بقلم ـ جمال السطايفي
عندما عُين بادو الزاكي مدربًا للمنتخب المغربي لكرة القدم، قيل له أثناء التعيين، من قبل فوزي لقجع، رئيس اتحاد الكرة، إن مصطفى حجي سيكون ضمن طاقمه التقني، مدربًا مساعدًا، وإن وجود حجي ضمن الطاقم أمر لا يناقش، علمًا بأن العلاقة بين الزاكي وحجي كانت متوترة جدًا، بل إن الأخير هاجم الزاكي مرات عدة في وسائل الإعلام، لأنه لم "يهضم" عدم ضمه إلى قائمة المنتخب التي شاركت في كأس أفريقيا 2004 في تونس، وبلغ المغرب دورها النهائي.
بلغة السياسة لم يكن ممكنًا ولا مقبولاً أن ينضم حجي إلى أغلبية بادو الزاكي في الطاقم التقني للمنتخب، الذي تولى المهمة في مرحلة دقيقة جديدة. وبعد فترة ليست بالقصيرة، كان حجي واحدًا من الأدوات التي استعملت في الإطاحة بالزاكي من المنتخب الوطني، وتعويضه بالفرنسي هيرفي رونار، إذ ظل يناور هنا وهناك ويسمم الأجواء ويشارك في اجتماعات سرية، إلى أن اكتمل سيناريو الإبعاد، ووجد الزاكي نفسه خارج مشهد المنتخب الوطني، يتابع الأمور من بعيد ويعض أصابعه ندمًا لأنه لم يضع "البيضة في الطاس" يوم فرضوا عليه أن يكون حجي واحدًا من أعضاء طاقمه.
لكن إغراء المنصب دفع الزاكي إلى تقديم تنازلات لم تكن معهودة عليه، أما البقية فتعرفونها بكل تأكيد، لقد أقيل الزاكي من مهامه وهو آخر من يعلم، بل إنه ظل يتلقى التطمينات إلى آخر لحظة، قبل أن يستفيق على وقع الحقيقة التي كانت صادمة له، ولم تكن كذلك بالنسبة لمن كانوا يتابعون تفاصيل المشهد بشكل دقيق.
أما عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، فرغم أنه بحدسه السياسي استشعر السيناريو المقبل، ورفع السقف عاليًا، واختار أن يموت واقفًا، لكنه ظل يراهن على أن يلتقي الملك محمد السادس، قبل أن يجد نفسه مطلوبا للحضور في الديوان الملكي، ويبلغه أربعة من مستشاري الملك أن الكلام معه قد انتهى، وأن محمد السادس سيعين شخصية ثانية من حزب "العدالة والتنمية" لتشكيل الحكومة المقبلة.
أما مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، فخرج ليقول إنه لن يقبل أن يكون بن عرفة، في إشارة منه إلى رفضه أن يخلف عبد الإله بنكيران، مع استمرار نفس الاشتراطات، وبينها دخول اتحاد لشكر إلى الحكومة، والسؤال ألن يجد الرميد أي حرج في أن يكون وزيرًا في حكومة يقودها رئيس برتبة بن عرفة، بمنطق الرميد؟
المثير في واقعة حجي والزاكي أنها تتكرر اليوم في ملعب السياسة، والأكثر إثارة أن نفس الجهات، بل وبأسماء بعينها، أعادت اللعبة في ملف تشكيل الحكومة. الفارق الوحيد أنها في ملف منتخب الكرة ظلت تحرك الأمور من خلف الكواليس، لكن في السياسة خرجت بعض شخوصها إلى العلن.
لقد وجد عبد الإله بنكيران نفسه ملزمًا بإدخال اتحاد لشكر إلى الحكومة، لكنه رفض بشدة، ووجه رسائل قوية غير معهودة، من قبيل "ايلا شفتو لشكر في حكومة أترأسها أنا ماشي عبد الإله بنكيران"، فكان مصيره الإبعاد، وتكليف سعد الدين العثماني بتشكيلها بدلاً منه. اليوم يتكرر السيناريو نفسه، فاتحاد لشكر ظل مطلوبًا بقوة من الجهات نفسها ليكون واحدًا من أضلاع الحكومة، بل وتم تمهيد الطريق أمامه لينضم إلى الأغلبية، وهو ما اتضح قبل ندوة سعد الدين العثماني، السبت، وتحديدا في بيان الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، الذي اختار أن يتحدث بلغة مهادنة وناعمة، فيها حديث عن "الثقة الملكية" فقط، وقفز على "الثقة الشعبية" التي قادت "المصباح" عبر صناديق الاقتراع إلى ما هو عليه اليوم.
خرجت حكومة العثماني إلى النور، وضمت في تشكيلتها اتحاد لشكر، الذي تحول إلى ديناميت فجر ما زعموا أنه اختيار ديمقراطي، وسيفجر، بلا شك، "الحكومة العثمانية"، أما قياديو "العدالة والتنمية" فسيجدون الكثير من المبررات السخيفة لتحالف هجين وهش، هدفه الأول والأخير وضع العصا في العجلة، والعودة إلى الوراء، رغم أن دستور 2011 فتح اللعبة السياسية، وجعل المغاربة يتابعون بكثيبر من الترقب والانتباه ما يعتمل في الساحة السياسية، مثلما أن عبد الاله بنكيران لعب دورًا مهمًا في هذا الاتجاه بلغته العميقة والبسيطة في الوقت نفسه، والتي جعلت الفعل السياسي متاحًا للكثير من المغاربة ممن كانت تظهر لهم السياسة أشبه بالمعادلات الرياضية، لكن ما الذي يمنع مثلاً حزبًا سياسيًا يتباهى بأنه يحتكم إلى الديمقراطية، وجاء إلى السلطة من صناديق الاقتراع، أن يقول لا، وأن يعود ومعه أصوات الذين صوتوا له إلى كرسي المعارضة، بدلاً من أن يتعرض لهذا الإذلال.
حجي المنتخب الوطني، والمقصود به اتحاد لشكر، دخل الحكومة، و"العدالة والتنمية" سيواصل تقديم التنازل تلو الآخر في معركة كسر العظم، لذلك ليس لنا إلا أن ننتظر نهاية للعثماني ومعه حزب "المصباح" في منتصف طريق الحكومة، شبيهة بنهاية مسار الزاكي مع المنتخب الوطني.