بقلم : فاطمة ناعوت
عام جديدٌ يطرقُ الأبواب، ندعو الله أن يكون حاشدًا بالسلام والمحبة والرحمة والتراحم بيننا. وأدعو الله أن تكون هديةُ العام الجديد من مصرَ والأزهر الشريف للمصريين، المسلمين والمسيحيين، هى حلّ مشكلة «الطفل شنودة فاروق» لكى يعود لأمّه التى يقتلُها الحَزَن كلَّ يوم، وأبيه الذى لا يعرفُ الراحة منذ تركه طفلُه منذ شهور، ليودَع دارًا للأيتام، وما هو بيتيم. الأمومةُ والأبوة ليستا إلا بالرعاية والاحتواء والانتماء والحب، لا بالولادة والهجر. الطفل الصغير ذو الأعوام الأربعة لا يدرى شيئًا مما يجرى حوله، ولا يدرى لماذا انتُزع من حضن أمّه وأبيه. هذا الطفل لن يزيد الإسلامَ شيئًا بانتمائه إليه، ولن يزيد المسيحية شيئًا بانتمائه إليها. هو فقط حائرٌ وحزين يريد العودة إلى دفء البيت، الذى لم يرَ غيره منذ وُلِدَ وتُرك وحيدًا منذ يومه الأول فى الحياة.
أشجارُ الميلاد تملأ جوانب مصر والعالم، تعدُنا بالأمل والرحمة وعامٍ سيكون أرحم من سابقه بإذن الله الرحمن الرحيم. والآن، دعونى ألقى عليكم أجمل ما دخل مسامعنا من شدو بصوت الجميلة «فيروز» تحكى عن «شجرة الميلاد».
«بدّى خبركم قصة صغيرة/ صغيرة القصة/ وإنتوا صغار/ نحكى وبتصير الليلة قصيرة/ بكرا انشا الله تصيروا كبار/ ليلة عيد/ فرح جديد/ والأطفال انوعدوا/ بالطفل السعيد/ غِنيّات/ لعب وزينات/ وتتزين الشجرة/ للميلاد السعيد./ وكان فيه ولاد/ نسيت الأعياد/ نسيت تزورهم/ بليلة الميلاد/ بيتهم بعيد/ والقرش بعيد/ وما عندهم تا يزينوا/ شجرة الميلاد/ صاروا يصلّوا/ ويركعوا يصلّوا/ يمكن صلاتهم بكّت الدِّنى/ وكان فيه برّا/ عندهم شجرة/ شجرة عمرها/ شى مِية سِنى/ وفيه رفّ عصافير/ ملوّن حلو كتير/ وبدّو يبيت/ وما بقا بكّير/ غطّ بها الشجرة/ صارت صفرا وحمرا/ وطلّوا الأولاد/ واتزينت الشجرة./ وفرحوا كتير/ بالزينة اللى بتطير/ صاروا يغنوا/ ويغنوا العصافير/ ونزل العيد/ عَيِّد معهم العيد/ ومن عا بكرا سلِّموا/ وطاروا العصافير/ خبرناكم قصة صغيرة/ صغيرة القصة/ وإنتو صغار/ حكينا وصارت الليلة قصيرة/ وبكرا انشا الله/ تصيروا كبار».
زقزقت فيروز بصوتها العذب تلك الكلمات لكى تقول إن السماءَ أبدًا لا تنسى الأطفال، ولا تنسى الفقراء. وهنا أطفالٌ وفقراء. نسيهم العيدُ. فتّشوا فى جيوبهم، فلم يجدوا قروشًا ليزينوا شجرة الميلاد. فلم يفرحوا مثلما فرح أطفالُ الأثرياء. صلّوا للسماء، حتى أبكت صلاتُهم الدنيا. فأنصتتِ السماءُ لدعائهم. وبدلًا من أن تمنحهم قروشًا يشترون بها شجرة بلاستيكية خضراء، مزينة بالشرائط الملونة، والزهور والنجوم، قررت أن تمنحهم ما هو أرقى. أمرتِ السماءُ الطبيعةَ أن تمنحهم شجرةً حقيقية، عند باب كوخهم. ثم زينتها لهم بلوحةٍ حيّة من الألوان المتحركة الطائرة. عصافيرُ ملونةٌ حدث أن تأخرت عن موعد رجوها إلى بيتها، ففكرت أن تبيتَ الليلةَ فى شجرة الأولاد. فمنحت شجرتهم زينةً وألوانًا، لا تشبه زينةَ شجرات الأولاد الآخرين التى صنعها الإنسان. تلك شجرةُ الله، تلوّنت من باليت ألوانه الغنية. وهل أكثرُ فتنةً وسحرًا من ريشة الله المدهشة؟!.
حكت لنا «فيروز» تلك القصة الصغيرة، الثرية، لتخبرنا أن اللهَ لا ينسانا. أما أنا، فأحكى لكم هذه القصة القصيرة، لأخبركم أن السماء تحبّنا، نحن المعاصرين هذه اللحظة من الزمن. لأن الله منحنا فرح أن نعاصر أيقونةَ جمالٍ فريدة، لا يمنحها الزمانُ لكل عصر، اسمها «فيروز». فى مثل هذه الأيام الخريفية المخاتلة، قررتِ السماءُ أن تمرّ بريشتها الحنون على كوكبنا المحزون بالحروب والطائفية والأحقاد والعنف، ليجرّب السلامَ والفرح، فمنحتنا «فيروز» فى أواخر شهر نوفمبر. لكى تهمسَ لنا: «الأرضُ لنا/ وأنتَ أخى/ لماذا إذن/ تخاصمنى؟/ فهذى يدى/ وهذى يدك/ هذى يدى/ فهاتِ يدك». أنجب كوكبنا الطيبُ الطفلةَ نهاد حداد، التى ستكبر يومًا بعد يوم لتغيِّر، مع الرحابنة، وجهَ القصيدة، ووجهَ الموسيقى، ووجهَ الغناء، ووجهَ الطفولة، ووجهَ الجمال، ووجه الرحمة والأمل.
فى ألبومها الجميل «إيه فيه أمل»، كانت فيروز من الرُّقى، والعلوّ على الخلافات والصغارات وساحات المحاكم، بحيث رحّبت بتغيير كلمات إحدى أغنياتها القديمة «باكتب اسمك يا حبيبى على الحور العتيق»، مع توزيع موسيقى جديد، لتحمل الكلماتُ الجديدة بطاقة عرفان ومحبة للأخوين الراحلين عاصى ومنصور. «ترجع ذكرى يا حبيبى/ عن عاصى ومنصور/ ع أرض إلياس العتيقة/ كل شىء حوله جسور/ بكرا بتشتى الدنى/ والطرقات مزيحة/ ويبقى اسمهم قدّ الساحة/ ما عم ينمحى». هكذا ينتصرُ الجمالُ على القبح، وتنتصرُ الرحمةُ على القسوة، وأهدى هذى الأغنيات الحاشدة بالأمل والرحمة للطفل شنودة، الذى أثقُ أن القلوب سوف ترقُّ لحاله، كما رقّت السماءُ لحال أولئك الأطفال الفقراء، فيحتفل بالعام الجديد مع أمّه وأبيه، ويزيّن شجرة الميلاد معهما. آمين.