بقلم ـ حسن البصري
قبل عامين، أحدثت مداخلة للمحلل الرياضي فؤاد الصحابي على قناة ميدي 1، شرخًا في العلاقات بين الكرتين المغربية والموريتانية، فقط لأن الإطار المغربي قال إن منتخب موريتانيا قد حل بالمغرب لإجراء مباراة ودية دون متاع رياضي، “واضطر إلى اقتناء بدلته الرياضية من محل تجاري بالدار البيضاء”.
قبل أن يصل المحلل الرياضي المغربي إلى الدار البيضاء، ظهر رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم أحمد ولد يحي، على شاشة التلفزيون، وقال إن منتخب بلاده يملك كسوة تغنيه عن اقتنائها من الدار البيضاء، وطالب ميدي 1 بالاعتذار لمنتخب المرابطين فقطعت نشرتها الزوالية لتعتذر عما “تلف”.
واصطفت جمعية المعلقين الرياضيين الموريتانيين إلى جانب ولد يحيى، وأصدرت بلاغًا، تؤكد فيه توفر منتخب بلادها على الكسوة الكافية، وانضمت جمعية رجال الأعمال إلى الحملة، وقالت إن فريقها الوطني “مكسي ومسبط”، بينما دخلت جامعة كرة القدم على الخط، حيث اتصل فوزي لقجع بأحمد ولد يحيى، وقدم له اعتذارًا هاتفيًا، تحول إلى حدث في جميع وسائل الإعلام الموريتانية.
ولم يقتحم الصحابي، الملعب السياسي، فقد تحدث عن واقعة نسيان حقيبة أمتعة، وهو أمر مألوف في جميع تنقلات الفرق والمنتخبات الرياضية، لكنه أدين بالمساهمة في تسميم العلاقات بين البلدين، وكاد لولا الألطاف الربانية أن يمسي محللا ويصبح معارضًا سياسيًا متهمًا بتلقي دعم من جهات خارجية تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة المحرمة. وحاول المتربصون بالمحلل، تحريض سفير موريتانيا في المغرب، ودفعه لصياغة بيان يندد فيه بحكاية القمصان، لكنهم اكتشفوا أن منصب السفير شاغر منذ خمس سنوات، وأن الدبلوماسية الموريتانية تعاني نقصًا على مستوى السفارة.
ونسي المغاربة هذه الحكاية، بعد أن دخلت العلاقات الرياضية بين الدولتين فترة النقاهة، واستعانت جامعة الكرة بحكام موريتانيين لقيادة مباريات ودية في المغرب، قبل أن يظهر حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال وهو يحمل حفنة ملح رمى بها فوق جرح لم يندمل، حين قال إن موريتانيا أرض مغربية، وهو التصريح الذي جرّ عليه غضب وزارة الخارجية المغربية، التي اضطرت إلى صياغة بيان حقيقة، يرمم ما أفسده “أمين ولا الضالين” ويدعو الأشقاء في موريتانيا إلى عدم أخذه مأخذ جد، قبل أن يطير رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى نواكشوط، وهو يحمل في حقيبته مرهمًا ومسكنًا لآلام صداع الرأس الناتج عن تصريح في حالة شرود واضح. لكن شباط لم يعرض على المجلس التأديبي ولم يمنع من إطلالته التلفزيونية لغاية في نفس مولاي يعقوب.
لم يهتم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بما قاله الصحابي، لأنه أصلًا لا يفقه في الكرة، بل إنه شعر بالملل وهو يتابع مباراة كأس السوبر في ملعب نواكشوط، وأعطى تعليماته السامية للحكم كي يوقف المباراة بعد مرور ثلث ساعة من زمن الجولة الثانية، معتذرًا لضيق وقته وزحمة جدول أعماله، بعد أن كان الفريقان متعادلين، استجاب طاقم التحكيم لمطلب الرئيس ولجأ إلى ضربات الترجيح التي منحت الفوز لفريق تفرغ زينة، في سابقة لا يجود بها الزمان.
ظلت العلاقات الكروية، سمنا على عسل بين المغرب وموريتانيا، إلى درجة أن الحكم المغيفري ولد علي، قد طالب باللجوء الرياضي للمغرب، ووجه رسالة لجامعة علي الفاسي الفهري يلتمس فيها تعيينه في مباريات البطولة المغربية، وهو ما رفضته الجامعة السابقة، وحسنا فعلت لأن وجود حكم موريتاني قد يعزز الطرح الشباطي.
لو كان شباط رياضيًا لأعلنت موريتانيا انسحابها من جميع التظاهرات التي يشارك فيها المنتخب المغربي، ولأوقفت تصدير الحكام واللاعبين ووكلائهم إلى الجار الشمالي، رغم أن علاقة دم تجمعنا بالأشقاء الموريتانيين من خلال المغربية تكيبر بنت أحمد ماء العينين ولد النور، السيدة الأولى في موريتانيا، زوجة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن المصاهرة السياسية تحتاج لحكماء، يؤمنون بأن العلاقات الدولية كمباريات الكرة تحسم بجزئيات صغيرة.