بقلم الدكتور طارق الادور
لم أتعاطف طيلة حياتي الاحترافية في التعامل مع كرة القدم مع الكرة الدفاعية الانزراعية التي تفقد اللعبة جمالها وإثارتها، حتى لو حقق فريق بطولة بهذا الأسلوب. لأن الكرة من وجهة نظري خلقت لإمتاع الجماهير بالمهارات واللعب الهجومي الشيق. ولكني أجد نفسي للمرة الأولى متعاطفا مع منتخب مصر في مشواره في تصفيات المونديال حتى يتحقق الحلم ونصعد لكأس العالم وبعدها يكون لكل حادث حديث.
نعم كوبر أضاع بهجة الكرة المصرية وأفقدها إثارتها وجمالها ولكننا نريد استكمال المسيرة والتأهل لكأس العالم تحت أي ظروف لكسر الحاجز النفسي العملاق الذي تولد لدينا من هذه البطولة جراء الفشل المتكرر. ففي عام 1994 أجرت إحدى الصحف الشهيرة جدا في البرازيل استفتاء واسعا أرادت به اختبار تذوق الشعب البرازيلي للكرة، وكان مضمون الاستفتاء بعد فوز السامبا بكأس العالم 1994 في أميركا للمرة الرابعة في تاريخها هو أن يقوم كل مواطن باختيار المنتخب الذي يراه الأفضل في تاريخ البرازيل، والأسوأ أيضا في تاريخ البلد العاشق للكرة حتى النخاع من خلال بطولات كأس العالم.
وكانت المفاجأة المدوية أن اختار الشعب البرازيلي المنتخب الفائز لتوه بأكبر بطولة على وجه الأرض "كأس العالم" كأسوأ فريق في تاريخ البرازيل!! هل تعلمون لماذا؟؟.. لأن الشعب البرازيلي يكره الكرة الدفاعية التي قدمها منتخب البرازيل بقيادة دونجا وماورو سيلفا وبرانكو والداير ومازينيو وروماريو في ذلك الوقت ، حتى لو كان الهدف كأس العالم التي فازوا بها عام 1994.
أما المنتخب الأفضل فكان أكثر مفاجأة في نتيجة الاستفتاء حيث اختيار الشعب البرازيلي فريق عام 1982، كأفضل منتخب كروي في التاريخ وتفوق حتى على منتخبات بيليه وريفيلينو وجارينشيا وتوستاو وغيرهم، لأن هذا الفريق أمتع العالم حتى رغم خروجه من الدور الثاني لكأس العالم وعدم وصوله حتى إلى المربع الذهبي. والسبب طبعا أن فريق سقراط وزيكو وفالكو وشيريزو وآدو وأوسكار وغيرهم أبهر العالم بالمهارة ومتعة الكرة حتى لو كانت الضريبة أمام تلك المتعة هي عدم الوصول للمونديال.
وأضرب هذا المثال لأن الشعب المصري ذوَّاق لكرة القدم لا يحب الكرة الدفاعية ويعشق المهارة والمتعة أسوة بالشعب البرازيلي لذلك فهو كاره لما يفعله هيكتور كوبر مع المنتخب حتى لو كان الثمن هو بلوغ كأس العالم.
والواقع أنني أختلف مع هؤلاء بعض الاختلاف في الوقت الراهن الذي نحتاج فيه للتكاتف من أجل الهدف الأسمي وهو المونديال. رغم أنني متأكد تماما من أن كوبر لن يغير أسلوبه حتى لو وصلنا المونديال، وستظل استراتيجيته كما هي في النهائيات وهي البحث عن النتيجة قبل مستوي الأداء. وما يعمق حزن المصريين على مستوي الأداء هو توافر نخبة من اللاعبين في تشكيل منتخب مصر لم تتوافر منذ فترة طويلة بهذا الكم من المحترفين وأصحاب الأداء الجمالي أمثال محمد صلاح وتريزيجيه وعبدالله السعيد والنني وحجازي ورمضان صبحي وكهربا وغيرهم.
وأعود لتلك الكرة الدفاعية العتيقة التي ينتهجها كوبر والتي تذهب فيها فنيات اللاعبين أدراج الرياح أمام القيود التي يضعها المدير الفني على كل لاعب، مما يجعله مكبلا بتلك القيود وغير قادر على الإبداع وإظهار قدراته المهارية. باختصار كنت أطالب بالصبر عندما كان أسلوب الأداء هكذا منذ عام عندما تغلبنا على الكونغو وغانا وتصدرنا مجموعتنا في تصفيات المونديال باعتبار أن تلك فترة انتقالية جراء ما عانته الكرة المصرية من توقف ما بعد ثورة يناير. ولكن الآن بعد أكثر من عامين أؤكد أن الطريقة لن تتغير وأن كوبر سيبقي على الأداء الدفاعي ولكني أطالب الآن بالمزيد من الصبر حتى يتحقق حلم المونديال.