بعد مضي نحو 60 يوماً على اتفاق الهدنة الروسي - الأمريكي بشأن وقف الأعمال العدائية في سوريا، اشتعلت الأوضاع في مدينة حلب مخلفة عشرات القتلى والجرحى الأمر الذي يثير علامات الاستفهام حول بنود الاتفاق ذاته ومدى التزام موسكو وواشنطن بالوقوف خلف ما تم إقراره في شهر فبراير الماضي من عدمه.
ففي خضم القصف العنيف على المناطق المدنية في حلب أعلن نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف أن موسكو لن تطلب من النظام السوري وقف غاراته الجوية على منطقة حلب معللاً ذلك بأن الوضع في المدينة يندرج في إطار مكافحة التهديدات الإرهابية.
وأضاف أن روسيا لا تقصف المعارضة السورية قرب حلب، وتنسق إجراءاتها بشكل وثيق بشأن هذه المسألة مع الولايات المتحدة الأمريكية محملاً وفد الهيئة العليا للمفاوضات تأزم العملية السياسية في سوريا بسبب انسحابه من مفاوضات جنيف الأخيرة.
ويأتي الموقف الروسي من قصف الأحياء السكنية في حلب انطلاقاً من الثغرة الموجودة في اتفاق الهدنة والتي تسمح باستثناء المدن السورية من العمليات العسكرية إذا كانت حاضنة لـ"تنظيم داعش" أو"جبهة النصرة" وهي الثغرة التي يتخذها النظام السوري كمبرر من أجل الاستمرار في قصف المدن السورية وبقية الأطراف المعارضة حتى وان خلت من هذين التنظيمين.
وحسب نص اتفاق الهدنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فإنه "وفقاً لقرار المجموعة الدولية لدعم سوريا الصادر في الـ11 من فبراير 2016 فإن الأراضي الواقعة تحت سيطرة "داعش" و"جبهة النصرة" وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن، هي مستثناة من وقف الأعمال العدائية".
من جهة أخرى يأتي التحرك الأمريكي اليوم الأحد بلقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ووزيري الخارجية السعودي والاردني ، عادل الجبير وناصر جودة في جنيف، محاولة من الطرف الثاني الموقع على اتفاق الهدنة لـ"تسجيل موقف " بعد نحو 9 أيام كاملة من القصف والدمار.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تعمل على "مبادرات محددة" للحد من العنف في سوريا وتعتبر وقف إراقة الدماء في حلب أولوية هامة ، موضحا أن وقف العمليات القتالية في اللاذقية والغوطة الشرقية ليس قاصرا على تلك المنطقتين وأن الجهود لتجديد وقف القتال لابد وأن تشمل حلب.
وكان الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قد دعا الأسبوع الماضي روسيا والولايات المتحدة إلى اتخاذ "مبادرة عاجلة" لإعادة تطبيقها وبعد ساعات أعلن عن اتفاق بين الدولتين على "نظام تهدئة" يسري ابتداء من فجر السبت في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق وفي ريف اللاذقية شمالا.
العديد من اتفاقيات الهدنة
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة انتجريتي للأبحاث السياسية فقد شهدت الأزمة السورية منذ أن اندلعت عام 2011 العديد من اتفاقيات الهدنة بين النظام السوري وقوى المعارضة في الكثير من المدن المحاصرة خاصة مع دخول الحرب هناك ذروتها عامي 2013 -2014 أي قبل التدخل الروسي العام الماضي .
ويقول التقرير إنه في الفترة من أواخر عام 2013 وعلى مدار عام 2014 تم رصد 26 اتفاق هدنة بين القوات النظامية السورية وقوى المعارضة في مدن مثل اللاذقية ومعظمية الشام والزبداني والقامشلي وحماة وغيرها، هذا بخلاف هدنة في اليرموك وداريا لم تكتمل وتم خرقها ومن قبل القوى العسكرية المتحاربة.
وأشار التقرير إلى أن العديد من اتفاقيات الهدنة المحلية لا يتم الإعلان عن تفاصيلها أو عن أطرافها بسبب المخاوف الأمنية على سلامة المتفاوضين والمدنيين، لافتاً إلى أن اتفاقيات الهدنة التي يعقدها النظام في مجملها يهدف من ورائها لتحقيق مكاسب عسكرية واستراتيجية على الأرض ولإجبار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة على الاستسلام .
وأضاف التقرير أن النظام يعمد بعد كل عملية تفاوض إلى إظهار أنه قادر على حل خلافاته الداخلية دون الحاجة إلى تدخل خارجي أو رعاة خارجيين لمراقبة اتفاقاته كما حدث في اتفاق التهدئة الموقع برعاية أمريكية - روسية .
وانتهى التقرير إلى أن اتفاقات الهدنة على تعددها مع النظام السوري لم تفلح في وقف الأعمال العدائية أو تؤدي إلى تحسن الظروف الإنسانية للمدن الواقعة تحت الحصار أو في مرمى القصف .
وقد نص اتفاق الهدنة الموقع برعاية أمريكية - روسية في نهاية فبراير الماضي على سريان الهدنة في عموم البلاد على أي طرف مشترك حالياً في عمليات قتالية، عسكرية أو شبه عسكرية، ضد أية أطراف أخرى باستثناء "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة"، وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي.
ويتعين على مجموعات المعارضة المسلحة التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم اعتماده بالإجماع في الـ18 من ديسمبر 2015، بما في ذلك الاستعداد للمشاركة في عملية المفاوضات السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
كما ينص الاتفاق على وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، ضد قوات النظام ، وأي قوات مرتبطة بها وكذلك التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار.
والسماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل في جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرتها العملياتية والسماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها.
أما جيش النظام فيلتزم ، وفقا للاتفاق ، بوقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي ، ضد مجموعات المعارضة المسلحة. وكذلك التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار والسماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل.
القصف الإجرامي المتكرر
وقد نشطت حملات الدعم والإدانة العربية والدولية الأخيرة مع مدينة حلب السورية بعد مقتل 27 شخصا، من بينهم أطفال، في غارة جوية استهدفت مستشفى القدس الواقع بالمدينة حلب جراء صاروخ أطلقته طائرة مقاتلة ضرب مستشفى القدس.
وأعربت دولة قطر عن إدانتها وقلقها الشديدين للوضع الكارثي في مدينة حلب عقب الغارات الدامية التي شنتها قوات النظام السوري، وحذرت من أن هذه الهجمات تهدد الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية لملايين السوريين.
وذكرت وزارة الخارجية القطرية، في بيان لها، أن هذا القصف الإجرامي المتكرر الذي يقوم به النظام السوري ينتهك بشكل صارخ القانون الإنساني الدولي والأعراف الدولية، ويدل على عدم اكتراثه باتفاق وقف الأعمال العدائية الذي توصلت إليه مجموعة الدعم الدولية لسوريا، وسعيه لنسف هذا الاتفاق، مما يهدد المساعي الدولية الرامية للوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري.
وأكد البيان مجددا على دعوة دولة قطر المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن، إلى القيام بمسؤولياته لوقف هذه الجرائم وضمان حماية الشعب السوري، والحيلولة دون تقويض فرص التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
وقررت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين يوم الأربعاء المقبل، بناء على طلب دولة قطر لبحث التصعيد الخطير للوضع في مدينة حلب، وأعلنت الجامعة، الاتفاق على عقد الاجتماع تقرر بعد المشاورات والاتصالات التي أجرتها الأمانة العامة ومملكة البحرين "الرئيس الحالي لمجلس الجامعة" مع الدول الأعضاء، وبعد موافقة دولتين اثنتين على عقد الاجتماع هما السعودية والبحرين، وهو ما ينص عليه النظام الداخلي للجامعة في مثل هذه الأحوال.
كما حمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، النظام السوري والقوى الداعمة له مسؤولية الهجمات الوحشية والقصف العنيف الذي تتعرض له مدينة حلبوقال الأمين العام لمجلس التعاون، الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني :"إن دول مجلس التعاون تندد بهذه الجرائم النكراء التي ترتكب ضد المدنيين العزل من أبناء مدينة حلب الصامدة، وتعتبرها جرائم ضد الإنسانية، وتدعو مجلس الأمن الدولي والدول الراعية للهدنة إلى التدخل الفوري لوقف هذا التصعيد الذي يستهدف كسر إرادة الشعب السوري".
أرسل تعليقك