يوميات روسيا 13

يوميات روسيا 13

يوميات روسيا 13

 العرب اليوم -

يوميات روسيا 13

بقلم :يونس الخراشي

كان أغلبنا يبدأ يومه، في فندق هوليداي إن إكسبريس، ب"الحسوة"، المعدة من حبات الشعير الممزوجة بالحليب. فالطابق مغربي خالص. وكم يشتهي الغريب شيئا يشده إلى الجذور. فما أن يلج أحدنا المطعم، حتى تراه يتجه، ب"جبانيته" البيضاء، نحو "گدرة" سوداء، مصنوعة من الألومنيوم، وموصولة بالكهرباء للمحافظة عليها ساخنة، ليحصل على حصته الصباحية من الحساء الجميل. بعضنا كان ينصح غيره، كل يوم، بإضافة ملعقة أو اثنتين من العسل. كل يوم تسمعه يقولها:"سير دير فيها شوية العسل، ورد علي الخبار".

غير ذلك، كانت البقية من الطعام الموضوع في المطعم عبارة عن نقانق "الحلوف"، وأنواع من الخبز، بعضه مخلوط بحبات عباد الشمس، والياوورت، والجبن، والبيض المقلي، والحليب الساخن والبارد، والعصير، وبعض القطع من الفواكه. أما الشاي فحدث ولا حرج، فيبدو أن القوم لهم علاقة خاصة جدا بالشاي، ويستعملون أنواع كثيرة منه. ولعلكم تذكرون حين نقلت لكم وقائع اليوم الثاني لنا في موسكو، حين انتهينا من حجز تذاكر السفر، ورحنا نبحث عن مطعم، فوجدنا واحدا تديره وتشتغل به شابة بمفردها. قلت لكم إنها قدمت لزميلنا رمرام، المولع بالشاي، عدة أنواع، ونصحته بشمها، كما لو أنها عطر رفيع. فإذا به يصدر ابتسامة إعجاب كبير، ويلتفت نحوي قائلا:"رائع".

كان يتعين علينا، كل يوم، أن نبحث لنا عن وجبة غذاء تتناسب مع الذي أحله الله، ونملك ماله، ويوجد في دائرة العمل، ويتسع له وقتنا. ولذلك بالضبط قلما رتبنا لوجبة من الوجبات، حتى تلك التي رتبنا لها. فكنت تجدنا نلتهم أي شيء، مسرعين إلى ما ينتظرنا من عمل. وغالبا ما أطفأنا الجوع بالموز الذي كنا نأتي به من الأسواق الممتازة الصغيرة المبثوثة في كل مكان، فضلا عن الحلويات. أما حين كنا نرغب في الاحتفاء بأنفسنا، فقد كان أحدنا يشتري عددا من المثلجات، ونمضي مسرورين بها مثل أطفال عادوا لتوهم من المدرسة.

لم يتسن لنا أن نتذوق المطبخ الروسي. وحين سألت مرة أحد المغاربة الذين يعيشون في روسيا عنه، قال لي إن لديهم شربة جميلة هي أشهر وأجمل ما يمكنك أن تطعمه هنا. وزاد:"هي أشبه ما تكون بالحريرة المغربية. ممتازة، وكم هي مفيدة أيام البرد. ودعني لا أحدثك عن برد روسيا". وفي المرات التي كنا فيها نود إطفاء لظى الجوع على وجه السرعة، عمدنا إلى محلات ماكدونالدز الأمريكية. كنا نعرف تلك المحلات بفضل هويتها البصرية؛ "اللوگو". وما أن نلجها حتى نطلب الأكلة نفسها؛ شطائر السمك. بالمناسبة، ففي روسيا تكتب ماكدونالدز بالحرف الروسي. يا للعجب. لكن الثمن يكاد يعادل نصف ما ندفعه في المغرب. قالها محاسبو الرحلة؛ خليل أبورزان، وسفيان أندجار، وهشام بنثابت.

في زياراتنا المتواترة إلى الساحة الحمراء، التي كانت تستهوينا لذاتها، فضلا عن أنها تتوسط الطريق من الملعب أو غيره إلى مقر إقامتنا، ولأنها تتضمن مظاهر كثيرة تستحق نقلها للقارئ والمتتبع المغربي، وفيها استوديو روسيا اليوم، ويؤمها كل الجمهور الذي يلعب منتخبه في موسكو، كنا نطلب ما أفتى علينا به خليل أبورزان، دليلنا في الرحلة، وأحد المحاسبين، ومنقذ الكثيرين منا ببطاقته البنكية العجيبة. كان ينصحنا ب"مول الطون"، تحت الساحة الحمراء. ويا لها من أكلة جميلة؛ حيث يوضع مزيج من عدة مقبلات في "باگيط" طويل ورطب، ثم يوضع عليه السمك، ويقدم للزبائن في ورق موزوق بالأخضر.

في مرة من المرات، وكنا نود تغيير الأكلة، اتجهنا إلى محل للبناني يبيع "ماكلة العبار". كان الحجاب الذي ارتدته الفتيات البائعات، في المول نفسه أسفل الساحة الحمراء، جاذبا للباحثين عن أكلة حلال. وإذ سألت الزميل عمر بيغراد، من روسيا اليوم، وأحد أجمل سفرائنا في روسيا، ذات ليلة عن مصداقية المحل، أكد لي بأنه معتبر بالفعل، ولديه شهادة موثوقة كونه يبيع المأكولات الحلال. حصلنا على وجبة لا تنسى، وكأني بها ما تزال إلى اللحظة أمامي تزيد جوعي جوعا وشهيتي شهية.

وبينما كنا نعود، مرة، من رحلة تبضع، وقد كنا على مرمى من موعد الرجوع إلى المغرب، قال لنا سفيان إندجار إنه عثر على محل لبيع المأكولات الحلال غير بعيد عن خوفرينو. قال لنا:"حينما نغادر محطة خوفرينو للميترو سنركب حافلة تتجه يمينا عوض اليسار، ثم ننزل في أول محطة. هناك محل جميل جدا، ويبيع أكلات رخيصة وجيدة". وكم كان محقا. تأسفنا كثيرا لأننا لم نعرف المحل إلا متأخرين، مع أنه كان قريبا منا. ويقدم أكلات عبارة عن فطائر محشوة بالكفتة أو شرائح اللحم أو الدجاج. وبصدق، بثمن في المتناول؛ على الأقل في متناولنا. وتبينت، ونحن نركب حافلة العودة، أن الحي تقطنه غالبية مسلمة، أو هكذا بدا لي، بفعل تواتر السحنات المتحدرة من الجمهوريات الإسلامية، بالعينين الضيقتين، والشعر القصير الرطب، وأيضا بفعل المنديل والطاقية على الرأس.

أجمل أكلة تذوقتها في الرحلة ككل هي تلك التي تناولتها مع زملائي رمرام وإندجار وبوناجي وبنثابت في اليوم الثاني. والسبب بسيط للغاية، فقد جاءت بعد يوم طويل جدا من الصيام. كنا قد مشينا أكثر من عشر كيلومترات في شوارع موسكو. تعبنا. وكان معي بعض "الحليوات" التي سلمنيها الزميل رزقو وهو يتجه إلى الملعب لتغطية حفل الافتتاح. قال لي:"لن أحتاجها. خذها، فربما تكون طعامك للإفطار". ومن غريب الصدف أنني كنت سأتخلى عن الكيس لمرات، ظنا مني أن مسألة الحجز للسفر بسيطة جدا، وأنني سأختار، مع بقية الزملاء، مطعما لائقا للإفطار. لما أبلغنا بنثابت بأن الساعة تشير إلى موعد الأذان ولم ننته بعد من الحجز، تذكرت، حينها فقط، أنني أحمل معي كيسا به بعض الطعام. حين فتحته فوجئت بعدد الحلويات. وكم كانت لذيذة ونافعة.

ولا يمكنني، بالطبع، أن أنسى تلك الضيافة الرائعة التي حظيت بها وزميلي رزقو من قبل العزيز عمر بيغراد. فقد جاءنا في ليلة من الليالي إلى الفندق كي يجالسنا، ونتعرف على بعض. ثم اقترح علينا وقد استطاب الجلسة أن نذهب معه في جولة إلى المعهد الذي درس به. قال إن هناك مطعما يقدم وجبات جميلة. وبالفعل، فقد حظينا بأكلة شامية من الطراز الرفيع؛ عبارة عن حمص وسلطة وكباب، وشاي أيضا. لله ذرك يا عمر، ولله ذرها من ليلة ضاحكة.

وسابقى أذكر تلك السلطة التي طعمناها حين كنا في كالينينغراد. هي أيضا وضعت على مائدتنا بعد جهد جهيد. كنا نبحث عن فندق نقضي فيه ليلتنا الثانية. وحدثت لنا وقائع غريبة جدا تستحق أن تروى. ضاع منا وقت معتبر. أما ونحن نصل الفندق، الذي كنا نظن أنه سيؤوينا، فقد وجدنا أنفسنا نتناول فيه الغذاء فقط. طلبنا أربع قطع "بيتزا"، وسلطات. أغلبنا شعر بشبع وهو يأكل السلطة، حتى إننا قلنا، على سبيل البسط، لو كنا نعرف أن سلطتهم بهذه اللذة وبهذا الكم ما طلبنا سواها. كانت عبارة عن ورقات خس كبيرة مفروشة في صحون واسعة جدا، وضعت عليها قطع مرتبة من القرنبيط والطماطم والبطاطس، وخضروات أخرى. يا سلام.

الكرم خلق جميل. وقد لمسناه مرارا في الروس. أو لنقل لمسناه في من عرفناهم من الروس. وفي مرة كنا نزور المسجد الكبير للعاصمة موسكو، فإذا بنا، ونحن على مدخله، نكتشف خيمة بيضاء يبيع صاحبها أكلات خفيفة، ومياه معدنية، ونقانق "مرگاز". وإذ مضى زميلاي رزقو وبنثابت إلى الداخل متوجسين من طبيعة الأكلات، سألت بعض الروس، وهم يلتهمون النقانق الكبيرة، إن كانت حلالا. قال لي أكبرهم سنا:"تفضل، إنها حلال يا أخي. هل تظننا كنا سنقبل عليها لو لم تكن كذلك؟". تذوقتها في الحين. كانت رائعة. ودعاني الشاب بإلحاح كي أجلس وأشاركهم الأكل. أعطاني قطعة كاملة بعد أن قسمها إلى اثنين، والتفت نحو صديق له قائلا:"جئه بالماء". ورحنا نتحدث عن الإسلام بلغة عربية فصيحة.

هل قلت إن الكرم خلق جميل؟ أي نعم، والعكس قبيح. فحين كنا نستعمل الطائرة بين المدن الروسية قدم لنا "سندويتش" بقدر عضة واحدة، وكأس ماء واحد، لا غير. وعرفنا بالدليل أن الرحلة بثمن بخس.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميات روسيا 13 يوميات روسيا 13



GMT 13:23 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

"السيما والكياص"

GMT 08:29 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

قدسية كرة القدم

GMT 08:27 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

فتحي جمال مُهندس "ميركاتو" الرجاء بأقلّ تَكلفة

GMT 08:08 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

مقاصد الرديف

GMT 12:09 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

الكوكب وقاعدة الجاذبية

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل
 العرب اليوم - حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها
 العرب اليوم - حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 13:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد فراج يكشف عن مشاركته في دراما رمضان المقبل 2025
 العرب اليوم - محمد فراج يكشف عن مشاركته في دراما رمضان المقبل 2025

GMT 04:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
 العرب اليوم - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي

GMT 00:00 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف الشريف يتحدث عن عقدته بسبب يوسف شاهين

GMT 07:57 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نتائج "مايكروسوفت" و"ميتا" تهبط بأسهم "ناسداك" 2.8%

GMT 12:23 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع عدد ضحايا فيضانات فالنسيا في شرق إسبانيا إلى 205
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab