تونس_ العرب اليوم
خلّف قرار الحكومة التونسية الزيادة في سعر المحروقات موجة من الغضب في الشارع التونسي، خاصة وأنها الزيادة الرابعة على التوالي خلال هذا العام وتتزامن مع غلاء شديد لأسعار مختلف المواد الأساسية.
وأقرت وزارتا الصناعة والتجارة زيادة جديدة في أسعار المحروقات نهاية الأسبوع الماضي شملت البنزين الخالي من الرصاص والسولار اللذان شهدا زيادة بـ 70 مليماً ليرتفع سعر الأول إلى 2400 مليم وسعر الثاني إلى 1860 مليما.
وأقرت حكومة نجلاء بودن زيادة متتالية في سعر المحروقات هذه السنة انطلقت منذ شهر فبراير/ شباط 2022، لحقتها زيادة ثانية في أعقاب نفس الشهر، وثالثة خلال منتصف أبريل/ نيسان الماضي، قبل أن تتلوها زيادة رابعة هذا الشهر.
وبرر الناطق الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي في تصريح لسبوتنيك هذه الزيادات بالظرف العالمي الصعب الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، مشيرا إلى أن الحكومة تبذل مجهودات كبيرة للتحكم في ملف الطاقة.
وأضاف "هذه الحكومة تجد نفسها أمام إكراهات فرضها الوضع الدولي، وهي مجبرة على رفع بسيط في أسعار المحروقات، تحكمت فيه بدرجة كبيرة جدا مقارنة بالعديد من الدول"."الزيادة التي أفاضت الكأس"
ولم يجد توضيح الحكومة آذانا صاغية من العديد من المهنيين وخاصة منهم العاملون في قطاع النقل الذين يقولون إنهم أول من يتحمّل أعباء الزيادة في سعر المحروقات. في الأثناء تتصاعد مخاوف المواطنين من تأثير هذه الزيادة على أسعار بقية الخدمات والمنتوجات ومدى قدرتهم على مقاومتها بطاقتهم الشرائية الضعيفة.
وتنديدا بهذه الزيادات، دخل اليوم أصحاب سيارات الأجرة "تاكسي "في إضراب مفتوح عن العمل، كما عمدوا إلى غلق بعض الطرقات الرئيسية في العاصمة احتجاجا على عدم مراعاة الحكومة لتأثيرات هذه الزيادة على مصالحهم.
واعتبر رئيس الاتحاد التونسي لسيارات الأجرة فوزي الخبوشي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات هي النقطة التي أفاضت الكأس، مشيرا إلى أن مهنيي القطاع يتكبدون خسائر هامة في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب الترفيع المستمر في سعر المحروقات الذي لم تقابله إجراءات مرافقة من قبل الحكومة.
وقال الخبوشي "رفضت السلطة ممثلة في وزارة النقل التجاوب مع مطالب أصحاب سيارات الأجرة والعاملين في هذا القطاع، وهو ما دفعنا إلى التحرك دفاعا عن المهنيين الذين غرقوا في الديون والإفلاس".
ويطالب مهنيو القطاع وفقا للخبوشي بزيادة تعريفة سيارة الأجرة لتغطية تكلفة الإنتاج وتفادي الخسائر الناجمة عن رفع سعر المحروقات وكلفة استغلال السيارات.
وأكد الخبوشي أن النقابة تلقت منذ قليل وعدا من وزارة النقل بالاستجابة لمطالبهم وتحديد جلسة للتفاوض نهاية الشهر الجاري، مضيفا "سنعود إلى الإضراب مجددا إذا ما أخلفت الحكومة وعدها".انعكاسات اجتماعية وخيمة
ويؤكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ "سبوتنيك"، أن الزيادة في أسعار المحروقات لها انعكاسات وخيمة على جيوب الطبقات الضعيفة وحتى المتوسطة.
وأضاف "تقول الحكومة إنها ستراجع سعر المحروقات بشكل شهري تماشيا مع تطور أسعار النفط عالميا، ولكن ما يحصل حقيقة هو أن التخفيض يكون بنسب ضئيلة خلافا لنسب الترفيع".
وأشار بن عمر إلى أن الزيادة الجديدة ستلقي بضلالها على العديد من القطاعات وفي مقدمتها قطاع النقل، لافتا إلى أن عجز المهنيين عن مجاراة كلفة الإنتاج دفع العديد منهم إلى اعتماد تطبيقات الكترونية تكلف أعباء إضافية على المواطن.
وتابع "دائما ما يكون المواطن هو الضحية الأولى لخيارات الدولة وحتى القطاع الخاص، فلا الدولة وفرت له نقلا عموميا مريحا ولا النقل الخاص وفر له خدمات تتماشى مع امكانياته المادية".
وقال بن عمر إن الزيادات التي سيخلفها الرفع في سعر المحروقات ستؤدي إلى تصاعد منسوب التحركات الاحتجاجية الاجتماعية، خاصة وأن شهر سبتمبر مرتبط بالعودة الإدارية والسياسية.
وأضاف "صحيح أن الاتفاق الممضى بين الحكومة واتحاد الشغل سيخفف من حدة التوتر في القطاعات المنظمة التي تنضوي تحت النقابية المركزية، ولكن في القطاعات غير المنظمة سيكون الأمر مختلفا خاصة وأن الزيادة في سعر المحروقات تتزامن مع غياب المواد الأساسية والتضخم الذي عجزت الدولة عن السيطرة عليه".
وقال إن الفترة القادمة ستكون فترة احتجاجات بامتياز، خاصة وأنها تترافق مع سنة مالية صعبة وتسبق إعداد موازنة السنة القادمة التي قد تكون قادحا لموجة جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية، وفقا لقوله.
كيف يمكن حماية القدرة الشرائية للمواطن؟
ويرى رئيس الجمعية التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن الزيادة في سعر المحروقات كانت متوقعة نظرا لورودها في قانون المالية لسنة 2022 الذي تضمن تنصيصا على تقليص الدعم.
وقال الرياحي لـ "، إن هذه الزيادة ستؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، على اعتبار أنها ستفضي آليا إلى الرفع من تكاليف النقل والإنتاج بالنسبة للعديد من الشركات التي ستلجأ بدورها إلى الزيادة في سعر المنتوجات.
وشدد على ضرورة أن تتخذ الحكومة جملة من الإجراءات لحماية المقدرة الشرائية للمواطنين وتخفيف عبء تأثيرات هذه الزيادة على معيشتهم. واقترح في الصدد إعادة هيكلة فاتورة الماء والكهرباء، مضيفا "تقدر منظمة الصحة العالمية الاستهلاك اليومي للفرد بـ 100 لتر من المياه يوميا، وهو ما يتطلب توفير آلية للتخفيف من التكاليف على المستهلك".
أما الإجراء الحمائي الثاني فيتمثل وفقا للرياحي في تحديد أعلى سقف لهامش الربح بالنسبة لمختلف المنتجات وتوسيع قائمة المواد المؤطرة لتخفيف العبء على المستهلك، وإجبار المساحات التجارية الكبرى على التخلي على هامش الربح الخلفي الذي توظفه على الصناعيين، بالإضافة إلى منع استيراد أي منتوج له مثيله في تونس من أجل التشجيع على الصناعات التونسية.
وقال الرياحي إن الإجراءات المرافقة يجب أن تشمل أيضا مراجعة الخدمات البنكية في اتجاه التقليص من نسبة الفائدة التي ترتفع سنويا بنسبة 9 بالمائة، إلى جانب إجبار الأطباء على اعتماد الوصفة الطبية العلمية عوضا عن الوصفة التجارية وذلك بهدف التقليص من كلفة الأدوية.
يذكر أن تونس سجلت ارتفاعا غير مسبوق في نسب التضخم الذي بلغ حاليا 8.6 بالمائة، بعد أن كان في حدود 8.1 خلال شهر يوليو الماضي و7.8 خلال شهر يونيو المنقضي، وفقا لمعطيات المعهد الوطني للإحصاء.
وتعوّل الحكومة التونسية على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال الأسابيع القادمة للحصول على قرض مالي بقيمة 4 مليار دولار تتلافى به عجز الموازنة الذي تجاوز 470 مليون دينار في الثلاثي الأول من السنة الحالية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك