بقلم : ريما شهاب
كلما مررت بجانبه شعرت بحنين غريب لمكان لم أسكنه ولا أعلم شيئاً عن ماضيه لكن جماله الخالي من الحياة وشيخوخة أحجاره وانهزام أغصان أشجاره يضفي عليه وقاراً صارخاً يجعلك تدرك قيمته حتى وإن كنت تجهله. أنا لم أزره قبلاً، لكن عراقته المهترئة تمسّني فيخيل لي كما لو أني قد قضيت عمراً طويلاً هنا.
أليست هذه الأرجوحة مكاني المفضل؟ وهذا الشباك المحطّم كم كنت استمتع حين انظر من خلاله فأرى غابة من أشجار الصنوبر تعيد إليّ الروح بعد قضاء يوم دراسي متعب، وكم كان أبي يحب الجلوس على هذه الشرفة ليرتشف قهوته الصباحية على صوت جدتي المتقطع والتي لا تكف عن السؤال أين ابني؟ و ما أن استرخي حتى تصرخ بي والدتي:"هل انتهيت من واجباتك" فأركض مسرعة حتى لا يتطور الأمر إلى ما هو اكثر من ذلك.
فجأة سمعت صوتاً قريباً: "يا آنسة، يا آنسة. انتبهي قد يكون هناك أفاعي وحشرات سامة في الداخل فالمكان مهجور منذ سنوات طويلة ولا أحد يدخله. نظرت خلفي إلى العجوز الهزيل الذي ينده عليّ وعدت أدراجي إلى باب المدخل، شكرته ومشيت.
منذ أيام مررت حيث المنزل العابق بالأصالة فوجدته جثة هامدة أمام حضارة الباطون العصري الهامشي الكثيف ووجدتني اصرخ بالرجل العجوز المسكين:" أنت! اين أرجوحتي؟ لما لا تجيب؟ أرأيت أهلي؟ أتأخذني إليهم؟ فابتسم لي ببرودة وأدار ظهره ورحل.