القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا

القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا

القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا

 العرب اليوم -

القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا

سجعان القزي

بين علاقتي بالمسلمين والقانون الأرثوذكسي أختارُ الأولى، ويبقى على الشركاء المسلمين أن يؤيدوا قانوناً آخر يضمن عدالة التمثيل المسيحي لنقولَ معاً وداعاً للقانون الأرثوذكسي. وإذا كان الخلاف على قانون الانتخابات يرفع أسهم إرجاء إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، فإنه يكشف تحفظ فئات لبنانية طائفية عن تصحيح التمثيل المسيحي ليبقى المسيحيون شركاء صوريين وملحقين فعليين. وتحت شعارات وطنية زائفة ترفض هذه الفئات أمرين: عودة المارونية السياسية (إحياء الميثاق الوطني) وتصويب اتفاق الطائف (انتظام عمل سلطات الدولة). بسبب فشل المارونية السياسية سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً، أُبرِم اتفاقُ الطائف فانتزَعت الرئاسةُ الثانية صلاحياتٍ من الرئاستين الأولى والثالثة، وأخذت الرئاسةُ الثالثة صلاحيات من الأولى، وفقدت الرئاسةُ الأولى صلاحياتها أمام الرئاستين الثانية والثالثة. لقد خسر المسيحيون في اتفاق الطائف سنة 1989 ما رفضوا أن يتنازلوا عن أقلَّ منه سنةَ 1975. فاستشهدت قضيتهم في الطائف بعدما استشهدوا من أجل هذه القضية في لبنان. وإذا كان الشيعة حَـدّوا بسلاحهم من تصاعد القوة السنية، فالمسيحيون ظلوا على قارعة الدولة اللبنانية دستورياً وعلى وقع الاضطهاد الأمني سياسياً ووجودياً. شركاؤهم في الوطن "استغيبوهم" والاحتلال السوري بطش بهم. كاد المسيحيون، والموارنة تحديداً، أن يخرجوا من إحباط مرحلة ما بعد الطائف، حين تموضع فريق تاريخي منهم في تحالف 14 آذار في إطار مبادئ ثورة الأرز، والتحق فريق آخر منهم بتحالف 8 آذار في إطار "تفاهم مار مخايل". ومع الفارق بين الاثنين، لا ثوابتَ ثورة الأرز احتُرمت دائماً ولا بنودَ اتفاق مار مخايل رأت النور. لكن الأخطر هو أن هذا الاصطفاف المسيحي المزدوج حصل من دون أي تنسيق، حيث غاب الحد الأدنى من التواصل وتبادل المعطيات (Network) بين القادة المسيحيين، لا بل كانت العلاقات بين مسلمي 8 و 14 آذار أفضل من علاقات المسيحيين في ما بينهم. هكذا، فـوَّت المسيحيون استعادة الدور الرائد رغم أن بعض قادتهم ظنّ أن المكاسب المرحلية (نائب من هنا ووزير من هناك وموظف من هنالك) تمهِّد لاستعادة الدور المفقود. اليوم، يكرر المسيحيون محاولة الخروج على التهميش من خلال إقرار قانون انتخابي جديد. لكن سعيهم يصطدم بفئات إسلامية تَخشى أن تسفر نتائج الانتخابات النيابية على أساس قانون اللقاء الأرثوذكسي عن إضعاف تيار المستقبل داخل المذهب السني (سبب وجيه سياسياً)، فيما تستمر الأحادية لدى الشيعة. مع هذا الموقف تناغمت شخصيات مسيحية نيابية ورسمية محترَمة (بنسبٍ متفاوتة)، إذ تخـوّفت أيضاً على مصير مقاعدها النيابية ومناصبها، وهو تخوّف مشروع. ترك هذان الموقفان ثلاثة انطباعات أحلاها مرّ: الأول أن القوى الشيعية تجاوبت ـ جدياً أو مناورة ـ مع مشروع تصحيح التمثيل النيابي المسيحي، بينما تصدّت له سائر القوى السنية والدرزية. والثاني أن منسوب حساسية النواب المسيحيين المحليين تجاه الأحزاب المسيحية الوطنية لا يزال مرتفعاً، لاسيما وأن القانون الأرثوذكسي يفيد مرشحي الأحزاب المنتشرة على مساحة الوطن أكثر مما يفيد مرشحي المناطق. الثالث أن الّذين أيدوا أو عارضوا قانونَ اللقاءِ الأرثوذكسي، بدَوا وكأنهم يحجزون بطاقاتِ دخولٍ باكرٍ إلى انتخابات رئاسة الجمهورية. وبذلك تكـشّف أن الخلاف، بوجهه الداخلي، على القانون الانتخابي يهدف إلى مصادرة صوت الناخب المسيحي في الانتخابات النيابية وتعطيل صوت النائب المسيحي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. إن معيار اختيار قانون الانتخابات الجديد هو استعادة مقعد الدور المسيحي في لبنان والمنطقة في ظل المتغيّرات المصيرية، لا المحافظة على مقعد هذا المرشح الحزبي أو المحلي للنيابة أو الرئاسة. وما يعطي هذا المعيار أهميته هو أن الخلفيات الكامنة وراء رفض اللقاء الأرثوذكسي ليست لبنانيةَ المنشَأ فقط، إنما هي مرتبطة بالصراع السني الشيعي في الشرق الأوسط وبلاد فارس وآسيا الصغرى والوسطى. وكأن كل مذهبٍ إسلامي يسعى لاحتسابِ المسيحيين على خانته في المعادلة الكبرى. لقد نسي إخواننا المسلمون، وبخاصة في لبنان، أن المسيحيين ليسوا ورقة، بل هم شعبُ هذه الأرض وأساسُ هذا الوطن وذبيحةُ هذه الدولة وبناةُ هذا الميثاق الوطني؛ وأن عددهم هو حالةٌ رمزية أكانوا ملايين أو مئات. ولو عاد إخواننا المسلمون إلى تاريخهم الحاضر والسابق لاكتشفوا أن اعتبار العددِ معيارَ القـوّةِ والحقّ كلّف العربَ حروباً في ما بينهم وهزائم. ليست جحافل الجيوش الإسلامية ما بقي من الفتوحات، بل ما تركه الفلاسفة والأدباء والشعراء والعلماء العرب، وهم أقلية نوعية خلّدت التراث الإسلامي. حين تتبـيّن كلُّ هذه المعطيات المبطَّنة، يزداد نضال المسيحيين للحصول على قانون انتخابي جديد ينقلهم إلى المناصفة السياسية، ومن مفهوم الورقة إلى مفهوم الشعب، فيبدأ عهدُ الشراكة الحقيقية وينتهي زمن الهيمنة، إذ أن فئاتٍ لبنانيةً عديدة حاولت منذ انسحاب السوريين أن تنوب عنهم في السيطرة على القرار المسيحي. وفي هذا الإطار لسنا مُتـيَّـمين بقانون الأرثوذكسي، لكن التخلي عنه يستوجب تغيير "النظام الأرثوذكسي" إذا صحَّ التعبير. فلبنان، الدولة والطوائف، يُطـبِّق نظام قانون اللقاء الأرثوذكسي من خلال سوء التنفيذ المتعمَّد لاتفاق الطائف. وما الوجه الانتخابي لقانون اللقاء الأرثوذكسي سوى تتويجِ للأوجه الأخرى القائمة سياسياً واقتصادياً وإنمائياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً. صحيحٌ أن لدينا رئيسَ جمهوريةٍ واحداً، لكنْ لدينا جمهورياتٌ عديدة. وصحيح أن لدينا رئيسَ حكومةٍ واحداً، لكنْ لدينا حكوماتٌ عدة. وصحيح أن لدينا وزارةَ خارجيةٍ واحدةً، لكنْ لدينا سياسياتٌ خارجية مختلفة. وصحيح أن لدينا وزارةَ دفاعٍ واحدةً، لكنْ لدينا جيوشٌ متضاربة. وصحيح أن لدينا وزارةَ تربيةٍ واحدةً، لكنْ لدينا تربياتٌ وبرامجُ متناقضة. وصحيح أن لدينا علماً لبنانياً واحداً، لكنْ لدينا بيارقُ غريبةٌ جَـمّـة. إن الخروج من الواقع التقسيمي الحاصل في لبنان يستدعي مصالحةً جِدّية تؤدي إلى تسويةٍ تاريخية جديدة، وتَمرّ حتماً بقانون الانتخاب.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا القانونُ الأرثوذكسي وراءنا والنظامُ الأرثوذكسي أمامنا



GMT 14:19 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 10:32 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 14:36 2022 الأحد ,13 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:09 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 20:31 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab