بقلم : تغريد أبو سرحان
كنت و سأبقى ضد الغاء المادة 308 من قانون العقوبات، يؤيدني في رأيي كثير من العاملين في الميدان ممن عملوا مع حالات الاغتصاب القانوني و شخصوا الحالات بدقة، و ما أطلقوا تصريحاتهم جزافا بل بالاستناد الى واقع تحدثنا فيه وجها لوجه مع إنسانة و إنسان في مجتمع له خصوصية وفيه منظومة القيم و الاخلاق لا زالت تحكم الكثير من سلوكيات الناس، في مكان يفتقر أيضا الى خدمات حماية و رعاية كثيرة لكلا طرفي الاغتصاب القانوني، إضافة الى ضرورة الامتثال الى مبادئ حقوق الانسان بعدالة و دون ازدواجية في المعايير.
أنا لا أفهم كيف نطالب أحيانا بأن يكون لدى الطفلة الحق في تقرير مصيرها في أين ستعيش إذا خيرت بين الام و الاب مثلاً، أو حقها في اختيار اجراء فحص طبي معين تحت مسمى "المصلحة الفضلى"، و بذات الوقت ننكر عليها حقها في اختيار الزواج من شريكها –و هنا أؤكد على مفهوم الرضا في الاغتصاب القانوني- و حتما لا اتحدث عن حالات الغصب و انعدام الرضا- سمعت أناس بعضهم مثقف و بعضهم سطحي الثقافة يلهجون بإلغاء المادة دون التفريق بين الجرمين و كذلك شاهدت مناظرات لسيدات مجتمع و ناشطات في حقوق المرأة لاكتشف للأسف ان غالبيتهن و لا أعمم لم يفهمن المادة و لا يفرقن بين مفهومي الاغتصاب و الاغتصاب القانوني و لا الغرض من التشريع الذي جاء اولا لحماية حق المرأة في الزواج من شريكها في قضية الاغتصاب القانوني ، علما بان المادة لا تجبرها على الزواج منه بل تترك لها الفرصة الذهبية في الزواج منه ان حاول التنصل ، ايضا كثير من المطالبات بإلغاء المادة يدافعن عنها للأسف و هن لا يميزن بين مفهومي الاغتصاب و الاغتصاب القانوني و الاخير هو "المواقعة بالرضا اذا كانت الفتاة فوق ال 15 عاما و اقل من 18 عاما من العمر أي ان الفتاة كانت راضية و موافقة و ايضا حالات الاغتصاب القانوني التي هي دون سن ال 15 و بالرضا ايضا او الحيلة او الوعد بالزواج و ما شابه.
حق المرأة اولا هو ان تمنح الاختيار ومن ثم القرار و الذي هو في مصلحتها ، و المادة هذه لا تجبر المرأة على قبول الزواج و لا تغصب حتى الرجل على الزواج بالفتاة فلا ادري لماذا افتعال كل هذه الضجة حول هذه المادة، المادة أوجدها المشرع لحماية حق المرأة في الزواج من شريكها لاعتبارات كثيرة و انا التي عملت في الميدان في ادارة حماية الاسرة لمدة 17 عاما و قابلت أثناء عملي عشرات الامهات و الفتيات اللواتي يدركن تماما ان ما حدث يجب ان تكون نهايته الزواج في مجتمع لا يعطي خيارات أخرى للمرأة كباقي المجتمعات الغربية و التي تمولنا لنلغي هذه المادة، ظنًا بان مجتمعنا سيرحب بالفتاة التي خاضت علاقة غير شرعية و سيتزوجها اي شاب اخر بترحاب دون النظر الى ما حدث معها سابقا . أنا مع تعديل المادة القانونية و حتما لست مع الغائها. المادة القانونية المعدلة يجب ان تراعي ما يلي:
أولا: . عمر المرأة وعمر الرجل، فمشاهداتي في حماية الاسرة كانت لكثير من حالات الاغتصاب القانوني لذكور واناث ممن كلاهما قصر اي اقل من 18 سنة فما رأي القانون هنا؟
ثانيا: ماذا لو كان الجاني اقل عمرا من الضحية وماذا لو كان هو القاصر وهي البالغة كبعض الحالات الواردة الى حماية الاسرة ولو انها حالة واحدة فيجب ان لا يغفلها القانون؟
ثالثا: ماذا لو كان الجناة أكثر من شخص؟ رابعا: ماذا لو حملت الفتاة؟ هل الغاء المادة لصالحها او لصالح الجنين؟ وما مصير الجنين؟
المطالبات بإلغاء المادة، ما البديل؟
حتى في بعض الولايات الاميركية هناك ولايات تخفض العقوبة على الفاعل إذا تزوج بشريكته وخاصة في حالات حمل الانثى، لان الغاية من التشريع الحماية وليس مزيدا من الألم.
وتتحدث بعض الناشطات عن النفسية التي تصاحب زواج الفتاة من شريكها بهذه الطريقة و لا ادري من اين أتين بهذا التحليل، فمشاهداتي لتلك الحالات و ذويهن كانت العكس تماما تستقر النفسية اذا انتهى الامر بالزواج. و مرة أخرى انا لا اتحدث عن فتاة تم اجبارها ، فالحالات النادرة في الأردن على العلاقة بالغصب كان الجميع يساندها و يرفضون رفضا قاطعا زواجها ممن اغتصبها عنوة وتحت الاكراه بشتى انواعه، و ليتذكر دعاة حذف المادة اننا نتحدث عن حق حماية الفتاة التي اختارت هي و شريكها العلاقة غير الشرعية لأسباب كثيرة قد أكون أوردت بعضها في هذا المقال مثل اجبار الاهل على الخضوع للزواج او الحب او وعد الزواج و ما الى ذلك.
ويتحدث بعض دعاة الغاء المادة عن طلاق الفتيات اللواتي تم زواجهن وفق هذه المادة او استحالة حياتهن الى جحيم، ولا أدرى هنا هل هذه الادعاءات تستند الى دراسات وإحصاءات وأرقام وتحليل لواقع تلك الزيجات؟ هل تم مقارنة حالات الطلاق هذه بحالات الطلاق التي نجمت عن الزواج العادي لنقل أي الذي لم يتم وفق هذه المادة؟ هل تم دراسة حياة هؤلاء الفتيات بعد الزواج بموجب المادة 308؟ هل تم توزيع استبانات لسؤالهن واستشراف أراءهن فيما هو المناسب لهن؟ ام ان بعضنا سيقول هن لا يعرفن مصلحتهن وسينصب الكثير أنفسهم مكانهن للقرار عنهن؟
والسؤال الكبير الذي لم يتطرق اليه أحد كيف هي حياة هؤلاء الفتيات لو تزوجن باخر غير الشريك؟ هل ستكون أفضل حالا في مجتمع مثل مجتمعنا؟ هل سيأخذها الزوج بحبه وحنانه وينسى الماضي كما نرى في الغرب أحيانا وبعض الأفلام الدرامية؟ وهل درسنا حالات الفتيات اللواتي لم يتم زواجهن بالشريك في هذه القضايا؟ أسئلة كثيرة تبقى برسم الإجابة قبل الشروع بإلغاء المادة دون أدلة كافية على عدم جدواها، والسنين القادمة كفيلة بأن تجبرنا على عض أصابعنا ندما ان نحن قمنا بإلغاء المادة ولم نعدلها، وسنترك الكثير من بناتنا ضحايا للضياع او القتل بداعي الشرف او السجن تحت بند "تحفظ إداري" أو لا قدر الله الانجراف في الرذيلة إذا تخلى المجتمع والاهل والشريك عن هؤلاء الفتيات.
لذلك من الواجب عند اخذ القرار النهائي بإلغاء المادة من قبل أصحاب القرار التفكير بالبدائل المتوفرة للفتاة في حالة الاقتصاص من الشاب بالسجن، فحسب التعديل الجديد تزوجها ام لم يتزوجها سينال العقوبة، هل سيتحقق هذا في مجتمعنا؟ هل سيتزوجها بعد ما يسجن وهل في مصلحتها وجوده في السجن وهي زوجته؟ لا أدري كيف نطالب بانه يحق لمن لم يتجاوز الثامنة عشرة تقرير حق مصيره في كثير من الامور ونقرر نحن هنا عنه وهو في اشد الحاجة لان يقول كلمته، فالفتاة هنا من حقها ان تقول اريد الزوج به ولتسقط العقوبة لأننا اخترنا ذلك، فالفتاة بعمر 17سنة مثلا في وقتنا هذا تختار وتقرر ولا تحتاج لأوصياء ليقرروا عنها حتى لو كانت هؤلاء الوصيات هن المطالبات بإلغاء المادة، الفتاة هي الاقدر على ان تقرر في مجتمع سيخذلها حتما بعد حبس شريكها والانتهاء بها حامل في كثير من الحالات. المشكلة انه ستخرج الكثير من المدافعات عن الغاء المادة بالقول ولكننا نقدم المغتصبة على طبق من ذهب للمغتصب ونكافئه على فعلته، وكأن الفتاة ضحية عمياء غرر بها في جميع الحالات، شاهدت كثيرا من الحالات من الشباب الذين غرر بهم ايضا ارجو ان نكون عادلين نفكر بالموضوع بجندرية عالية بحيث نكون عادلين للشاب وللفتاة بنفس الدرجة، نحن ندافع عن العدالة وعن حق الانسان لا عن المرأة ولا عن الرجل. ثم ارجوكم اخبروني ما البدائل المتوفرة في مجتمعنا للفتاة التي هي موضوع الاغتصاب القانوني؟ ما الخدمات والرعاية والحماية التي تتلقاها هي وطفلها بعد ان يتم سجن الشريك؟ سؤال طرحته على احدى الامهات في حماية الاسرة عندما قلت لها قد يطلقها بعد الثلاث سنوات من الزواج التي تلزمه بها المادة 308 فكان ردها موجعا لي: "وهل ستقبلين انت تزويجها لأخيك؟ "