل الديموغرافية والتي تحدد خصائص التنمية لدى اي اقتصاد وكذلك لكونه يستثني ظاهرة العمالة المؤقتة في سوق العمل في الدولة. وتوصلت الدراسة الى أن متوسط انتاجية العامل في دبي كانت متواضعة طوال الفترة 1987-2004.. وفي هذا السياق تشير الدراسة الى ان هذا الاستنتاج يخالف الحال السائد في دول المقارنة حيث نما فيها معدل انتاجية العامل بصورة مستمرة.. وتؤكد الدراسة أن تفهم اسباب النمو البطيء في انتاجية العامل تعد أداة هامة لاقتراح الاصلاحات الملائمة لتحسين اداء اقتصاد الامارة.
و تشير الدراسة الى ان الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج تعد من أهم مصادر النمو التي ينبغي الاهتمام بها وتلبية استحقاقاتها. ويجمع هذا المؤشر عناصر عدة منها: العمل راس المال البشري راس المال المادي. من هنا فان ثمة عوامل يمكن أن تؤثر على هذه العناصرمثل الحوكمة الرشيدةوالتعليم بخصائصه المتنوعةوالتدريب وغيرها.
ووجدت الدراسة ان التوسع في القوى العاملة في دبي كان أكثر من اقتصادات المقارنة وتنسب الدراسة هذه الظاهرة الى طبيعة القطاعات التي تحتاج الى عمالة واسعةاضافة الى النظم المتبعة للتحكم بالهجرة العمالية من الخارج كذلك افادت التحليلات ان اداء اقتصادات المقارنة فيما يتعلق برصيد راس المال البشري كان أعلى مقارنة بدبي.
و اشارت الدراسة الى أن قياس الناتج المحلي الاجمالي ومن ثم الانتاجية الكلية لعوامل الانتاج قد تأثر بالفورة الانفاقية /أي الارتفاع الكبير والمفاجىء في الانفاق/ والذي عكس بدوره ظاهرتين بارزتين في الاقتصاد المحلي وهما ارتفاع اسعار النفط في سبعينيات القرن الماضيوالفورة العقارية والمالية وخاصة خلال الفترة 2005-2008.. وبالمقابل فان انخفاض أهمية هذين العاملين يفسر تدني حصة العامل من الناتج المحلي الاجمالي.
وترى الدراسة ان الانتاجية الكلية للعوامل تمثل في الواقع تجميعا للانتاجية /الموزونة/ للقطاعات الرئيسة المؤلفة لاقتصاد دبي.. كذلك تعكس جميع المتغيرات الحاصلة في الهيكل الاقتصادي لذا فان المصدر الهام للنمو الاقتصادي مرده تحول العمالة من القطاعات غير المنتجة نسبيا الى القطاعات الأكثر انتاجا.. وفي هذا السياق جمعت الدراسة بيانات عن القيمة المضافة لثلاثين قطاعا في دبي كالنفط والخدمات المالية وغير المالية والعقاروغيرهاووجدت ان وتائر النمو كان متفاوتا فيما بين هذه القطاعات.
فبينما كان النمو ملحوظا بالنسبة لقطاع الخدمات لوحظ وجود تباطأ في قطاعات الكهرباء والمياه والغاز.. كذلك وجدت الدراسة تفاوتا في انتاجية هذه القطاعات لاسيما انتاجية العامل وبالتالي تأثير كل ذلك على نمو الانتاج الكلي.
و بخصوص تحديد اولويات العمل المطلوب لرفع الانتاجية على ضوء تحليل البيانات التي تعكس تطور الانتاجية سواء على المستوى الكلي أو القطاعي..ترى الدراسة أن الأمر يتوقف على مدى توظيف رواد الأعمال لأكثر التقنيات انتاجية سواء في عمليات الانتاج أو في الادارة. كذلك يستدعي الأمر رفع درجة تنافسية الانتاج المحلي في الأسواق الدولية.
وتوصلت الدراسة الى عدد من التوصيات لتحسين مستوى النمو الاقتصادي لدبي على نحو يواكب الاقتصادات الأسرع نموا وكذلك يحقق الاستدامة في ظل اقتصاد عالمي بات شديد الاضطراب لكنه شديد التنافسية وتأتي في مقدمة التوصيات ضرورة رسم خارطة طريق لمسيرة النمو في دبي تستمد حيويتها من استراتيجية الاقتصاد المبني على المعرفة وإحدى مقومات هذه الاستراتيجية هي تقوية رصيد رأس المال البشري وذلك من خلال الاهتمام بقطاع التعليم وسوق العمل اضافة الى اقامة التجمعات القطاعية الاقتصادية في مختلف المجالات لاسيما في قطاعي الصناعة والمعرفة.. كذلك العمل على رفع المستوى الفني للانتاج وتحسين درجة تعقد صادرات دبي اضافة التوصل الى استراتيجية للتصدير تركز على نوعية المنتجات المعدة للتصدير.
أرسل تعليقك