تشهد صفوف المعارضة المناهضة لرئيس النظام السوري بشار الأسد انقسامات أكثر من أي وقت مضى بينما تستعد لمحادثات سلام الأسبوع المقبل ومعنوياتها منخفضة جراء هزيمتها في حلب وعدم قدرتها على التوحد في قوة واحدة للدفاع عن أراضيها المتبقية.
وكشفت الدبلوماسية الجديدة التي يقودها الروس حلفاء الأسد مزيدا من الانقسامات في أوساط معارضة لم يكن لها رئيس واضح على الإطلاق في ظل تشرذم قديم لفصائلها جراء التنافس الإقليمي وعلاقاتها بالدول ومعارك فكرية بشأن اتباع أهداف سورية قومية أو سنية متشددة.
وقتل العديد من القادة البارزين في الصراع المستمر منذ نحو ست سنوات وتشكل العديد من التحالفات العسكرية والسياسية لتنهار سريعا.
وبعد هزيمة المعارضة في حلب الشهر الماضي انهار أحدث مسعى لتوحيد الأجنحة المتشددة والمعتدلة للمعارضة المسلحة.
وعلى النقيض من ذلك لا يزال الأسد قويا مثلما كان في أي وقت منذ بداية القتال بفضل التزام داعميه الروس والإيرانيين ببقائه في الوقت الذي زاد فيه اختلاف أهداف الدول الأجنبية التي تساند المعارضة من انقساماتها.
ولا يمثل وفد المعارضة التي ستحضر المحادثات مع الحكومة السورية والتي ستبدأ الاثنين المقبل في أستانا عاصمة قازاخستان سوى جزء من المعارضة المعتدلة التي تقاتل الأسد في تحالف فضفاض يعرف باسم الجيش السوري الحر.
ويتكون في معظمه من جماعات تقاتل في شمال سوريا بدعم من تركيا أما الجماعات المعارضة الأخرى التي تعتبر قريبة من الولايات المتحدة والسعودية فقد جرى تجاهلها.
ويرأس الوفد محمد علوش رئيس المكتب السياسي لجماعة جيش الإسلام المعارضة التي تقع في نهاية الطرف الأكثر اعتدالا من الجماعات الإسلامية السنية وقاعدتها الرئيسية قرب دمشق.
ولم يُعين علوش الذي يعيش خارج سوريا في هذا الدور بسبب نفوذه على المعارضة ككل-- فليس لديه ذلك، لكنه اختير لأنه عضو بالهيئة العليا للمفاوضات وهي تحالف تشكل بدعم سعودي وغربي في 2015.
وحتى الهيئة العليا للمفاوضات وهي أوسع هيئة معارضة تشكلت منذ بداية الحرب لم توجه لها الدعوة إلى أستانا.
ورئيسها رئيس الوزراء السابق رياض حجاب هو أكثر الشخصيات التي يمكن أن تعتبرها المعارضة المعتدلة "واجهة" لها.
لكن دوره أقرب إلى المتحدث باسم عدد كبير من الجماعات على الأرض ولن يذهب إلى أستانا أيضا.
وتعرب الهيئة العليا للمفاوضات عن أملها في أن تكون محادثات أستانا خطوة في اتجاه محادثات سلام جديدة في جنيف.
لكن في الوقت الذي تقول فيه روسيا إن أستانا تهدف إلى أن تكون مكملة لجنيف يخشى البعض في المعارضة من أن تحاول موسكو أن تستبدل عملية تساندها الأمم المتحدة بتلك التي ترعاها وتريد أن تزيد الانقسامات في معسكر المعارضة.
وقال المقدم محمد العبود عضو الهيئة العليا للمفاوضات "الذهاب إلى أستانا به خطورة أكبر من الذهاب إلى جنيف لأنه في جنيف كان في الواجهة السياسية المعارضة وهي الهيئة العليا التي نالت اعترافا سواء من الأرض من الداخل أو الخارج.
ولكن في اجتماع أستانا فيه غموض كبير وبرعاية روسية، وروسيا تعتبر طرفا ودولة محتلة وليس وسيطه أو راعي".
وأضاف: "ربما تزيد الاستقطاب وربما هذا أحد أهداف الروس الحقيقية إن يزيدوا الشرخ".
تفاقم الانقسامات
وأدت التحركات الروسية من أجل السلام أيضا إلى تفاقم الانقسام بين الأجنحة المعتدلة والمتشددة بالمعارضة المسلحة مما أجج التوتر الذي تحول إلى مواجهة في إدلب المعقل الرئيسي الباقي للمعارضة.
واستثنى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا وتركيا الشهر الماضي الجماعة المتشددة الرئيسية في شمال غرب سوريا وهي جبهة فتح الشام كما تردت الثقة في معسكر المعارضة أكثر بعد سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت زعماء الجماعة.
ويصب هذا كله في صالح الأسد في وقت يرغب فيه حلفاؤه الروس والإيرانيون في قيادة الجهود الدبلوماسية بخصوص سوريا بينما يشير دونالد ترمب إلى أنه سيقطع الدعم عن المعارضة السورية المعتدلة بعد توليه السلطة.
ويقول المعارضون المسلحون الذين سيشاركون في محادثات أستانا إن الاجتماع يجب أن يركز على تعزيز وقف إطلاق النار وإنهم سيعارضون المناقشات السياسية برغم أن الأسد قال إنه منفتح على تلك المحادثات.
وقال قائد بالجيش السوري الحر إنه إذا كانت محادثات أستانا تتعلق فقط بآلية لوقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية فهذا إيجابي لكن الأمر لن يكون جيدا إذا ناقشوا الشؤون السياسية في أستانا لأن هذا سيرقى إلى حد تهميش القوى السياسية الأخرى.
وبعد سنوات من الدبلوماسية الفاشلة تقول روسيا إنها تريد دعم السلام بالتعامل مباشرة مع المعارضين الذين يقاتلون على الأرض.
وتقول أيضا إن هدف المحادثات التي ستشارك فيها إيران أيضا هو تعزيز وقف إطلاق النار.
وتدعم تركيا- التي تساند المعارضة المسلحة للأسد- عملية السلام الجديدة أيضا ومن المعتقد على نطاق واسع أنها ضغطت على المعارضة المسلحة للذهاب إلى أستانا.
يعكس هذا تغير أهدافها في سوريا حيث باتت أولوياتها تتركز حاليا حول التصدي للفصائل الكردية المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية قرب حدودها.
أفق غامض
والتوقعات بشأن المعارضة المسلحة المعتدلة باتت أكثر غموضا منها في أي وقت سابق بعدما أشار ترمب إلى أنه سيوقف الدعم الأمريكي للمعارضة المسلحة التي كان يتم تسليحها بموجب برنامج مساعدات تدعمه الولايات المتحدة ودول عربية وتركيا.
وكثيرا ما استفاد الأسد من الانقسامات في صفوف المعارضة المسلحة خلال الصراع الذي بدأ باحتجاجات ضده وضد حكومته في مارس آذار 2011 والذي أودى بأرواح مئات الآلاف من الأشخاص.
ولعب حلفاء الأسد الأجانب دورا حيويا في المساعدة في تعزيز سيطرته على قطاع من الدولة في غرب سوريا برغم بقاء مساحات واسعة من الأراضي في شرق وشمال البلاد في أيدي فصائل كردية مسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وكثير من المعارضين الذين حاربوا الأسد في غرب البلاد حاربوا أيضا التنظيم وفي بعض الأحيان الأكراد.
وبرغم تراجعهم إلا أنهم لا يزالون يسيطرون على مساحات كبيرة من الأراضي منها محافظة إدلب بالكامل تقريبا في شمال غرب سوريا.
ولم يشمل وقف إطلاق النار الحالي جماعات مثل جبهة فتح الشام التي كانت تعرف في السابق باسم جبهة النصرة وكانت مرتبطة بتنظيم القاعدة.
وزاد التوتر فيما بين المعارضة المسلحة بعد استهداف زعماء جبهة فتح الشام بسلسلة من الضربات الجوية الأمريكية في الآونة الأخيرة فيما أجج الاتهامات بالخيانة بين جماعات المعارضة.
وشنت جبهة فتح الشام هجوما يوم الخميس على جماعة إسلامية قوية أخرى هي أحرار الشام في محافظة إدلب.
وكانت الجماعتان حتى وقت قريب تجريان محادثات بشأن الاندماج.
أرسل تعليقك