بقلم - عيسى الجوكم
نكتب الحياة وتكتبنا، نسير في طرقاتها، نتعثر وننهض، ننجح ونفشل، نسعد ونشقى، حتى أولئك الذين ولدوا وفي فمهم ملاعق من ذهب يسيرون في أحيان كثيرة على الرمضاء، وعلى النقيض هناك من فتحت أعينهم على الحرمان ساروا في بعض الأحيان بشوارع الحرير والنعيم.
هي الحياة التي لا تعطي من يعطيها في مواقف كثيرة، وتبتسم لمن يدير ظهره لها في مواقف أخرى.
يقولون الحظ، وأحيانا التوفيق، ولكنها أقدار يكتبها رب العالمين لعباده في دنيا فانية.
السعيد هو من تملكه الرضا، واقتنع بما في يديه، والشقي من حاول أن يقفز على هذه الحقيقة ونظر لما هو في أيدي الناس.
يقولون (القناعة كنز لا يفنى) نؤمن بهذه المقولات نظريًا ولا نطبقها عمليًا، وهذا ما يفسر لنا الصراع في هذه الحياة.
ننام على وسادة الفضيلة ونصحو على الرديئة بفعل تفكيرنا وحسدنا وحقدنا على الغير؛ لأننا لم نؤمن إيمانًا صادقًا بالقناعة التي نرددها في كل محفل.
أصبح البعض منا يسبح في بحر (المكيجة)، يظهر بوجه ويخفي وجهًا آخر، يتلون حسب المصلحة ويذوب في (الأنا) ويضرب في كل الاتجاهات لإيذاء الغير تحت عباءة (الحياة شطارة).
نسير بقارب في باطنه خروق كثيرة قابلة للغرق، وفي ظاهره ألوان بهيجة تخدع الآخرين بنا شكلًا وسلوكًا ومعنى، والحقيقة تبقى بداخلنا زيفًا وديكورًا ونفاقًا.
لا أعرف لماذا يصر البعض على السير على أرصفة التعاسة اختيارًا وفلسفة من أجل نظرة الآخرين له، ويرفض كل مساحات السعادة المفروشة له من أجل نظرته لنفسه وحقيقته، هو الداء المتغلغل في النفوس بالعيش نظيفًا في عيون الآخرين، ومتسخًا في عينه وتفكيره وباطنه.
الشقاء هو أن تحاول إرضاء الغير بالشموخ، وبحقيقة أنت تعرفها قبل غيرك بأنك وضيع، والمسافة بينهما خداع (الأنا والمجموع) في آن واحد.
ما بين الجوهر والمظهر مسافة كبيرة، فضل الكثير منا الفشخرة الكاذبة على الحقيقة الدافئة، فسقط في وحل الكآبة حتى لو سجل نجاحًا ظاهريًا في نظر الآخرين.
لذلك يكتب النجاح للبعض ممن سار في درب المكيجة، لكنه نجاح مؤقت لا يترك بصمة ويرحل مع الزمن وتتناساه الأجيال، أما الذين حرصوا على النجاح بالتصالح مع أنفسهم ومجتمعهم دون تضخيم الذات وإنكار الغير فبقيت نجاحاتهم شمعة يستضيء بها الآخرون.
في الحياة نماذج كثيرة، يبقى منها ما هو حقيقي، ويذهب ما هو مزيف.