مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ

مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ

مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ

 العرب اليوم -

مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ

ياسمين الحاج

منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، عرف المجتمع المدني انتشارا ملحوظا لمنظمات و جمعيات حكومية و غير حكومية، والتعددية كاختيار مغربي أكده دستور 2011 قام بتوسيع حقل الحريات العامة ، فالمجتمع المدني اليوم يعتبر شريكا للدولة بالنسبة للمؤسسات الدستورية، وشريكا على مستوى وضع الإستراتيجية التنموية وعلى مستوى الصياغة، ثم على مستوى تفعيل السياسات العمومية ،مكسبا للدولة يضمن الاستقرار واغناء وإثراء الجانب الفكري والثقافي والانفتاح على جميع المؤسسات العمومية وغير العمومية مما يسهل الامتداد للهوية المتنوعة والمختلفة ومما يترجم التوجه الجديد في الدساتير البرمجاتية التي تبنى على أساس الديمقراطية التشاركية، أي إشراك المجتمع كفاعل رئيسي في علاقته مع الدولة .
 فالغاية الأساسية من نشوء جمعيات المجتمع المدني هو إعطاء مكونات المجتمع المختلفة للمساهمة في حل المعضلات الاجتماعية القائمة او تلك التي يمكن أن تنشأ بالمستقبل ، في الأمور التي تخص الحياة اليومية للمواطن وتتطلب المشاركة الرسمية والشعبية ، كالتربية والتعليم والصحة ، والحفاظ على البيئة ، وحقوق الطفل او المرأة او أي فئات أخرى تشعر بالغبن وغيرها من شؤون الحياة اليومية الاخرى . كما ان هذه الجمعيات تشكل جزء من سلطة الرقابة الشعبية على أداء المؤسسات الجكومية المختلفة ، فهي برلمان شعبي رديف للبرلمان الرسمي للدولة . تتجلى وظائف الجمعيات المدنية هذه، في الفصل 12 من الدستور الذي ينص «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون». كما ينص على ذلك الفصل 13 «تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتقييمها»، والفصل 139 الذي جاء فيه «تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتسيير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله». ينص الدستور أيضا، على مجموعة من الحريات الفردية والجماعية التي تدخل في اختصاصه كالحق في التنمية الذي أصبح حقا دستوريا، والدستور الحالي يشدد في الفصل 36 على وضع مخطط للتنمية المحلية من طرف الجماعات المحلية يشرك المجتمع المدني بشكل إجباري كفاعل في إعداد المخططات . على ان هناك وظيفة أخرى مهمة تهدف جمعيات المجتمع المدني تحقيقها، وهي أنها تمثل وسيلة لتنمية القدرات الخاصة لإفراد المجتمع في المساهمة وتعبئة الجهود بالشكل السليم للمساهمة في الخدمات الاجتماعية ، وبث روحية التسامح وترسيخ الوحدة الاجتماعية ، والإعانة على فهم فئات المجتمع لبعضها البعض ،وحفز النشاطات من اجل تحقيق التنمية بكافة أشكالها البشرية ، والاقتصادية والثقافية .
من هنا تأتي المساعدات والدعم الحكومي المالي للجمعيات كنوع من عملية استثمار تنموية . إلا أن غياب التدبير العقلاني والممنهج للاختلافات داخل مكاتب الجمعيات ساهم في انبثاق ظهور جمعيات كالفطر متعددة الأهداف شكلا في القوانين الأساسية ، لكن الملاحظ أن هذا التعدد بالأهداف لم يعطي ثماره كثيرا ، ولم يتخذ مساراته السليمة ، فتبدو بعض الجمعيات وكأنها تشكيلات عصبوية (عصابات)  ليبرز هذا الإنسان اسمه او يؤكد ذاته لأسباب في أعماقه ، او حتى طمعا في الحصول على الدعم المالي ليدعم الدعاية الشخصية لنفسه  ، في غياب سياسة المحاسبة والمتابعة ونهج سياسة المحسوبية للتوزيع العشوائي للمال العام والسرقات المبرمجة تحت لواء الملتقيات والمهرجانات والانشطة الوهمية لذلك نجد البعض يشارك او يؤسس جمعيات متعددة بأسماء مختلفة لا تختلف  عن تكوين عصابات الا باطار هيئة بمستندات قانونية . لا همهم المصلحة العامة ولا احتياجات المجتمع ...
أن من الطبيعي جدا ان تتعدد نشاطات الفرد في مجال الخدمات المجتمعية ما يشجعه على المشاركة في أكثر من جمعية ذات أهداف ونشاطات مختلفة في مجالاتها واهتماماتها ، وليس فقط أسمائها ، الا ان الملاحظ هو كثرة الأسماء التي تتضمن نفس الأهداف لنفس الأشخاص او المؤسسين. ترتب على هذه الظاهرة وجود عمل جمعوي عددي لا يساوي حجم النشاطات التي يحتاجها المجتمع فعلا لتحقيق الغاية من وجود هذه الجمعيات ، ودون أن تكون لها رؤية استراتيجية واضحة المعالم للنهوض بالحركة الثقافية والاجتماعية والتطوعية بالدولة، ووضع بصمة مجتمعية يشار لها بالبنان في عملية التنمية التي تعيشها المملكة .
ومن المؤلم حقا أن تجد كثيراً من الجمعيات التي لا يوجد لها دور أو تفعيل، ولا تحمل من النفع العام سوى الاسم،و أغلب الأعضاء فيها تقتصر عضويتهم في الجمعية على إضافة لسيرتهم الذاتية الخاصة بهم،في غياب إحساسهم بالمسؤولية وثقافة التطوع همهم الوحيد هو كيفية الحصول على الدعم المالي وان غاب غابوا و ابرزوا صورهم في انشطة لا يعرفون عنها سوى الشعارات،  تأكيدا لما هو ذاتي وشخصي على حساب القضايا المهمة التي تلح عملية التنمية على حلها او المشاركة بحلها ، فصار التسابق على الظهور الإعلامي والظهور بالواجهة وعلى حساب أي خدمات اجتماعية حقيقية ، وكأنه الغاية النهائية والأولى لمثل هذه الجمعيات. ما يجعل منها مجرد واجهات لكسب الاعتبار للشخصية او حملات انتخابية ، فاي دور لهيئات المجتمع المدني بدون مردودية ايجابية فعلية على المواطن في تأطيره وتنمية مداخيله ودفعه الى القدرة على الإنتاجية والإبداع، وتفعيل الأدوار، و الاندماج الايجابي والفعال في مجتمعه  في غياب الشفافية في التسيير والتدبير لتتحول الى عبأ على المجتمع وعملية التنمية الشاملة؟؟ .

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ مؤسسات المجتمع المدني بين غياب المسؤولية والتفريخ



GMT 05:44 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

«إفطار المحبة»... من حكايا دفتر المحبة (٣)

GMT 04:16 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

هدايا «عيد الأم»

GMT 09:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 05:12 2023 الجمعة ,18 آب / أغسطس

هل للطفل مطلق الحرية ؟

GMT 14:47 2023 الخميس ,20 تموز / يوليو

كلماتك الإيجابية أعظم أدواتك

GMT 11:40 2023 الأربعاء ,17 أيار / مايو

كبار السن بين الألم و الأمل

GMT 09:39 2023 الأحد ,05 شباط / فبراير

وما أدراك ما أشباه الرجال!

الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:02 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025
 العرب اليوم - ألبانيا "جزر المالديف الأوروبية" أفضل وجهة سياحية لعام 2025

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab