معارض الكتب هوية حضارية أمام العالم

معارض الكتب.. هوية حضارية أمام العالم

معارض الكتب.. هوية حضارية أمام العالم

 العرب اليوم -

معارض الكتب هوية حضارية أمام العالم

بقلم : أحمد بن ركاض العامري

ينظر الكثير من المتابعين للشأن الثقافي في العالم العربي إلى معارض الكتب الدولية بوصفها مساحة للقاء الناشرين، وتسويق الكتاب، وعقد حفلات توقيع الإصدارات الجديدة، فيما الواقع يشير إلى ما يتجاوز ذلك بكثير، فالمعارض تتعدى دورها المتمركز في الكتاب، وفكرة النشر لترتبط في الواقع الاقتصادي، ومفهوم السياحة بمختلف أشكالها، إضافة إلى ما يمكن وصفه بالصورة التاريخية للحضارات والبلدان.
 
قد يبدو هذا انزياحاً نحو مساحة مغايرة لما تقدمه معارض الكتب بشكلها التقليدي، إلا أن العارف لكواليس تنظيم المعارض، والعارف لقائمة الأرقام الظاهرة عقب انتهاء المعارض، والمتمعن للأثر التاريخي المتنامي سنة تلو سنة، يجد أن فكرة معرض الكتاب تمضي على أكثر من مسار في الوقت ذاته، وكل مسار في ذاته مركزياً ومهماً لفكرة النهوض بمختلف أشكال هذه المعارض المعرفية، والحضارية، والاقتصادية، وغيرها.

يمكن قراءة أهمية معارض الكتب في قدرتها على تجاوز شكلها الظاهر بتتبع واحدٍ من المعارض الفارقة في تاريخ الثقافة العربية، وتحقيق المقاربة والمقارنة مع ما يقابله من معارض دولية لها تاريخ يصل إلى مئات السنين، فالواقف عند الأثر الذي حققه معرض الشارقة الدولي للكتاب، يجد أنه استطاع تقديم صورة مغايرة عن النشر في العالم العربي، ويحقق التواصل الفاعل بين الكاتب، والناشر، والمؤسسات المعنية بالكتاب على نطاق دولي يتجاوز الجغرافيا العربية، وحتى الآسيوية، والشمال الأفريقية، ليصل إلى القارة الأوروبية، والأمريكيتين.

يتجلّى هذا الأثر وأهميته بالوقوف عند اتفاقيات النشر والترجمة التي جرت بين مؤسسات النشر العربي والنشر الغربي، من خلال البيئة التي وفرها معرض الشارقة لهذه المؤسسات للتواصل وعقد الصفقات، فالمعرض يستقطب كبار الناشرين في العالم، ويقدم لهم واحدة من الصور الضرورية عن المثقف، والكاتب العربي، من خلال مستويات التنظيم، وحجم العناية، والتنوع في عرض واقع الثقافة العربية، وهو ما جعل من هؤلاء الناشرين أكثر إدراكاً لأهمية ترجمة أعمالهم وتقديمها لهذا المثقف، ما زاد من حركة الترجمة في دولة الإمارات والعالم العربي.  

ربما تكون الصورة الواضحة والحقيقة هي التي ظل المشهد الثقافي العربي يفتقر إليها، فغياب أسماء الكتّاب العرب عن الجوائز العالمية، والتقصير الواضح في ترجمة أعمالهم إلى أهم لغات العالم، مرده إلى الصورة الغائبة عند المثقف الآخر، أو الحراك الثقافي في إطاره العالمي، إذ حتى اليوم لم ينل جائزة نوبل للآداب سوى كبير الرواية العربية الراحل نجيب محفوظ، في الوقت الذي قدّم الكثير من الروائيين والكتّاب والشعراء منجزاً فذاً يستحق لفت نظر القارئ العالمي إليه.

من جانب آخر، حقق معرض الشارقة الدولي للكتاب لحركة النشر والتأليف على صعيد دولة الإمارات، الكثير من الإنجازات، فالمتابع لعدد دور النشر الإماراتية يجد أنها حققت طفرة نوعية، وكمية، خلال الخمسة أعوام الأخيرة، وحقق احتكاكها مع كبار دور النشر العربية والعالمية فرصةً لاكتساب خبرات في الطباعة، والتسويق، والتوزيع.

ليس ذلك فحسب ما يمكن قراءته في تتبع مسارات معارض الكتاب في حضورها الفاعل، إذ تُفعّل المعارض حركة السوق التجارية والاقتصادية، وتحيي النشاط السياحي بكل مستوياته، فمثلما هناك سياحة استجمامية، وسياحة علاجية، أنتجت معارض الكتب الكبرى ما يمكن وصفه بـ"السياحة الثقافية"، إذ يتوافد القراء إلى الدولة المنظمة للمعارض، ويقيمون فيها خلال فترة المعرض، لتحقق أعلى مستويات الاستفادة الثقافية مما تقدمه المعارض سواءً من الندوات، أو عروض الكتب، أو الأمسيات، أو غيرها من الفعاليات.

يظهر هذا النوع من السياحة خلال فترة معرض الشارقة الدولي للكتاب، فبلدان الجوار الخليجي، تتوافد إلى الشارقة، لتحقق زيادة واضحة في نسبة الإشغال الفندقي، وتظل طول أيام المعرض متابعة لمجريات المعرض وجديده، وكثير منهم يحضر لشراء كميات كبيرة من الكتب لمكتبته المنزلية، أو للمكتبات المدرسية والجامعية والتجارية، وهذا الأمر يعمل على تنشيط حركة الشحن أيضاً، هذا إضافة إلى الناشرين أنفسهم وما يشكله حضورهم من إنعاش للحركة الاقتصادية في الدولة.

كل هذه الأدوار التي تتحملها معارض الكتب العالمية، تبدو متغيّرة وهامشية مقارنة بالدور التاريخي الذي يمكن للمعرض أن يحققه لبلده وشعبه، فالكثير من معارض الكتب في العالم باتت علامة فارقة في التاريخ الحضاري للبلدان بحيث صارت جزءاً من هويتها أمام سائر البلدان والحضارات، فكما ينظر العالم إلى باريس في برج إيفل، ينظر العالم إلى فرانكفورت بتاريخ معرض كتابها الدولي الذي يعد أكبر معرض للكتاب في العالم ويعود تاريخه إلى خمسمائة عام ماضية.

لذلك لا يمكن الاكتفاء بالنظر إلى الإنجازات الراهنة لمعرض الشارقة الدولي الكتاب وحسب، فالعقود المقبلة والسنين، ستكرسه كواحد من الشواهد الحضارية التي تقدّم صورة الشارقة، والإمارات لسائر ثقافات العالم. 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارض الكتب هوية حضارية أمام العالم معارض الكتب هوية حضارية أمام العالم



GMT 19:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
 العرب اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 06:36 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 05:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
 العرب اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 العرب اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

إرهابى مُعادٍ للإسلام

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 09:50 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 21:50 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

دنيا سمير غانم تشارك في موسم الرياض بـ مكسرة الدنيا

GMT 00:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

لبنان يتعهد بالتعاون مع "الإنتربول" للقبض على مسؤول سوري
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab