بقلم الدكتور وليد سرحان – استشاري الطب النفسي
الأسرة هي وحدة بناء المجتمع فيها تبنى الأجيال ويتم إعداد شخصياتهم وصقل مواهبهم، ولا شك أن الجو الأسري الذي يعيشه الفرد يؤثر على التطور النفسي والعاطفي له، ومن أسوأ الأجواء الأسرية التي يمكن للفرد أن يعيشها ، هو جو العنف، والعنف الأسري من المشاكل الموجودة في كل الشعوب، إلا أن الإتجاه الغالب في المجتمع هو نحو التستر عليها، وعدم الحديث عنها، الطفل الذي سينشأ في أسرة مليئة بالعنف لاشك أنه سيتعلم هذا النموذج ، ويحمله معه إلى المجتمع والمدرسة والشارع ثم إلى أسرته التي سيكونها في المستقبل، وسيتوارث العنف جيلاً بعد جيل، والعنف الأسري قد يكون عنفًا لفظيًا كلاميًا فيه الصراخ والعويل والشتائم بين الزوجين، وبين الأبناء، أما الجانب الأخر فهو العنف البدني وفيه الضرب الموجه من الزوج للزوجة والأبناء، ثم ضرب الأم للأبناء وبعد أن يشب بعض الأبناء يبدأوا بضرب إخوانهم وأخواتهم ، فكل واحد يضرب من هو أضعف منه ويكيل له الشتائم ، وهذا هو نظام القيم الذي سيسود الأسرة والمجتمع إذا كان النظام سيكون قد اقتبس من العنف.
والعنف الأسري أصبح راسخًا في عاداتنا وتقاليدنا وعلينا معالجة هذه السلوكيات السلبية والمنحرفة ، ولنأخذ العنف ضد الزوجة، فإذا كان هناك عدم إنسجام وعدم تفاهم بين الزوجين، فهل تعتقدوا أن الضرب المبرح للزوجة سيحل المشكلة، خصوصًا إذا قامت الزوجة بالرد بنفس الأسلوب، فهل هذا زواج قادر على الصمود والبقاء، هناك من يعتقد أن سماح الإسلام بضرب المرأة كافٍ لإعطاء هذا العنف قالبًا دينيًا ، يتفق معظم الفقهاء أن الضرب المسموح به هو بسيط معنوي لا يكون أسلوبًا طبيعيًا للحياة الزوجية بل هو إستثناء لا يلجأ إليه إلا نفر قليل من المسلمين "لا يفعله خياركم "، الفكرة التي قد يحملها البعض بأن ضرب الزوجة منذ الليلة الأولى للزواج سيجعلها مطيعة مخلصة صالحة، لا شك أنها فكرة مرفوضة لأن ما نشاهده ونلمسه أنها لن تكون الزوجة المثالية و الأم الصالحة، وستفرغ شحنة غضبها بعنف تكيله لأبنائها في المستقبل، إن لم تعيده للزوج بأساليب أخرى كالتبذير أو عدم المحافظة على البيت والإهمال وتعمد الإستفزاز، وفي بعض الأحيان العنف الجسدي ضد الزوج، أما العنف الذي يمارسه الوالدان على الأطفال فقد يبدأ منذ لحظة ولادتهم وبأساليب قد لا تكون مقبولة لأي إنسان، مثل ضرب الطفل في الشهور الأولى إذا بكى مما يؤدي لإصابته بكدمات وكسور وخدوش أو أن يحرق بالسجائر، أو أن يهمل ساعات طويلة دون عناية
لاشك أن الأسرة ستعاني من الخلافات والمشاكل بين الحين والآخر، وهذه المشاكل تتفاقم إذا كان العنف هو وسيلة التصحيح والحل ، أما الأسلوب السليم لحل هذه الخلافات فهو الحوار الهادف المنطقي بين الزوجين أولًا ثم الأبناء ، في جو من الحب والإحترام مما يعطي الكثير من الثمار الإيجابية ويساعد على استقرار وسعادة الأسرة، ومن الأعذار المعتادة للعنف قضية أن فلان عصبي أو فلانة عصبية بمعنى أنه لا يسيطر على نفسه في لحظة الغضب ، فلا يدري ما يفعل فقد يضرب ويزمجر ويكسر أثاث البيت، وعظام زوجته وأبنائه إذا لزم الأمر أو لم يلزم، هذا الإنسان يعاني من أثار عصبيته الزائدة وعنفه، وتجده يبكي ويندم على ما فعل إلا أنه يعود ويكرر نفس الفعل كلما غضب، وقد تبرر بعض الأمهات العنف بأن أحد الأطفال أو كلهم شقي وكثير الحركة ويتطلب الكثير من الرقابة والضبط، وخصوصًا إذا كان قد وصل عدد الأطفال إلى عشرة وهي حامل للمرة الحادية عشرة، ومما يزيد من التوتر والعنف الأسري تعاطي الكحول والمواد المخدرة التي تفقد متعاطيها صوابه وسيطرته على أعصابه، وهناك من يشعل سيجارة ويشرب القهوة كلما توتر، وهذه منبهات ستزيد من عصبيته وسرعة إنفعاله، فإلى الأسر التي تعاني من ظاهرة العنف ، أقول راجعوا أنفسكم وأسلوبكم جميعًا، ستجدوا فيكم أخطاءً يجب أن تصححوها أو تستطيعوا تصحيحها ومشاكل أخرى عليكم التعايش معها، أما إذا كان أحدكم بعصبية شديدة فعليه بالعلاج، وهذا لصالح حاضر الأسرة ومستقبلها . بل وأكثر من ذلك فهو لصالح المجتمع وإستقراره، وإذا كان هناك مشكلة في تعاطي الكحول أو المواد المخدرة أو فرط الحركة عند الأطفال أو الإكتئاب عند الأم، هذه كلها قضايا نفسية قابلة للعلاج .