كبار السن بين الألم و الأمل

كبار السن بين الألم و الأمل

كبار السن بين الألم و الأمل

 العرب اليوم -

كبار السن بين الألم و الأمل

الدكتورة سارة طالب السهيل
بقلم : سارة طالب السهيل

كعادتي أسأل عن من ربطتني بهم علاقات حميمة من مختلف الاعمار، ومنهم صديقة من كبار السن
سألتها عن حالها وأحوالها ، فقالت انني في أحسن أحوالي بعد ان شربت كأس الرضا بما قسم الله لي في الحياة .
فقلت لها هل صحتك جيدة؟  حمدت ربها وشكرت قائلة ، ان الزمن كعادته يحفر ذاكرته وحوداثه فينا فيترك بصماته من الآلام الجسدية والضعف والوهن وأحيانا العجز عن أشياء  يومية بسيطة كنا ننجزها في الشباب بكل سهولة ويسر
فقلت لها كم يؤلم ذلك ؟سارعتني في البداية كنت أتحسر على قوة الشباب التي غادرتني ، وأتألم كثيرا من شعوري بالعجز وضعف الحركة وحاجتي للأخرين ومساعدتهم في بعض الاشياء ،أما الآن فقد هضمت التجرية بعد ان أيقنت انها من فعل الله وحكمته في خلقه وهي اننا بشر فينا من عوامل النقص الكثير، ولولا هذا النقص ما اكتملت دورة الحياة بنا على الوجه الاكمل الذي يرده خالقنا .

فهذا النقص قد تكمليه انت لي بانجاز عمل لي او تسارعي بأخذي للمستشفى للعلاج ، أوترسل لي كهربائي لاصلاح العطل ، و تكملين نقصي وعجزي فتأجري من الله وتتحقق المودة والرحمة ويشيع الحب بالكون .
قلت لها كيف تدركين الحكمة مع الشعور بالضعف والعجز؟ قالت كنت بالشباب اعتمد على نفسي وعلى طاقتي وحيويتي ،أما اليوم فأنا أتوكل على الله وحده وأستعين به وحده واسأله من فضله وحده ، خلاص رميت حمولي على خالقي فتولى أمري وهون علي ما ينتابني من نقص بالنوم والام الامراض المختلفة وصارت كأنها شئ عادي يحدث يوميا كما نأكل ونشرب ونتنفس .

وتابعت : ادركت مع العجز والضعف ضرورة ان يقوم كل واحد منا بمسئولياته خلال مراحل العمر المختلفة ، فاذا كان الشباب اجتهاد وعمل واثبات الذات وتربية الابناء ، فان التقدم بالعمر يصرف عنك الكثير من هذه المسئوليات ، ويلقي بها الى الابناء والاحفاد فهذه سنة الحياة .
قلت لها انك تتعاملين مع الكبر بمشاعر سهلة ميسرة فماذا عن الوحدة وانشغال الابناء بمسئولياتهم او بمتعهم الخاصة بعيدا عنك ؟ ضحكت ضحكة من يعتصره الألم قائلة كنت بالشباب مشغولة جدا عن أمي بينما كانت تنظر قدومي من العمل بفارغ الصبر كي استمع اليها تفاصيل يومها او تشتكي لي ما يؤلمها من الامراض ، اوفقط تتبادل معي الحديث وكأنها تتنفس الهواء الذي تحتاجه لتكمل باقي عمرها في أمان وسلام من الرحمن وكنت استمع لشكواها ،بينما كان ذهني مشغولا عنها بتفاصيل العمل واجهاده ومشاكله حتى خضت التجربة اليوم بكل معانيها .

سألتها تشعرين بالوحدة والعزلة ، نعم وانشغال أبنائي عني بأصحابهم وموبايلهم  ودنيتهم الخاصة ، وكأني فقط عايشة لخدمتهم واعداد الطعام لهم دونما ان يشعروا  بأمراضي  وضعفي ، وللأسف الاجيال اليوم اكثر أنانية يأخذون ونادرا ما يعطون سألتها كيف ؟ قالت كثيرا ما يشتد علي الآلام فأصرخ من شدتها وهم بالبيت  لايسمعون صراخي لانهم واضعين السماعات بأذنهم ، وكثيرا ما أطلب منهم المساعدة في بعض مراحل اعداد الطعام عندما تعتصرني الآلام من الامراض فيرفضون مدعين انهم مشغولين بالمذاكرة او العمل ، بل انه كثيرا ما يعبرون عن سخطهم من مشكلة تواجههم فيصبون غضبهم وانفعالاتهم علي دونما خطأ مني ارتكبته بحقهم .

قلت لها وما الذي بات يسعدك بهذا العمر، قالت ان يشعر ابنائي بضخامة الجهد الذي بذلته من أجل تربيتهم ويقدروه ويتعاطفوا معي عندما يشتد علي المرض ويضموني الى صدرهم كما كنت أضمهم واحتويهم وهم صغار ويراعوا مشاعري عندما تنتابني مشاعر الحزن المفاجئ او الاكتئاب ،ويستفيدوا من خبرتي بالحياة فهي من أثمن التجارب التي يمكن ان تحميهم بالحياة ، ويمطروني بمشاعر الاحترام والتقدير
خاصة وانني على مشارف الرحيل عن الدنيا، أحب ان أجد حصاد ما زرعته من حب واخلاق ورحمة قد صار أخضر يانعا .

حوار صديقتي العزيزة خوفني ورعبني  من مفهوم الزرع و الحصاد ، فكيف يفني الاب والام او الاجداد عمرهم في خدمة ورعاية ابنائهم ، بينما الابناء ينشغلون بأنفسهم وحياتهم الخاصة ،ولماذا كل هذه الانانية من الابناء ؟ فالحياة أخذ وعطاء ورد الجميل لكبار السن من أمتع لحظات عمر الانسان ، فكيف للانسان ان يحرم نفسه من هذا العطاء الجميل والمشرف؟
فلولا كبار السن  ورعايتهم لنا ما كنا  تربينا ولا تعلمنا ولا تخلقنا بالاخلاق ، ولولا رعايتهم ما كنا نتمتع بالصحة والعافية التي نحيا بها اليوم آمنين ، ولولا ما وفروه لنا ايضا من حب وحنان ما كنا بشرا أسوياء يحترمنا الناس  ولولا دعائهم المستمر لنا بالقبول والتوفيق بالحياة ما وفقنا في اعمالنا وحياتنا الخاصة فدعائهم مجاب لانهم صاروا اكثر قربا من الله ، واحترامهم ورعايتهم ومؤانستهم حق علينا وفرض عين  ورد الجميل الذي يحي به الانسان معززا مكرما بدعوة والديه واجداده اذا احسن رعايتهم وتودد اليهم وأمطرهم احتراما وتبجيلا .
فكبار السن يحتاجون الى من يضمد جراح السنين الغائرة بقلوبهم من حوادث الدهر ، ويحتاجون الى كلمة طيبة تسعدهم وابتسامة في وجوههم تعيد لهم احساسهم بالحياة ، والى من يؤانس وحدتهم ويسمع شكواهم دونما تململ والى يد حانية تطيب جراحهم ، والى قبلة على وجنيتهم تشعرهم بالحب والحنان والامتنان والتقدير
فلنسارع جميها الى اقاربنا وجيراننا ممن تقدم بهم العمر ، ولنقدم لهم بعض الهدايا البسيطة ، ولنعبر لهم عن حبنا وامتناننا بوجودهم وبقيمتهم الكبرى في حياتنا ، ولنحتضنهم ونطلب رضاهم ونقبل أيديهم ، بل وأخذ رأيهم في بعض المشكلات فهذا يجبر خاطرهم ويشعرهم بأن الحياة لا زالت تطلبهم وتستفيد منهم و يجب ان نزرع بهم الامل و السعادة و ترك اليأس و الحزن و الوحدة بل ان نساعدهم على التواصل مع الاصدقاء و ان كان بإمكانهم العمل و القراءة و ممارسة الرياضه والهوايات و ان كان بالامكان السفر و التنزه بالحدائق بين احضان الطبيعة و محاولة ايجاد نشاطات لهم لملء فراغهم بشيء ممتع ومفيد حسب رغبتهم و ان نجتمع العائلة في منزلهم و لو مرة في الاسبوع و ان نعتني بهم صحيا و نؤمن لهم المأكل و المشرب الصحي و العلاج و المتابعات الطبية و ان لا نترك لهم امرا معلقا الا و ننجزه لهم و يجب ان ندخلهم في عالمنا فيواكبون العصر وان لا يشعروا انفسهم غرباء على المجتمع و كل الاجهزة المتطورة او الالكترونية و يجب ان نتكلم معهم طويلا و ان نستمع لهم عن مسيرة حياتهم اكثر لانهم يحبون الحديث عن الماضي ليس فقط لنكتسب منهم الحكمة و الخبرة لا بل لنقدم اهم ما لدينا من حسن اصغاء و حب و عطاء و لا بد ان نفسر لهم ان الكبر ليس عجز انما العجز يأتي بإرادة الانسان نفسه ان اراد ان يكون منجزا و قادرا سيواصل العطاء حتى اخر لحظه بحياته و من اراد الكسل و الاستسلام سيستسلم للآلام و الامراض و العجز و الكسل و اكبر مثال سيدات اوروبا في عمر التسعين و المئة تمشي و تخرج و تتنزه وتشتري مستلزماتها وتعيش حياتها بشكل طبيعي
حبوا الحياة و لا تيأسوا عيشوا لاخر لحظة سعداء و اصحاء و اعملوا خيرا ما يرضي الله .
 
سارة طالب السهيل

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبار السن بين الألم و الأمل كبار السن بين الألم و الأمل



GMT 09:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 05:12 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 13:36 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

الذوق من القلب للقلب

GMT 13:50 2022 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

إيه فيه أمل!

GMT 15:38 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

الطلاق التعسفي

الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:02 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025
 العرب اليوم - ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025

GMT 12:37 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

دينا الشربيني سعيدة بتعاونها للمرة الأولى مع حسين فهمي
 العرب اليوم - دينا الشربيني سعيدة بتعاونها للمرة الأولى مع حسين فهمي

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

GMT 04:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

قصف متفرق على أنحاء غزة والاحتلال ينسف مباني في جباليا

GMT 18:10 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 10:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 12:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كاليدو كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 13:17 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

راموس يرفض اللعب في كأس العالم للأندية 2025

GMT 13:27 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

منافسة إسبانية سعودية لضم الإنكليزي ماركوس راشفورد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab