بقلم : ندى أحمد جابر
سلاسل خفية تطالعك كل صباح لتجد نفسك مرتبطا بها.. بإرادتك واختيارك تجرك وراءها. سمِها إن شئت (ترند) أو (هاشتاغ) لكنها تعلقك بشعارها (#) الذي يشبه قضبان الأقفاص ويوهك أنك تغرد بحرية، ولا تخفيك أنك أمام من يقودك.. تعلم وتوافق وتتبعه دون مناقشه تغشك اسراب المتابعين، فتتبع..
(الترند).. كلمة حديثة من إفرازات زمن الإعلام الإلكتروني وتعني ما يشغل العالم كله يعني حديث أهل (القرية الكونية) أخبار لا يمكنك تجاهلها، منها العالمي والإقليمي والمحلي. ولأنها نجحت كثيرا بجذب الجمهور نحوها وجعلته قيد سلاسلها صارت لعبة المهوسين بألاعيب من يجيدون خلط الصدق بالأكاذيب، لا بأس فنحن في زمن الحرية حيث الفضاء بلا رقيب كل المنوعات مسموحة هنا خلف (الهاشتاغ) تكون الأرض الخصبة المؤهلة للإشاعات المغرضة، وهكذا وجد زمن الفضاء من يجيد استعمال هذه السلاسل لتتمادى بالدجل التضليل ونظرا لأهمية هذا الموضوع سأقف عنده لأقدم لكم بعضاً من هذه الأكاذيب وألاعيب من يعرفون جر أكبر عدد من المتابعين، حيث أن العدد الكبير قد يوحي لك بالثقة، فتصدق أنت العالق بين قضبان ما يسمى الأكثر انتشارا.. دون أن تدري أنه قد يكون الأكثر خبثاً. لنقف قليلا ونتأمل..
في البداية لا بد من شرح الفرق بين (الهاشتاغ) و(الترند). الهاشتاغ إشارة (#) مستوحاة كما ذكرنا من اقفاص الطيور وربما من اخترعها أراد أن يوحي أنها التحرر، لكنها عندما دخلت عالم (الترند) أي عندما جمعت حولها أكبر عدد ممكن من المتابعين، لم يعد السكوت عن حريتها مقبولا كان لا بد من تحويل التابعين الى حيث يريد مطلقُ (الهاشتاغ). لم يعد الشعار حرية بريئة صار رأي عام له وزنه في عالم الأرقام. وهكذا قام المبدعون في استعماله للترويج الخفي والعلني للمنتجات التجارية والمنتجات الاجتماعية والسياسية.. وكل منتج يراد به تشويه أو تجميل صورة ما بشكل يخدع البصر والعقل معا. وفي هذا السياق نشأت شركات تروج (الهاشتاغ) وتحوله الى (ترند) مقابل مبالغ ماليه، كما نشأت جيوش إلكترونية يستخدمها بعض الناشطين لتكثيف التعليقات وتحويل (الهاشتاغ) الى (ترند) وهناك طرق كثيرة لنشر الإشاعات التي يقبل عليها للأسف الناس مأخوذين بالكم الهائل من المتابعين وهذا ما يحولها من صادقة الى مخادعة.. من حرية الى قيد، ولتبسيط الأمر نأخذ هنا بعض الأمثلة:
عالمياً، يبدو الأكثر استعمالا لهذه السلاسل هو الملياردير المثير للجدل (أيلون ماسك). كثيرون يظنون أن (ماسك) دخل عالم الإعلام من بوابة تويتر، وطبعا هذا غير صحيح. فقد حرص هذا الرجل منذ بدايته على جر الترندات (جمع ترند) وراءه وأجاد استعمالها بأفكاره القريبة من الخيال العلمي.. بصعوده وهبوطه وحكاياته الغربية التي لا تنتهي. هذا الرجل الذي يقال إنه يعاني من (متلازمة أسبرجر) التي تصيب الجهاز العصبي وهو أحد أشكال طيف التوحد. رغم أنه تعرضه للتنمر في طفولته إلا أنه شق طريقه نحو نادي المليارديرات بذكاء شديد وبطرق كان أكثرها مثيرا للجدل. فمثلا في حياته الجامعية حول غرفته وغرفة صديقة إلى نادي ليلي بطريقة غير مشروعة ليكسب المزيد من المال. ومن ناحية أخرى الكل يتساءل عن سر دعم (وكالة الفضاء ناسا) له رغم خسائره المتعددة في شركته (Space X) والتي أنشاءها لتنافس (ناس) والكل يعلم أنه استخدم أسلوبا قريبا من الابتزاز ليضمن تعاونها. وهو اليوم يعتبر نفسه حاكما منفردا على منصة تويتر التي يستعملها معظم الحكام والرؤساء ويعلن أن بإمكانه حظر من يشاء والسماح لمن يشاء. هذا الذي أعلن في أول يوم من دخوله مبنى تويتر أنه يدافع عن حرية الرأي، لم يتردد بطرد موظف عنده لأنه خالفه الرأي وعلى المنصة ذاتها. وأكثر من ذلك وفي تجاهل تام لحقوق الإنسان لم يتردد بطرد آلاف الموظفين من العمل بحجة تقليص المصاريف. وكل ذلك أدى الى إحجام عدد هام من المعلنين عن التعاون مع تويتر التي تعاني من خسائر كثيرة.
وقبل أن يصبح الحديث عن تجاوزاته في تويتر هو (الترند) وقد بدأ يصبح بالفعل.. استبق الجميع بالإعلان عن شريحته التي تزرع في الدماغ وتعطي صاحبها قوة خارقة في الذكاء مما يعادل ذكاء الآلة أو أكثر، وهذه هي نفسها الشريحة التي ما انفك يتحدث عنها منذ العام 2019 ويقيم التجارب عليها في القرود التي مات معظمها وحتى الآن لم تحصل على موافقة (FDA) (إدارة الغذاء والدواء) في أمريكا نظرا لخطورتها.
ماذا يفعل ليغطي (ترند) تويتر؟ يظهر على الشاشات ليعلن أن شريحته السحرية ستكون متاحة بعد أشهر قليلة.. ويتمادى ليجعلها الترند المثير، يبالغ في عرض قوتها وجاهزيتها لتغير الإنسان ليتمتع بقدرات ذكاء خارق. وهكذا ينجح بأخذ اهتمام الناس بعيدا عن فشله في تويتر الى القادم الواعد، وعلى الوعد يا ترند.. نسي الناس المآسي التي سببها طرد العمال، ونسوا الظلم الذي لحق بموظف صدّق أنه مع حرية الرأي ونسوا الخسائر التي سببها إحجام المعلنين عن التعاون مع المنصة وما يعني ذلك من قلة ثقة. وأخذهم بريق الأحلام الخيالية التي تعدهم بها شريحة (اليون ماسك) للدماغ. تركوا كل شيء وتبعوا ترند (شريحة ماسك).
هذا هو الإعلام المضلل وأسهل أدواته قضبان (الترند) و(الهاشتاغ). وما عليك سوى أن تتبع الأكثر انتشار دون أن تلحظ أنها قد تكون الأقل صدقا.
أما عربيا فلنبدأ بحديث الساعة (المونديال) وما أكثر الصور والترندات الكاذبة التي انتشرت رغم أنها كانت قد أخذت من مباريات سابقة، ومن مدن أخرى منها تلك الوليمة الفخمة التي انتشرت صورها عالميا على أنها أقيمت يوم الافتتاح وتبادلها مساجين الترند الأبرياء. منهم من تبادلها بسعادة ومنهم من تبادلها بشماته تنتقد البذخ العربي ليتبين لاحقا أنها لحفل زفاف أقيم في بلد آخر ولا علاقة (للمونديال به أبدا). وفي ترند آخر رُوج عالميا وحصد الكثير من التعليقات والمتابعة هو أن الممثل الأمريكي (مورغان فريمان) اعتنق الإسلام بعد افتتاح المونديال.. وهطلت التعليقات كالمطر من كل الجهات، انتشر الترند وتبعه الكثيرون وحقق أكبر نسبة تعليق ومتابعة، حتى أصبح الترند الأول عالميا رغم أن العارفين بخبايا اللعبة دخلوا الى صفحته والى الصفحات الرسمية ولم يجدوا ما يؤكد هذا الخبر الكاذب أصلا. والحديث هناك يطول. تعالوا نحقق أكثر في التردات العربية، وهي في معظمها فنية. المادة الأكثر انتشارا وتداولا هي أخبار الفنانين، وهي بمجملها سلبية أو إيجابية بنظرهم دعاية. يتباهون بمن تصدرت أخباره (الترند). الفنان يهتم بعدد الجمهور الذي يتبع الخبر أما أن يكون صادقا أو كاذبا لا يهم المهم زاده شهرة والشهرة اليوم تعني الكثير.
كمثال نأخذ الفنانة (شرين عبد الوهاب)، شغلت الدنيا بها.. تطلَقت.. تزوَجت صرَحت.. دخلت المستشفى.. خرجت وهكذا الى ما لا نهاية.. والناس تُجر بالسلاسل دون أن تدري الوقت الذي يهدر في (ترند) تافه لا يزيد ولا ينقص كل ما في الأمر أن عدد المتابعين سيصدمك وتسأل هل هذه الأمة بخير؟ لماذا تشغل بالها بتلك القصص. وآخرها وليس آخرها الفنانة (منة شلبي) من منكم لم يفتح هاتفه ليتابع خبر اعتقالهم ثم الإفراج عنها ومن منكم لم ينصب نفسه حاكما يطلق من منبره المفتوح الأحكام عليها. هذا ما يفعله (الترند) بك يوهمك أنك حر في تعليقك لكنه ينسيك أنه علقك في سلاسله ستتبع باقي التعليقات وتقارن وتسأل وتنتظر الغد لعل جديدا في القضية يظهر. الأكيد أن يومك ضاع هذا الوقت الذي يهدر يسرقك منك.
يتَقن الذين يجيدون هذه اللعبة بجذب الناس الذين لا يحققون ولا يدققون بالمعلومة، تغشهم أعدد التابعين.. والأكثر خطورة في هذا الإختراع ذو الخطين المائلين أن لا غنى عنه في نشر الخبر الأكثر انتشارا، ولا غنى عنه لمعرفة الخبر الأكثر تدولا.. والباقي عليك عزيزي القارئ تدقق تحلل، تصدق أو تصدق، هو زمن الحرية الذي ألغى دور الرقيب. الرقيب اليوم عقلك أنت وقناعاتك وحدك. وأنت إذا ما تعلمت أن العدد خدعة تتحرر وتقفز في بحثك من الأكثر انتشارا الى الأكثر واقعية ومصداقية.
لن يكون لعبودية الترند ولا لسلاسله مهما كانت محكمة تأثير على من عرفوا خبايا اللعبة. هل هي دعاية؟ أم تغطية؟ أم تسلية؟ أم حقيقة تستحق القراءة.. كلها هناك خلف تلك الخطوط وما عليك سوى أن تتأمل الرموز وتحللها لتفهم ما وراءها قبل أن تتركها لتجرك وراءها في مواضيع لا أساس لها. لن يساعدك أحد عزيزي القارئ في تحديد الخبيث من الطيب سوى عقلك.. وحدك فقط تعلّم ألا تعطي الخبر أذنك، أو تأذن للخبر أن يجرك خلفه أو تأذن له بأسرك.. كن سيد نفسك وتحرر.