بقلم -مفلح العدوان
يوشك الغريب أن ينكسر مصلوبًا أمام الباب يقترب منه، فيشتمّ رائحة كل من عبروا منه نحو البيت، أو غادروه.. كلهم الآن غادروه، وليس غيره واقفًا يسترجع صدى الأغنية: "على باب بنوقف تنودع الأحباب.. نغمرهم وبتولع إيدينا بالعذاب.. وبواب أبواب شي غِرِب وشي أصحاب وشي مسكر وناطر تيرجعوا الغياب... آه..آه..آه..لبواب..".
***
وحيدًا هو الآن..
عاد بعد طول غياب، لينتظر ما يَحِنّ إليه.. يريد أن ينبض البيت بحاله أيام "كان يا ما كان" عش الأحباء الأحباء؛ أب وأم وأخوة وأصحاب..
وحيدًا أمام الباب، تلهث معه الأغنية: "وقت اللي بلوحلك وبسكر الباب ياخدني الحنين.. فكر رح اشتقلك فكر عهالباب رح انطر سنين..آه يا باب المحفور عمري فيك..رح انطر وسميك باب العذاب..آه..آه.. آه..لبواب".
***
ينطق الباب..
يمسح بالذاكرة على نبض الغريب.. يناجيه: أعرف لهفة المشتاق.. هذا أنت.. حين تكون داخل البيت تَنْظرني، تحدّق بي، كأنك في حالة انتظار دائم.. يرفّ قلبك باتجاهي، كلما سمعت طرقة عليّ، أو هجست ظلًا يقترب.
يكمل: وحين تعود من الخارج نحو بيتك هذا، أنت تلمسني بشوق وفرح، كأنك تتفقد لمسات أيدي الراحلين من هنا، ورفيف أرواحهم التي عبرت الباب ذات زمن، وتعود إليه بحنين، كأنها تتفقد الحجارة بعد أن فرغ منه الأهل.. تتلمسني كأنني وحدي الأمين على سرك، ووحدي الباقي في استقبالك!!
***
يجهش الغريب قائلًا: خلف الباب كانت تسكن أفراح الدنيا، دنياي، وكانت الأمنيات، والسكينة، والمستقر، والقلب الحنون.. خلف الباب كل هؤلاء وأكثر، والآن لم يتبقى سوى الأغنية، مشفوعة بالأمنية:
" في باب غرقان بريحة الياسمين..في باب مشتاق.. في باب حزين.. في باب مهجور أهله منسيين.. هالأرض كلها بيوت يا رب خليها مزينه ببواب.. ولا يحزن ولا بيت ولا يتسكر باب".