بیروت ـ العرب اليوم
کشفت صحیفة «السفیر» اللبنانیة عن ان الجنوب الترکي یشهد حرکة بیع کثیفة لأسلحة «المعارضات» السوریة التي تقاتل نظام الرئیس بشار الأسد لحساب فصائل أخری من هذه المعارضات، یشارک فیها مسؤولون من دول عربیة مختلفة.
ونقلت الصحیفة في تقریر مفصل نشرته الیوم السبت عن أحد تجار المنطقة أن بعض الأسلحة بات یعبر ذهاباً وإیاباً نحو ترکیا لإعادة بیعه، لا فرق، من تنظیم «الدولة الإسلامیة في العراق والشام» (داعش)، أو من مقاتلی العشائر العراقیة فی الأنبار، أو حتی من بعض المیلیشیات العراقیة الموالیة لحکومة نوري المالکي.
ویتقاطع أحیاناً وسطاء عرب وأتراك وأکراد وصرب وأوکرانیون، في الفنادق الترکیة، مع مسؤولین سیاسیین و«عسکریین» عراقیین وسوریین وسعودیین، وشیوخ العشائر، وبعض الطرق الصوفیة «الجهادیة»، کل یحمل لائحة مشتریاته.
وبحسب الصحیفة «تنحو مؤشرات کثیرة إلی تأکید بدء انتقال ثقل المبادلات في سوق تجارة الأسلحة علی الحدود الترکیة ـ السوریة، في غازي عینتاب وإنطاکیا وحتی اسطنبول، من تموین الجبهات السوریة وفصائل المعارضة نحو الأسواق العراقیة. فمع توسع القتال في العراق، باتت الانبار خصوصاً، والعراق عموماً، یمتص أکثر موجودات السوق، وهو ما سیکون له نتائج عسکریة وسیاسیة علی الجبهات في الشمال السوري، وعلی مستقبل المعارضة السوریة عموماً، وعلی خریطة القوی المقاتلة في سوریة».
ویقول تاجر یعمل في المنطقة إن طائرات أوکرانیة تحط فی مطارات الجنوب الترکي، حاملة مئات الأطنان شهریاً، من المعدات والأسلحة والذخائر التی یتم توزیعها علی جبهات المنطقة، في العراق أولاً، ثم في سوریة. وتحظی الصواریخ المضادة للدبابات، خصوصاً من طراز «کونکرس»، بإقبال شدید. ویضیف التاجر أن العینة الواحدة تکلّف ما بین ثمانیة آلاف إلی 30 ألف دولار. وهو فرق یُملیه تباعد عناوین التسلیم. أما أجهزة التثبیت والإطلاق، فیصل ثمن الواحد منها إلی 70 ألف دولار، مع التأکید أن الأوکرانیین، الذین یسیطرون علی السوق، یلیهم الصرب، یسلمون الأسلحة، أینما شاء المشتري.
ویشکو التجار من تدفق وسطاء جدد لبیع الأسلحة التي قام الأمیرکیون أو السعودیون والقطریون بتسلیمها إلی المعارضة السوریة في الأشهر الماضیة. ویعرض زعیم حرکة معتدلة، یقیم في اسطنبول، صواریخ حصل علیها في إطار خطة تسلیح المعارضة السوریة نوعیاً، التي راجت وعودها خلال عامین متتالیین. کما وصلت أسلحة إلی ترکیا من الفصائل، التي یقوم «داعش» و«جبهة النصرة» بضربها في الشمال السوري، وعلی مقربة من الحدود مع ترکیا، في حارم وسلقین وسرمدا، وبوابات العبور في باب الهوی. ویقوم قادة بعض المجموعات الصغیرة، من ألویة الشمال فی أریاف حلب وادلب، بالتخلص من أسلحتهم في الأسواق الترکیة، قبل أن تستولي علیها «النصرة»، أو غیرها خلال حملتها التي تشنها فی ادلب، تحت عنوان ردع المفسدین.
وتواجه المعارضة المسلحة، وکتائبها المقربة من السعودیة، بحسب الصحیفة ضرورة اتخاذ قرار، یجری تأجیله منذ أشهر، لتحدید ما إذا کان ینبغي مواجهة «النصرة» أم لا. فقد بدأ عناصر زعیم «النصرة» أبو محمد الجولاني بتطهیر أریاف ادلب من أي منافس یعترض طریق إقامة «الإمارة».
وترتدي إقامة «الإمارة» لدی «النصرة» أهمیة وجودیة لتقدیم ردّ لا بد منه إذا کان الجولاني، قد قرر البقاء علی قید الحیاة، وتقدیم عرض ینافس في أسواق «الجهاد العالمي»، عرض «الخلیفة» أبو بکر البغدادی، واستمالة المزید من المقاتلین الذین یتجه أکثرهم إلی «داعش». وتفادت «النصرة»، حتی الآن، الاصطدام بـ«جبهة ثوار سوریة»، التي عقد علیها الأتراک والسعودیون آمالاً کبیرة، بانتظار وصول الوساطة التي یقوم بها الشیخ حسن دغیم، «شرعي» جمال معروف، إلی نهایاتها، لکن دون أوهام کبیرة بأن توقف هجوم «النصرة» في ادلب، ولیس أکثر من هدنة تملیها الرغبة في تفادي الحرب، وتخییر المتمردین بین سلطة الجولاني أو البغدادي.
ویبدو أن هذا الخیار هو الأخیر والوحید الذي یلوح أمام الکثیر من الکتائب، أمام تقدم «داعش» فی أریاف حلب في الجهة المقابلة، أو الهروب إلی مخیمات اللجوء في ترکیا، للمقاتلین، أو إلی قطاع الأعمال والاستثمار، للکثیر من أمراء الحرب الذی أثروا في حروب الشمال.
والحال أن الاستغناء عن «هیئة أرکان الجیش الحر»، واستیلاء «الجبهة الإسلامیة» علی مستودعاتها قرب باب الهوی نهایة العام الماضي، وطرد اللواء سلیم إدریس من منصبه، قد ألغی مرکزیة توزیع الأسلحة. والتوزیع هو الدور الوحید الذي کانت تتولاه «هیئة الأرکان»، التي اختفت لتحل محلها غرف العملیات في إنطاکیا، تحت إشراف قطري وسعودي وترکي لتوزیع الأسلحة، وانتقاء العملیات العسکریة وتمویلها.
ورأت الصحیفة أن خطط إعادة الهیکلة، التي بدأتها السعودیة فی الشمال السوري، قد انتهت علی الأرجح إلی فشل ذریع. والأرجح أن الحصار الذي تتعرض له الکتائب الصغیرة و«المعتدلة»، وتصفیتها المستمرة من قبل «داعش» و«النصرة»، في ادلب وحلب خصوصاً، یعود إلی تضارب هدف الولایات المتحدة والسعودیة، بإضعاف الجماعات السلفیة «الجهادیة» وعزلها، مع الوسیلة المتبعة لبلوغه، والتعویض عن خسارة قوة عسکریة ضاربة، بإنشاء «جیش» قوی من مجموعات «معتدلة»، وإعادة هیکلة الجماعات المقاتلة وغربلة السلفي «الجهادي» من الإسلامي «المعتدل»، وربط کل تلک الجماعات بتمویل سعودي ـ قطري دائم.
وأشارت الصحیفة إلی أن السعودیة لا تزال تحاول إنشاء «جیش» احتیاطي ممن تبقی من الضباط المنشقین، وتسلیحهم وتدریبهم عبر قواعد في الأردن. معتبرة أن سیاسة إعادة الهیکلة السعودیة، بحرمان الجماعات «الجهادیة» السوریة من التمویل، أدت إلی تقویة «داعش» و«النصرة» بشکل متفاوت. موضحة أن القوة المالیة الضاربة لـ«داعش» أدت استمالة أکثر من عشرة آلاف مقاتل، من بین أفراد الکتائب التي فقدت التمویل.
ونقلت عن مصادر في المعارضة، قولها إن «لواء التوحید» أصیب بنزف في عناصره، بعد أن توقف عن دفع رواتب بعض کتائبه، وانتقل العشرات منهم إلی «داعش». کما أن القرابة المنهجیة و«الجهادیة» مع «أحرار الشام» سهل «تسرب» مئات العناصر من الکتائب المتحالفة معها إلی «النصرة».
وأکدت الصحیفة اضمحلال مصادر التمویل الداخلی، التي کانت الفصائل المقاتلة تحصل علیها من خلال الخوات المفروضة علی الحواجز المتفرقة، والمعابر، وبیع مخازن الحبوب وصوامع القمح، ومستودعات القطن، وتهریب النفط إلی ترکیا. وحرم حصار الجیش السوري لشرق حلب کتائب کثیرة من تمویل مباشر یغنیها عن الخضوع لأطراف خارجیة.
وتوقعت الصحیفة تراجعًا لدور المعارضة المسلحة المؤیدة للسعودیة أو قطر في الأشهر المقبلة، وتبلور جبهات جدیدة فی سوریة، تقتصر علی «داعش» فی الشرق وحول حلب، والجیش السوري في الخط الممتدّ من درعا جنوباً نحو دمشق والمنطقة الوسطي وحمص، وحماه شرقا، فحلب شمالا، فالساحل، والأکراد في القامشلي وعفرین وعین عرب (کوبانی) إذا واصلت صمودها، و«النصرة» فی أریاف درعا والقنیطرة، وبعض أطراف «الجبهة الإسلامیة» في غوطة دمشق.
المصدر: ارنا
أرسل تعليقك