خالد حسانين
يحمل مبنى ماسبيرو الكثير من الأسرار والخبايا التي قد تلخص الوضع الحالي والمتأزم في مصر الآن، فداخل جدران هذا المبنى العريق حواديت وتفاصيل وأحداث يومية، هي بمثابة تصغير لمشهد مصر الكبرى، فستجد هنا القيادة التي تحاول باللين مرة، وبالشدة مرة أخرى، السير في موكب السلطة أو إرضاء الوزير والإخوان بمحاولة السير على حبل رقيق جدًا بين قناعاتهم الشخصية ورؤيتهم للإعلام الصحيح، وبين الخوف على المنصب وتحاشي غضب من يحكم ومن في يده الأمر حاليًا، وهي معادلة صعبة جدًا أن تنظر في عيون من تعمل معهم ممن هم أقل منك منصبًا، وهم في الوقت نفسه زملاء العمل، ورفقاء الدرب على مر سنوات طويلة، قد تصل لعقود من الزمن، فتتظاهر أمامهم في أنك تلتزم بالحيادية وتحاول نفي تهمة، إنك إخواني أو تخضع لسيطرة الوزير المنتمي لجماعة الإخوان.
إن الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، أن ماسبيرو لا يوجد فيه من هو إخواني الانتماء، إلا قليلًا ممن قد يصل عددهم إلى نسبة 2 أو 4 % على الأكثر، إذ لم يكن للتيار الإخواني وجود داخل وزارة الإعلام، لأن ذلك المبنى، كان محرمًا عليهم، ولو حتى المرور أمامه، وليس فقط العمل فيه، إذ يجب أن تشمل التقارير الأمنية ابتعاد من يلتحق بالعمل في الإعلام الحكومي واتحاد الإذاعة والتلفزيون عن أي علاقة بالإخوان أو التيار الإسلامي عمومًا، لاسيما وأن التقارير الأمنية، كانت هي الأساس في التعيين والترقية لأي منصب حكومي، وليس الإعلام فقط،
ولكن بعد وصول الإخوان للحكم، تغيرت الصورة تمامًا، وأصبح رموز الإخوان وقياداتهم ضيوفًا كرامًا على برامج ماسبيرو، بل قد يصل الأمر إلى أن يكون السياسي أو الكادر الإخواني ضيفًا وحيدًا على أحد البرامج، وهذا للأمانة، لا يحدث كثيرًا، ويحاول معدو ومقدمو ومخرجو البرامج الالتزام بالحيادية والمهنية في تناولهم للموضوعات أو اختيار الضيوف، وهي محاولات قد تصطدم برضا أو غضب القيادات التي ترضخ أخيرًا لرغبة القائمين على تلك البرامج، إما لقناعاتهم أنهم على صواب، أو لنفي اتهامات الأخونة التي تلاحق أهل ماسبيرو،
والغريب أن سياسات الإعلام الحكومي، لاترضي أحدًا، فالإخوان يقولون إنهم لا يستطيعون السيطرة على أدوات المبنى، والمعارضة تتهمهم بالرضوخ لسياسات الإخوان وخطط الوزير صلاح عبد المقصود باعتباره إخوانيًا، حتى أخمص قدميه ، والحقيقة أن كليهما على خطأ، فلا المبنى تحول إلى بوق للإخوان، ولا هو معارض قوي بين هذا، وذاك، وهذا في حد ذاته، يعد نجاحًا إذا ما قارناه بالوضع السابق أثناء نظام مبارك، إذ كانت هناك محاذير صارمة بعدم استضافة أي من كوادر التيار الإسلامي، أو الشخصيات المعارضة.
ومن خلال نظرة دقيقة، سنجد أن وضع ماسبيرو، لايختلف كثيرًا عن حال مصر الكبرى، فهناك محاولات مضنية لأخونة مؤسسات الدولة، وفي المقابل معارضة شديدة لهذا التوجه في ظل سيطرة واضحة وغلبة للإعلام المضاد للإخوان والرئيس، وهي معركة مستمرة لانهاية لها، ولا يوجد منتصر في النهاية، إذ لم يستطع الإخوان نفي هذا الاتهام بشكل قوي وبأسانيد مقنعة، والمعارضة لاتسكت، ولن تسكت على مايحدث، والصراع قائم بين سلطة تحاول الهيمنة، وقوى معارضة تواجه ذلك بقوة شديدة.