تونس_ العرب اليوم
تجاوزت قائمة المواد الحياتية المفقودة في تونس، الغذاء والمحروقات لتطال الأدوية، حيث تشهد الصيدليات نقصا حادا في العديد من الأصناف ومنها الضرورية، وهو ما يضع حياة المرضى في خطر.
وعلى الرغم من أن هذه الأزمة ليست جديدة على التونسيين، إلا أنها ازدادت تعقيدا مع تراكم ديون الصيدلية المركزية (حكومية) وتأخر الطلبيات بسبب عجز الدولة عن سداد مستحقات المزودين، ما صعّب على المواطنين مهمة البحث عن الدواء.
وتنذر أزمة شح الأدوية بمزيد من الانفجار، في ظل مغادرة ثلاثة من كبار منتجي الدواء البلاد وإعلان الغرفة الوطنية للمؤسسات الصيدلية الموزعة للأدوية عن إيقاف نشاطها في كامل تراب الجمهورية ابتداء من يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
رحلة شاقة للعثور على الدواء
تحوّلت عبارة "غير متوفر" إلى شعار المرحلة في تونس. إذ يؤكد المئات من التونسيين أنهم يجدون صعوبات كبرى في الحصول على الأدوية. والأسوأ من ذلك هو أن النقص طال أدوية الأمراض المزمنة وأمراض القلب وضيق التنفس والأدوية الخاصة بعلاج السرطان.
ويؤكد فريد بن محمدية (62 سنة) أنه يذهب يوميا إلى مستوصف سيدي المصباح بمحافظة بن عروس (جنوب العاصمة) للتزود بأدوية ضغط الدم، ولكنه لا يحصل سوى على كلمة "مفقود"، أو "عد في وقت آخر".
يقول فريد لـ "": "صار البحث عن الدواء في مستوصفات تونس كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وكأن فقدان المواد الغذائية ليس كافيا لتضاف إلينا أزمة نقص الأدوية".
يتمتع فريد ببطاقة العلاج المجاني التي تسندها الدولة للعائلات العاجزة عن الإنفاق، ولكنه يؤكد أن علاجه لم يعد مجانيا، فغياب الأدوية من المرافق العمومية يضطره إلى البحث عنها في الصيدليات الخاصة بثمن باهض يقول إنه يقتصه من ميزانية غذائه.
بدورها، تقول فاطمة القاسمي المصابة بمرض السرطان لـ "سبوتنيك"، إنها استوفت أدويتها منذ أسبوع، ولم تتمكن من الحصول عليها لا في المرافق الصحية العمومية ولا في الصيدليات الخاصةوأكدت أن عائلتها باشرت في البحث عمن يجلب لها أدويتها من الخارج. وتضيف: "لم تعد الحياة تطاق، وكثيرون صاروا يتاجرون بأزمة فقدان الأدوية ويستغلون الوضع لكسب أرباح مالية دون أدنى اكتراث بمعطى أن حياة بشر في خطر".
ولا تبدو رحلة العم منصف في البحث عن الدواء أقل مشقة من هذه العائلات خاصة وهو المصاب بأحد أمراض القلب. ويؤكد هو الآخر لـ "سبوتنيك" أنه لم يعثر على معظم أدويته منذ ثلاثة أشهر.
يُطالع الرجل السبعيني وصفة الدواء التي منحها له الطبيب بين يديه، ويقرأ لنا قائمة الأدوية التي وضع عليها عون المستوصف علامة قاطع ومقطوع، في إشارة إلى أنها مفقودة.
وتابع: "من جملة 6 أدوية ضرورية لا أحصل سوى على اثنين، لقد تدهور وضعي الصحي وبت أشعر بالدوار، وكثيرا ما تتسارع دقات قلبي.. لا أعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع المخيف".
أزمة عمرها 6 سنوات
وتدفع أزمة شح الأدوية المواطنين في تونس إلى البحث عن حلول بديلة تكون باهظة وأحيانا خطرة على حياتهم. فمن توفر له المال يتواصل مع أشخاص خارج البلاد للحصول على الدواء، فيما يضطر آخرون إلى شرائه من مواقع غير مختصة وغير مرخصة لبيع الدواء.
ويؤكد رئيس نقابة الصيادلة، نوفل عميرة، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن الأدوية المفقودة باتت تحصى بالمئات وتشمل أدوية حياتية، مشيرا إلى أن القائمة متحركة وهي بصدد التوسع.
وأشار إلى أن أزمة شح الأدوية خلفت معاناة حقيقية للمئات من المرضى الذين باتوا يبحثون عن حلول بمفردهم، من خلال البحث عن الدواء إما خارج البلاد أو على شبكات التواصل الاجتماعي بأثمان مكلفة، واصفا الوضع في المرافق العمومية بـ "الكارثي".
وقال عميرة: "عمر هذه الأزمة 6 سنوات، ولكنها بلغت أوجها في العام الحالي بسبب تفاقم عجز الصيدلية المركزية وتراكم ديونها لدى المخابر الأجنبية بنحو 700 مليون دينار (نحو 221 مليون دولار)، وهو ما دفع بعضها إلى وقف التعامل مع تونس بسبب انعدام الثقة".ويؤكد عميرة أن المخابر العالمية تمثل 40 في المائة من سوق الدواء في تونس، وهي تزود المستشفيات العمومية بـ 70 في المائة من حاجياتها من الأدوية، مضيفا: "قبل سنوات خلت كانت السوق التونسية جاذبة لهذه المخابر على اعتبار سرعة منح الرخص وسهولة استرجاع مصاريف الأدوية، ولكن الأمور تعقدت حاليا بسبب تعطل الرخص وعدم إيفاء الدولة بالتزاماتها المالية مع هذه المخابر".
ولفت عميرة إلى أن الأزمة لا تقتصر فقط على المخابر العالمية وإنما تطال حتى المصنعين المحليين الذين يجابهون صعوبة التزود بالمواد الأولية منذ مدة، ما خلّف اضطرابات في تصنيع الدواء وتوزيعه، مشيرا إلى أن المصانع المحلية تؤمن 30 في المائة من حاجيات القطاع العمومي من الأدوية.
وأضاف: "رغم ارتفاع كلفة إنتاج الأدوية بسبب الارتفاع العالمي للأسعار، تصر السلطات التونسية على عدم الزيادة في الأسعار، وهو ما جعل المصانع المحلية والمزودين يمرون بصعوبات كبيرة".
ويرى عميرة أن الحلول التي تقترحها الدولة منذ 2018 إلى حد الآن لم تخرج من دائرة التسويف وبقيت كلها حبرا على ورق، متوقعا أن تتسع أزمة الأدوية وتزداد حدة في الأيام المقبلة.موزعو الأدوية يواجهون شبح الإفلاس
وتؤكد مؤشرات عدة توقعات عميرة بتواصل أزمة الأدوية، خاصة في ظل إعلان موزعي الأدوية عن إيقاف نشاطهم في كامل تراب الجمهورية ابتداء من يوم الثلاثاء المقبل 15 نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويؤكد عضو الغرفة الوطنية لموزعي الأدوية بالجملة أحمد الكراي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن الموزعين يواجهون شبح الإفلاس والاندثار بسبب عدم تمكينهم من شهادة الإعفاء من الخصم من المورد لسنة 2022 التي اعتادوا الحصول عليها منذ 20 عاما.
وقال "لم يحصل الموزعون على هذه الشهادة منذ 8 أشهر، وهي ضرورية لهذا القطاع الذي تجرع الخسارة تلو الخسارة. فالخصم على المورد يمثل 1 بالمائة، بينما يتراوح الربح الصافي للموزعين بين 0.3 و0.6 بالمائة. وبالتالي فإن حذف هذا الخصم سيؤدي إلى الإفلاس ويجبر المهنيين على الغلق".
ويتولى موزعو الأدوية شراء الدواء من الصيدلية المركزية ومن المصانع المحلية، ثم يوزعونه على القطاع الخاص من صيدليات ومصحات. ويؤكد الكراي أن القطاع يشمل 70 مؤسسة ذات طاقة تشغيلية هامة، هي اليوم مهددة بالإفلاس.
وتابع "إذا ما توقف نشاط التوزيع ستفقد الأدوية من الصيدليات والمصحات الخاصة، وهو ما سيجبر الدولة عن البحث عن مسالك أخرى للتوزيع ليست متوفرة حاليا".
وقال الكراي إن الغرفة الوطنية لموزعي الأدوية عقدت جلسات عدة مع سلطة الإشراف بما فيها وزارة الصحة، ولكنها لم تتلق وعدا بحل الإشكال منذ بداية السنة إلى حد الساعة.
من جانبها، تؤكد السلطات التونسية أنها تسعى لحل أزمة الأدوية في أقرب الآجال، مشيرة إلى أنها بصدد عقد جلسات مشتركة "للنظر في وضعية الصيدلية المركزية وعلاقتها بمزودي الأدوية في تونس، ومطالب الغرفة النقابية الوطنية للصيادلة موزعي الأدوية بالجملة".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك