من أين يستمد الدولار الأميركي قوته

من أين يستمد الدولار الأميركي قوته؟

من أين يستمد الدولار الأميركي قوته؟

 العرب اليوم -

من أين يستمد الدولار الأميركي قوته

سيد عبدالرازق

سؤال يلح كثيرا على ذهن الكثيرين، سواءَ كانوا متخصصين ومهتمين بالإقتصاد أم لا، لماذا يتربع الدولار الأميركي على عرش العملات الدولية لما يزيد على نصف قرن من الزمن؟ فالمسألة أولا لها بُعدا أو ظرفا تاريخيا يؤسس للوضع الإقتصادي للدولار وتأثيره في السياسة العالمية حتى الآن، وتتمثل في خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية القوة الأعظم عسكريا وسياسيا وإقتصاديا، بعد أن خيم الدمار على أوروبا واليابان. والقاعدة الإستراتيجية دائما تقضي بأن من حق الأقوى أن يفرض قانونه الخاص على الجميع دون مناقشة. فإجتمع الحلفاء بقيادة أميركا لصياغة نظام عالمي يراعي أولا الأوضاع العسكرية والسياسية والإقتصادية الجديدة للقوى المنتصره في الحرب وإعادة ترتيب الأوراق بما يؤكد سيطرتها لقرون أخرى، وليس كما كان مُعلن آنذاك أن الهدف هو بحث إستقرار النظام المالي العالمي وتشجيع التجارة بين الشمال والجنوب. فـُعقدت إتفاقات بريتون وودز ﻹعادة تشكيل النظام الإقتصادي العالمي الجديد، وتمخض عنها ظهور مثلث البنك وصندوق النقد الدوليين وإتفاقية الجات. وحتى ذلك التاريخ 1944 كان الإسترليني العملة الأولى للعالم، لكن حل محله الدولار وحتى الآن ليبدأ رحلته في السيطرة على أسواق المال العالمية. عندما حل الدولار محل الإسترليني، كان لايزال مغطى بالذهب من 1944 الى 1971 حتى تخلت الولايات المتحدة من طرف واحد عن نظام الدولار المغطى بالذهب Dollar Gold Standard ، وتحججت آنذاك بأن إحتياطاتها من الذهب في خطر ولديها مخاوف من إزدياد إقبال حملة الدولار على تحويله إلى ذهب. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة طليقة اليدين في طبع وشحن الدولار لكافة الدول وتعهدت بتلبية إحتياج العالم منه، وأقنعت حلفائها بأن قوة الدولارﻻتحتاج إلى تغطيته بالذهب، ﻷنه يستمد تلك القوة من تعهد الخزانة الأميركية على تلبية أي إحتياجات عالمية منه، حيث يستمد قوته من قوة إقتصاد أميركا. وفي سبيلها لتعزيز هذا الوضع الإستراتيجي ولضمان تفوق الدولار إلى أبعد مدى زمني، عقدت أميركا إتفاقا مع دول منظمة أوبك ليكون الدولار وحدة النقد أو العملة العالمية الرسمية لتسعيير النفط في الأسواق الدولية. ورأت أميركا أن هذه الرابطة خطا أحمر لن تسمح ﻷي أحد على وجه الأرض أن يقترب منه. لذلك تضع أميركا كل قوتها السياسية والعسكرية لحماية هذا الوضع الإستراتيجي للدولارالذي يضمن لها التفوق الإقتصادي منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى تلك اللحظات لذلك عندما قرر صدام حسين تسعير النفط باليورو بديلا عن الدولار كرد فعل في تحديه مع أميركا، سعت الأخيرة ﻹسقاط نظامه بدون تردد، وهو سبب غير مُعلن من أسباب غزو الولايات المتحدة للعراق، عكس ما يتداول ومُثار في الأوساط السياسية والاعلامية أن السبب كان فقط إمتلاك صدام حسين ﻷسلحة الدمار الشامل والذي أعلن جورج بوش لاحقا عدم إمتلاك العراق ﻷية أسلحة تهدد العالم. وما حدث مع عراق صدام، حدث مع فنزويلا عندما نجا هوجو شافيز من محاولة إغتيال على يد المخابرات الأميركية (سي آي إيه) لما شرع في التخلي عن الدولار كعملة لتسعير النفط. كذلك الأمر بالنسبة ﻹيران عندما أعلنت نيتها إنشاء بورصة للنفط يتم التسعير فيها بالتخلي عن الدولار لصالح عملات أخرى كاليورو أو سلة عملات متعددة، فصعَّدت الولايات المتحدة من سياستها العدائية تجاه طهران لهذا السبب جنبا إلى جنب مع موقفها المُعلن من برنامجها النووي. على الجانب الآخر، هناك أبعادا إقتصادية عميقة ساعدت وعززت من سيطرة الدولار، منها أن معظم الإحتياطات النقدية والأصول للدول الكبرى مُـقومة بالدولار، وبالتالي كلما إستشعروا تعرضه ﻷي أخطار قاموا على الفور بشراء سندات الخزانة الأميركية، ليس حبا في أميركا ولا الدولار بقدرماهو حفاظا على إحتياطاتهم المُـقومة به وحماية الإقتصاد العالمي من أية إنتكاسات مفاجئة. ورغم إختلال هيكل الإقتصاد الأميركي في العقود الأخيرة عكس ماقد يبدو للعامة نظرا لتغير الطبيعة القطاعية للنظام من حيث تراجع حجم الصناعة لصالح قطاع الخدمات، ورغم الأزمة المالية العالمية في 2008 التي عصفت أول ما عصفت بواحد من أهم وأكبر البنوك الأميركية، ليمان برازر, وكشفت بالتالي عن معاناة الإقتصاد الأميركي كإقتصاد عالي الإستهلاك، إلا أن كل ذلك لم يُقعد الدولار عن مواصلة رحلته في التبوء على عرش العملات الدولية، رغم التصاعد الملحوط لليورو والتوقعات المتفائلة بإمكانية إزاحته للدولار مستقبلا. هكذا كما رأينا، يمكن أن تحمي السياسة الإقتصاد لفترات من الزمن، لكن علمنا التاريخ أن الأمم العظيمة لن تقوى على الإستمرار في مكانتها العالمية إن لم تعمل من أجل المستقبل وإن لم تتخلى عن ظلم الأمم الأخرى. لذلك على أميركا أن تعي دروس التاريخ جيدا إن أرادت لنفسها الإستمرار في هذه المكانة، فالإمبراطورية الرومانية فقدت سلطانها عندما نفذ مخزونها من الذهب الذي مكنها من بسط نفوذها الإقتصادي والعسكري على العالم فترة طويلة من الزمن.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أين يستمد الدولار الأميركي قوته من أين يستمد الدولار الأميركي قوته



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab