في نسف الثّقافة

في نسف الثّقافة..

في نسف الثّقافة..

 العرب اليوم -

في نسف الثّقافة

بقلم : رجاء بكريّة

((.. أم أنّه مرهما سحريّا يخفّف من انتفاخ الأوداج، والكبرياء، والكلمات ويحيلها إلى آفة عصبيّة تكبر بمرور السّاعات، وغرور لا يُحتمل، وكرات ثلج كلّما انتفخت ذابت في عيون المتورّطين في حلقاتها الشّائكة؟))
 
كلّها معا تهاجمك. تتزاحم فيك. تختبر صبرك عليها. تقاتلك على حقّها في أن تتصدّر عناوينك. كلّ المواضيع معا. قضيّة الأسرى، صفقة القرن المسدّسة، صحّة رئيس السّلطة الفلسطينيّة، زيارة الأمير وليام للقدس ورام الله بدون دوقة كمبردج "كيتي ويتي"، منشورات أيمن عودة حول المونديال كلّ مساء وتحيّزه للأرجنتين دون أدنى حق برأيي. بالعادة أجيز لنفسي جرف أصوات إضافيّة لصوتي حين يتعلّق الأمر بالشّعوب المغلوبة على أمرها شأننا، فأتحيّز لنيجيريا مثلا على حساب الأرجنتين، ولكوبا ضد البرازيل الّتي أحبّها.

أمتعض أحيانا حين أجد العالم الأبيض في صف طويل، والآخر الأسود يتثاءبُ في صفّ قصير، أقصر من بنصر يدي اليمنى. كم أنزعج؟ لا أنزعج،  أختنق فقط، وهكذا للا سبب لمجرّد أنّ الإنسانيّة في تراجع! خصوصا حين تقع عيناك على خبر قتل فتاة لأمّها على خلفيّة لا تستوعبها، عدم موافقتها على زواجها من شاب ليست واثقة من مؤهّلاتهِ. وقد يصيبك الغثيان، فتتداعى وتفوتك كُرةُ المساء حين تعرف أنّ الإبنة ذاتها أخفت يوما كاملا تواطؤها على قتل أمّها، وأنّها جلست في ذات المكان الّذي تنحدر منه خيوط الدّم كي تأكل بيتسا طلبتها على حساب فيزا الوالدة المغدورة. ولا أستوعب!

كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ لا أحد يعترف أنّ التسيّب الأخلاقي يجرفنا بطريقة لا يمكن استيعابها. غلبتنا نزعاتنا. أفشت أسرار الطّيبة الّتي أحبّتنا وقلبتها لأسرّة ساكنة، حتّى النّوم له تجاوزاته لكنّ نومنا لا يعرف طقوسه، ولذلك، لا أعرف كيف أهادن نفسي، وأنا ألاحظ جنون الأفكار الّتي تقفر إلى رؤوس النّاس. لا أجيد التّفكير عنهم كشخوص رواياتي مثلا لأستوعب منطلقات الشّرور الّتي ينعفونها على أكوام البراءة الّتي منحها الخالق لنا. ذلك لأنّ النّاس الّذين يمشون بين سطوري يشبهونني ويخالفونني بذات القدر من الرّغبة الّتي فيّ

. وحين يتمرّدون علي، أعرف تماما أنّي سأحتفي بفعلتهم كعربون أبدي لحسن اختياري. أناس الشّارع والمقاهي لا علاقة لهم بالمساحات المتخيّلة الّتي نبنيها كي نطلق شخوصنا إلى براءتهم كاملة، كي نختبر نقاط ضعفهم شأن قوّتهم لنتحكّم بها. تذكّرتُ دهشة الجنّ حين تابع بناء معبد سليمان الحكيم، رغم موته واقفا لمدّة لا يحدّدها التّاريخ. بقي واقفا يراقب عملهم حتّى لا يتقاعسوا. حين أنهوا لاحظوا تهاوي جسده أمامهم بفعل تفتيت دابة الأرض، النّمل، لعكّازهِ، " منسأتهِ" وسقوطه أرضا أمام عيونهم. ذات الأمر أتخيّله مع النّاس المفترضين شأن الحقيقيّين، أيّ مفصل فيهم يجب أن يتهاوى أوّلا كي يؤدّي بِنا إلى حقيقتهم، ومن يؤدّي بنا إليهم؟ أيّ دواب الأرض يجب أن نجعلها دليلا؟

أهي وشاية غير مقصودة، أم مكبّر عين، أم مكبّر ضمير، أم أنّه مرهما سحريّا يخفّف من انتفاخ الأوداج، والكبرياء، والكلمات ويحيلها إلى آفة عصبيّة تكبر بمرور السّاعات، وغرور لا يُحتمل، وكرات ثلج كلّما انتفخت ذابت في عيون المتورّطين في حلقاتها الشّائكة؟

لدينا أشكال في المولِد الأدبيّ تعيش من غرورها الوهّاج، غرور بلغ حدّ انسداد مرايا التّمييز بينه وبين انشطاب الأخلاق. كنتُ أقول حتّى للغرور حدوده، لكنّه حين يفقد أجنحة التميّز عن السّقوط يصير وبالا على أمّة كاملة. فكيف يمكن لمنابر نحترم حضورها وندين لها بتصنيع منصّات جديدة للوعي أن تجيز للتّجاوزاتِ خرابها؟. كيف تمنح هذه المناصب الفوقيّة لأشكال تغرّر بها أوداجها المنتفخة بالحنق والإستعلاء، والخواء؟ ولماذا تعزّز المواقع السّياسيّة إفراغ ساحات من كراماتها وتركها نهبا لرمي العزّة والثقّة بالحصى والشّتائم، ألأجل هؤلاء؟ 

حين نفقد أسماء تضيء صفحات وجودنا، لأنّ قوانين الإنتماء تحدّدها السّياسة على صفحات الفكر الحر، فعلينا أن نعترف أنّ ثقافتنا في خطر، وكلماتنا في خطر. وحين نجيز لبعض الأشكال، الّتي تتورّم بوهم نياشينها المفترضة في الثّقافة والشياكة، أن تتصدّر واجهات المربّعات والمثلّثات العاموديّة والأفقيّة فنحن في خطر. حين نتنازل بسلاسة عن قوّة الحرف الّذي يشرّف مواقعنا، ونفرشه وردا للكلام الفجّ فنحن في خطر. وحين نصفّق لأنفسنا نيابة عن الحضور الّذي سيصفّق لنا فنحن في أرذل خطر، وحين سنلتفت حولنا فلا نجدُ من يربّت على أكتافنا غير أبناء عمومتنا فقد شرّعنا فضاءنا لطائرات ورقيّة خصخصتها الفئويّة والعائليّة، وربّما لن نجد شرائط ملوّنة نزدان فيها بالأمل, وغير رصيف ضيّق اعتلى الغيمَ لنراهُ، لا يتّسع لقدميّ أنا وأنت. وربّما في عجلة إصرارنا لن يعثر علينا، كما نحن عليه الآن. مشوّهين صرنا، بالفزعِ من أنفسنا أوّلا.

 لا تصدّق أنّ الرّصيف الضيّق شأن البيت الضيّق يتّسع لألف صديق. لا أصدقاء يا صديقي ونحن نشكّل اجتماعاتنا ومناسباتنا بوجوه أشيائنا الّتي تشبهنا وأقلّ!
ما يحدث في الثّقافة والسّياسة على اعتبار أنّنا نمتلك أفق ثقافة وسياسة نزيهة أو نصبو لهما معا، يجرح قزحيّة العين حين ترى، ويلغي دفق القلب حينَ يُرى، أمّا زوارق الرّوح فحدّث ولا حرح، لا ميناء ترسو فيها غير قوافل تيه ترعبني كلّما فتحتُ كتبَ التّاريخ ووجدتها ترسو على سواحل الرّقم 48.

الشّعر الّذي تخلّف عن ركب الثّقافة منذ أجيال يحاول أن يتململ ويعاقر خيله الّتي ظلّت تصهل خلف الجسر بلا صوت، يعيدون إليها الصّهيل عبر جوائز اخترعوها من المنافي وأعادوها مكبّلة بالأصفاد إلى بيوتها المصادرة. يوزّعونها بالتّزكية، ولن أنسى، غيّروا مسار الطّائرات الورقيّة الّتي تحترق في سماء غزّة إلى سماءاتنا المفروشة بغيم يحلُم وصارت تطلق قنابل الورد لشعراء من ورق هم أيضا، كأنّهم عن سابق إصرار يخطّطون خصيا مبرمجا للحنِ الموّال وقوافي المنكوبين، والنّازحين (قشّة لفّة) دفعة واحدة.

وماذا بعد؟ هل تبقّى لنا غير الإنحسار أمام طوفان الخيانات الصّغيرة ولؤم الكبيرة. لا أوصاف أخرى أنمّقها في تسيّب الحالة غير حقائق تؤلم الورق، وتسيل عرق. إعادة ترتيب البيت وجدولة مفاهيمنا حول السّياسة الّتي تنسف طروحات الفكر العالي ضريبة لسلامة هويّتنا الفكريّة، بل والوجوديّة. لست ممّن يميلون لتلطيخ أوراق الحياة، ولو كانت مؤدلجة بعناوين برّاقة. ولا أميل لتزييف المشاهد لئلا أقع سهوا في شباك هذا القار المُصفّى. جئتُ هكذا إلى العالم، بعلا، كزرعِ الحقول الّتي تشتدّ نضارة كلّما عرّجَ عليها الماءُ غِبّاً لتزدادَ عُبّاً...               

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في نسف الثّقافة في نسف الثّقافة



GMT 19:23 2016 السبت ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الباهرة

GMT 16:39 2016 الخميس ,26 أيار / مايو

أناس الرّفوف الباردة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab