كانوا يتكلمون عن إضرابهم في المقصف عندما داهم عناصر الشرطة القاعة واعتقلوا قادة التحرك، فالحياة النقابية في الصين تترنح بين تجدد ملحوظ من جهة وإجراءات قمعية من جهة أخرى في هذه الدولة الشيوعية.
نفذ أكثر من ألفي عامل في مصنع احذية ينتج قطعا لماركات عالمية مثل "كوتش" اضرابا للمطالبة بدفع المستحقات الاجتماعية الواجب على الشركة تقديمها. وهم ناموا في العراء أمام مباني المجموعة على أفرشة بلاستيكية ملونة.
وقالت عاملة وكالة فرانس برس "فتحوا فجأة الباب وطلبوا منا ألا نتحرك" فيما أكد زملاء لها أنهم تعرضوا لضرب مبرح.
أمضى قادة التحرك يومهم في مركز الشرطة، لكن الإضراب استمر بدعم من السواد الأعظم من العمال وشل الحركة في المصنع التابع لمجموعة تايوانية. وبعد ستة أيام، حقق العمال مطالبهم.
وهذا مثل واحد من مبادرات تحدث بالآلاف في "مشغل العالم" حيث لطالما عرفت اليد العاملة بأنها طيعة ومنخفضة الكلفة، لكنها تعتزم اليوم المطالبة بحقوق أفضل.
وقال أحد العمال الذي فضل مثل الآخرين عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته "قبل 10 سنوات، لم يكن لدينا أدنى فكرة عن القوانين وسبل الدفاع عن مصالحنا".
وقد كانت الرواتب المنخفضة الدافع الأكبر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة للاستثمارات التي ساهمت في ازدياد النمو الاقتصادي للبلاد لكن ارتفاع كلفة العمل تثير قلق السلطات بسبب المنافسة التي تواجهها خصوصا من البلدان الآسيوية الأخرى.
وتصنع منتجات متنوعة جدا في الصين، من السراويل إلى الهواتف الذكية.
وقال لوي شيوي وزير المال الصيني إن البلد قد "يقع في فخ الأجور المتوسطة" (نمو خفيف وكلفة عمل مرتفعة) في حال أثر ارتفاع الرواتب على مردودية الصناعات قبل أن تنتقل الصين إلى اقتصاد موجه نحو الاستهلاك والخدمات والصناعات ذات القيمة المضافة.
ووصف الوزير القانون الذي ينص على مفاوضات بين أصحاب العمل والموظفين ب "المخيف"، منتقدا "السلطة النقابية" المفرطة المسؤولة، في نظره، عن حالات الإفلاس المتعددة في قطاع السيارات في الولايات المتحدة.
وازدادت الإضرابات القصيرة بمعدل أكثر من ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة في الصين لتصل إلى 1379 حالة إضراب العام الماضي، بحسب منظمة "تشاينا ليبور بالتن" (سي ال بي) غير الحكومية التي تتخذ في هونغ كونغ مقرا لها.
ويشمل هذا المجموع أكبر إضراب في الصين منذ عقود نظم في مصنع "يو يوين" للأحذية حيث تصنع منتجات ل "نايكي" و"أديداس" وشارك فيه عشرات آلاف العمال وحصلوا على مطالبهم بالرغم من عمليات التوقيف المتعددة التي نفذت في صفوفهم.
ويخشى الحزب الشيوعي الصيني نشوء حركة عمال مستقلة وهو لا يسمح إلا بنقابة واحدة يتحكم في قراراتها.
لكن العمال الصينيين باتوا اليوم في وضع أفضل بكثير نظرا لتراجع اليد العاملة بسبب تقدم السكان في العمر واعتماد قوانين جديدة تضمن لهم المزيد من الحقوق.
ولفتت منظمة "سي ال بي" إلى أنهم "باتوا أكثر إدراكا لحقوقهم وهم يعون أنهم ينتمون إلى الطبقة العاملة التي تتمتع بالقدرة والطاقة على تحديد مصيرها".
وأصبح اليوم العمال النازحون بغالبيتهم من المناطق الريفية يتقاضون رواتب شهرية تساوي 2864 يوان (408 يورو)، أي أكثر ب 10 % من تلك التي كانت تقدم لهم في العام 2013.
وهذا التحسن ناجم عن نمو البلاد وقواعد العرض والطلب التي أثارت حماسة العمال.
ويتخبط النظام الصيني من جهته بين رغبته في تحسين مستوى المعيشة والاستهلاك بالتالي لتعزيز نفوذه، ومخاوفه من أي حراك اجتماعي قد يهدد مستقبله.
المصدر أ.ف.ب
أرسل تعليقك