«إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣

«إفطار المحبة»... من حكايا دفتر المحبة (٣)

«إفطار المحبة»... من حكايا دفتر المحبة (٣)

 العرب اليوم -

«إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣

بقلم: فاطمة ناعوت

هذا مقالى الثالث من «دفتر المحبة» الذى أسردُ فيه، طوال شهر رمضان المعظم، ومضاتٍ مشرقات تسطعُ من الجذور العميقة لشجرة المحبة الوارفة التى تظلل شعبَ مصر مسلمين ومسيحيين، وتحمى الوطنَ من رياح الفتن السامّة التى يُطلقها المغرضون بين الحين والحين، فترتدُّ سهامُهم إلى نحورهم. تلك الومضات الجميلة التى سوف أجمعها بإذن الله فى كتاب عنوانه: «حكايا المحبة التى لا تسقطُ أبدًا».

   اليوم أحكى لكم عن واحدة من عاداتنا الرمضانية الجميلة التى تتكرر كلَّ عام. أن نكسرَ صيامَنا ونتناول إفطارنا على مائدة «الكنيسة الإنجيلية» فى مدينة نصر على صوت الشيخ «محمد رفعت» يؤذن لصلاة المغرب. لم يُخلفِ القسّ د. «عزت شاكر» عهدَه بدعوتنا عامًا، ولم نُخلف أبدًا تلبية الدعوة الكريمة بكل فرح، ولم تُخلف عدسةُ التاريخ تسجيلَ هذا المشهد المبهج، الذى تحتشدُ فيه مصرُ بجميع أطيافها على مائدة واحدة تُقامُ على شرف حبّ الوطن، والتضامّ على قلب الإنسانية، وقداسة الإيمان بإله واحد؛ نصبو إلى نوره جميعًا، كلٌّ وفق معتقده وإيمانه. يغمرُنا أذانُ المغرب بدفئه، فيصطفُّ رجالُ الأزهر الشريف والمسلمون من أعلام الفكر والسياسة فى ساحة الكنيسة لإقامة الصلاة، ثم نفطر مع أشقائنا المسيحيين على «مائدة المحبة».

نحن «مصريون» وكفى. نحن «إنسانٌ» وكفى. مظلّةُ الوطن الكريم تجمعنا، وسماءُ الإنسانية تُظلّلنا، وعينُ الله ترعى جمعَنا الطيب، وتلوّح لنا شمسُ الغروب قبل رحيلها تلويحةَ الرضا، وهى ترجو لنا صومًا مقبولًا وإفطارًا طيبًا وقلوبًا عامرة بالحب. هكذا أرادَ الله لبنى الإنسان: أن نتعدّد ونتعارفَ ونتآلف ونتحابَّ ونتوادَّ، نختلف ولا نتخالف لأن الاختلافَ ثراءٌ، والتخالفَ ويلٌ وفناء.

لا أشعرُ بالدفء فى إفطار رمضانىّ جماعى قدرَ ما أشعرُ به مع أصدقائى المسيحيين. لأن شهر رمضان لحظتَها يأخذ بُعدًا إنسانيًّا أشملَ وأوسعَ وأجمل. تظلّلنا مظلة «الإنسانية» الأرحبُ، ويكون جمعُنا على محبة الخالق العظيم، الذى شاء أن نتحابَّ ونُعمّر ونشيّد، لا أن نتباغضَ ونهدم ونقتتل.

قدّم «موشيه شاريت»، ثانى رئيس وزراء لإسرائيل، دراسةً تقول إن السبيل الأوحد للحفاظ على دولة إسرائيل، الناتئة كثؤلول مُتقيّح وسطَ الدول العربية الرافضة لها، هو تفتيت وحدة الدول العربية التى تضمُّ طوائف دينية متعددة، حتى تتشرذم إلى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائفية وعرقية: شيعة وسنّة فى العراق، علويون وسنّة وأكراد فى سوريا، مسلمون ومسيحيون فى مصر، فردَّ عليه «ديفيد بن جوريون»، أولُ رئيس وزراء لإسرائيل، قائلًا: «بوسعنا النجاح فى العراق وسوريا. ولكن فى مصر لن يُكتب لنا النجاح؛ لأن الكتلة الشعبية الصلبة فى مصر من المسلمين والمسيحيين من العسير تفتيتها». وأصابَ الصهيونىُّ الأكثرُ خبرةً ودراية بتركيبة الشعب المصرى العصيّة على الشقاق. وها هى المائدةُ الرمضانية الجميلة التى أجلسُ إليها الآن مع ابنى «عمر»، بدعوة من القسّ المثقف د. «عزت شاكر»، والوجوه المستبشرة بالرضا والمحبة من حولى، ورفعُ صلاتى المغرب والعشاء فى ساحة الكنيسة، تؤكد صحة كلام الصهيونى «بن جوريون»: المصريون كتلةٌ صلبة عصيةٌ على التصدّع.

ويتكرر هذا المشهدُ المتحضر كلَّ عام فى رمضان على أرض مصر الطيبة. فى أوقات الرخاء وفى الأزمات، فى زمان السلم وفى لحظات التوتر والإرهاب. يفتح المسيحيون كنائسهم لصلاتنا، ويولمون الولائمَ لإفطارنا. نصومُ رمضاننا ويصومون صوم القيامة، ونرفعُ للسماء وجوهنا معًا لندعو اللهَ أن يمدّ يده الطيبة ليحفظ مصر وشعب مصر العظيم، الذى لم يقبل بديلًا لدولة المواطنة والعدالة والتحضر والرقى الفكرى، ورفضَ بكل حسم رِىّ نبتة الإرهاب المسمومة، التى حاول المجرمون غرسها فى دُورنا وشوارعنا ومؤسساتنا وفى قلوبنا، ولم ينجحوا.

شكرًا على المحبة، التى لو غمرت جموعَ المصريين ما قدرت علينا شياطيُن العالم. وشكرًا للقيادة السياسية، التى أصلحت الفجوة الخاطئة بين أبناء الشعب الواحد. وشكرًا لكل مستنير يبنى الوطن ويكرّس وحدتنا ولا يسمح للشتات أن يخترق كتلتنا المصرية الصلبة. وشكرًا لأشقائنا المسيحيين، الذين يؤكدون لنا كل يوم أن «الله محبة» نهجٌ وحياة وفعلٌ وعمل، وليست عبارةً تُقال. «الدينُ لله والوطن لجميع أبناء الوطن».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣ «إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣



GMT 04:16 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

هدايا «عيد الأم»

GMT 09:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 05:12 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 14:47 2023 الخميس ,20 تموز / يوليو

كلماتك الإيجابية أعظم أدواتك

GMT 11:40 2023 الأربعاء ,17 أيار / مايو

كبار السن بين الألم و الأمل

GMT 09:39 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

GMT 09:36 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

المدخل الجانبي

الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:02 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025
 العرب اليوم - ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab