حلم الحياة من جديد

حلم الحياة من جديد

حلم الحياة من جديد

 العرب اليوم -

حلم الحياة من جديد

بقلم : سهير بشناق

تشعر بان جسدها يرتعش، غير قادرة على الإحساس بشيء وكأنها تحلق في عالم آخر ليس جزءا منها.
 
 لطالما أضجرتها الحياة والأيام المحملة بالمسؤوليات وأشعرتها بالتعب والوحدة تارة والروتين الذي يتسلل إلى حياتها يوما بعد يوم، لتكاد تشعر بأنها تتقن ما هو مطلوب منها وتنجزه دون الحاجة للتفكير به لحظة واحدة.
 
 أحلامها ..كانت اكبر بكثير من واقعها الذي تعيشه تحلم دوما بتحقيق شيء ما لا تعيشه وكأنها على موعد دائم مع الأيام التي لم تكن ترضى عنها وتتقبلها.
 
 لا تختلف حياتها عن حياة نساء أخريات فهي زوجة عليها كم كبير من المسؤوليات، من اللحظة التي قبلت بها ان تكون زوجة وتشارك إنسانا آخر الحياة.
 
 وهي أم تتضاعف مسؤولياتها يومًا تلو الآخر اتجاه أطفالها تشعر بهم مرة ويصيبها العجز مرات أخرى لتشعر بأنها لم تعد قادرة على الاعتناء بهم وتربيتهم وتحمل أخطائهم ومتطلباتهم وحجم اعتمادهم عليها لتقسو عليهم مرات ومرات..
 
 كانت أيامها تسير برتابة، تكاد تسرق منها معنى الوجود، كما تراه هي .
 
 لا ينتهي يوم إلا وتتذمر من كل ما حولها ؛مسؤولياتها،أحلامها التي لا تتمكن من تحقيقها... رغبتها بان تعيش حياة مختلفة لا تعلم كيف تكون إلا أن عدم الرضا عن أيامها كان يرافقها دوما.. في أعماقها توتر دائم يحكم علاقاتها مع كل من حولها وكأنها كانت غير مبالية بهم تشعر أنها تحيا بدونهم لا يعنيها بقاؤهم او رحيلهم.
 
 لم تشعر بالحياة ولم تفهم معناها كما يجب إلا بلحظة واحدة كانت أمامها مجردة من كل شيء، كانت تعيشه سابقا لحظة واحدة غيرت نظرتها للحياة وأدركت معنى أن تكون إنسانة تتعلم أن تحيا كل يوم بما فيه من فرح وسعادة بقرب من تحب..
 
 لحظة واحدة شعرت بها بالخوف ومعنى أن يكون الإنسان قريبا من الرحيل تاركا وراءه كل من أحبهم ولم يدرك قيمتهم ووجودهم بأيامه.
 
 هي تلك الخطة التي اكتشفت بها بان ما تبقى لها من أيام تربطها بالحياة قليلة.. هي تلك اللحظة التي يكون الإنسان بها بمواجهة مع العمر كله يراه بمكان وهو بمكان آخر يبعد عنه ليودعه دون أن يملك خيار آخر يجدد به الأمل بالبقاء.
 
 نظرت لأطفالها وكأنها تراهم للمرة الأولى وكأنها تكتشف معنى وجودهم بحياتها.. هذا الوجود الذي لطالما كان سببا في تذمرها مرات ومرات ومدعاة لشعورها بالتعب والمسؤولية.
 
 نظرت إليهم واكتشفت بأنها لم تتعلم أن تحبهم كما يجب... أن تمنحهم الحب كما يجب أن تقضي أوقاتها معها تشاركهم أيامهم وأحلامهم وتكون جزءا منها عوضا عن كل ما كانت تقوم به من تأدية لاحتياجاتهم فقط غير قادرة على تفهم نوع آخر من الاحتياج لا يمكنهم أن يعبروا عنه لكنهم يشعرون بعدم وجوده في كل مرة يقتربون منها مطالبين بان تكون أما بلا قيود..
 
 استعادت رؤيتها للحياة وكيف تعاملت مع الأيام ومع الآخرين.. كيف حملت هم العمر والأيام وتفاصيلها الصغيرة لتفقد قدرتها على أن تحيا هذه الحياة ولو بقليل من الفرح الذي يمنحها السعادة
 
 أن تحيا دون أن تفكر بالغد الآتي... أن تعيش اللحظة بكل ما فيها لتتمكن من ان تكون كما تريد.
 
 هي اليوم اقرب إلى الرحيل عن البقاء وكم موجع أن يكون الإنسان قد اقترب من النهايات دون أن يعيش البدايات دون أن يفكر للحظة ما بأنه سيغادر كل من أحبهم ليكتشف انه احبهم دون ان يتعلم كيف يحيا بهذا الحب ليتغلل إلى أعماقه ويشعره بقيمتهم.
 
 في هذه اللحظات يصبح الإنسان عاجزا متمسكا بالحياة التي كان لفترات سابقة يتعامل معها من زاوية واحدة أنها لم تقدم له ما يستحقه وما يحلم به ليكتشف بان كل ما تمناه وغضب لأجله لا يستحق لحظة واحدة من الشعور بمعنى الرحيل عنها..
 
 أرادت أن تقترب من كل الذين أحبتهم ولم تراهم كما هم بعد أن عجزت عن أن تحيا بهذا الحب كما هو أرادت ان تخبرهم بان وجودهم بحياتها ليس عابرا بل هو كل ما تملكه وستغادره.
 
 أرادت أن تحيا عمرا جديدا لتودع الحزن ولتفهم معناه الحقيقي عندما يطرق أبواب نفوسنا ويحولها لنفوس متعبة عاجزة ليكون حينها حزنا وألما لا حدود له.
 
 أرادت أن تستعيد كل ما مضى وتتعلم كيف تحيا تمر مرور الكرام من أمام غضبها وتوترها وحزنها لا يستوقفها اي منهم لأنها تحب الحياة ولا تزال تحلم بوجودها بين كل من أحبتهم.
 
 لكنها تشعر بالخوف وجسدها يرتعش.. لا تقوى على الحديث ويداها عاجزتان عن طلب المساعدة ممن حولها اتراها رحلت..؟
 
 أتراها عاجزة عن تقبيل أطفالها للمرة الأخيرة وإخبارهم عن أسفها لكل ما بقلبها من حب لهم لم تمنحهم إياه كما يريدون..
 
 أتراها الآن في عالم أخر لا احد يسمعها... ليتها الحياة تمنحها يومًا آخر.. يوم واحد فقط تعيد ترتيب أيامها كما تتمنى وتعيشها وكأنها لن ترحل أبدا..
 
 يوم آخر كان بصورة لم ترها من قبل..
 
 هو ذاك اليوم عندما سمعت صوت أطفالها للمرة الأولى وهم حولها وينادونها لتصحو وتساعدهم للاستعداد للذهاب إلى مدارسهم..
 
 مدت يدها لهم وهي ترتعش وحضنتهم وحدقت بملامحهم جيدا.. فهي لم ترحل بعد لكنها شعرت بوجع أثقل قلبها ونفسها.. شعرت بالخوف الحقيقي للمرة الأولى بحياتها.. لتكتشف معنى الحياة من جديد بيوم آخر، بعد أن عاشت تجربة الرحيل بأحلامها التي كانت تحياها بطريقة أخرى.. لتدرك بان الحياة خيارات..
 
 وكم تنقلنا الأحلام من حال لحال وتغير قلوبنا ونفوسنا إلى الأبد..

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم الحياة من جديد حلم الحياة من جديد



GMT 05:44 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

«إفطار المحبة»... من حكايا دفتر المحبة (٣)

GMT 04:16 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

هدايا «عيد الأم»

GMT 09:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 05:12 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 14:47 2023 الخميس ,20 تموز / يوليو

كلماتك الإيجابية أعظم أدواتك

GMT 11:40 2023 الأربعاء ,17 أيار / مايو

كبار السن بين الألم و الأمل

GMT 09:39 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:27 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني
 العرب اليوم - ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني

GMT 07:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل
 العرب اليوم - حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل

GMT 10:43 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية
 العرب اليوم - ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab