يمر الاقتصاد الصيني الآن بمرحلة إعادة التوازن من الاستثمار المدفوع بالديون باتجاه الاستهلاك -- وهي عملية ربما تؤذي النمو، بيد أنها سترسي أساسا صلبا للتنمية المستدامة ما يصب في مصلحة الصين والاقتصاد العالمي، وفقا للخبراء.
وفي تقريره الأخير حول الأفاق الاقتصادية العالمية، قال البنك الدولي إن الصين تواجه تحدى احتواء نقاط الضعف المالية على المدى القصير، بينما تضع النمو على الأمد الطويل على قدم آمنة.
وتوقع البنك أن يتباطأ الاقتصاد الصيني إلى 7.1 بالمئة في عام 2015، حيث ستؤدي الإصلاحات الهيكلية الصينية، مثل سحب الحافز المالي تدريجيا واستمرار الإجراءات التحوطية لإبطاء النمو في الاعتمادات غير المصرفية، إلى تباطؤ معدل النمو.
وعلى الرغم من تباطؤ النمو، ينظر الخبراء على نطاق واسع إلى مسار واتجاه الإصلاح في الصين بشكل ايجابي، حيث يظهر التاريخ أن الإصلاح قد ساعدها أن تصبح واحدة من القوى الاقتصادية العالمية المهيمنة.
-- إعادة التوازن في تقدم
قال هوانغ يي بينغ، الأستاذ بجامعة بكين، في منتدى عقده مؤسسة بروكينغز للأبحاث في واشنطن مؤخرا، إن " مشاعر الناس (حول الوضع الاقتصادي) أكثر إيلاما بكثير مما تبينه الأرقام الرئيسية. لكنني لست متشائما".
ويمكن رؤية بعض التغيرات الايجابية في الاقتصاد، وفقا لهوانغ، موضحا أن حصة الاستهلاك بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي تُعدل، وقطاع الخدمات بالفعل أكبر من قطاع التصنيع، ولهذا السبب لا تشكل البطالة تحديا بينما يتباطأ الاقتصاد، كما يلحظ أيضا الابتكار في مجالات مثل التسوق الالكتروني والتمويل على الانترنت والتسليم السريع.
وقال ريان روتكويسكي، محلل أبحاث الصين في معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية، لوكالة ((شينخوا)) إن إعادة التوازن الخارجي للصين حقق أكبر قدر من التقدم في السنوات الأخيرة، مثل التراجع الحاد في فائض الحسابات الجارية بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي، وارتفاع قيمة اليوان الصيني، وزيادة الاستثمارات الخارجية.
وأضاف روتكويسكي انه مع عملة قوية، يمكن للشركات والإفراد الصينيين استيراد المزيد من السلع والخدمات من بقية العالم، ويمكن أن تستثمر الشركات الصينية المزيد في الدول الأخرى، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي الصيني والاقتصاد العالمي.
وبلغت الاستثمارات الصينية الموجهة للخارج 102.9 مليار دولار أمريكي في عام 2014، متجاوزة عتبة الـ100 مليار دولار لأول مرة . وتوقعت وزارة التجارة الصينية أن تصبح الدولة مستثمرا صافيا خارجيا في المستقبل القريب، ما سيشكل نقطة تحول تاريخية.
--توقعات عالية للاصلاح
وقال روتكويسكي إن الصين لو أوفت بالتزاماتها الواردة في الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني في 2013، فإن إعادة التوازن من المرجح أن يستمر.
وقدر البنك الدولي ان أجندة الإصلاح المعلنة في 2013 يمكنها زيادة الناتج الصيني بنسبة 2-3 بالمئة على المدى الطويل.
وقال ارثر كرويبر، وهو باحث بارز غير مقيم في مركز بروكينغز- تسينغهوا، في منتدى بروكينغز إن تقدم الإصلاح في الصين يمضي للأمام بخطى أسرع من توقعات السوق.
وفي عام 2014، طرحت الصين برنامجا للإصلاح المالي سيعيد تصميم النظام الضريبي ونظام تمويل الحكومة المحلية في غضون سنتين، واتخذت خطوة باتجاه تحرير سياسة تسجيل الإقامة الدائمة في البلاد، وهي خطوة مهمة جدا لتحرير انتقال العمالة.
كما ألغى البرنامج رأس المال المسجل ومتطلبات التسجيل الإدارية للشركات الجديدة ما يزيل دور حارس البوابة للكثير من الوكالات المحلية وييسر إقامة الشركات الخاصة الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد عززت تحرير نسبة الفائدة على الودائع وأصدرت مسودة قواعد للتأمين على الودائع. كما ربطت بين بورصتي هونغ كونغ والصين، وهو تغيير جوهري في افتتاح حسابات رأس المال.
وقال كرويبر " هذه قائمة رائعة جدا، ولا اعتقد انك يمكن أن تجد دولة واحدة استطاعت أن تنجز الكثير من حيث الإصلاحات الاقتصادية في عام واحد".
وفي منتدى بروكينغز، قال لو فنغ، الأستاذ بجامعة بكين، ان الإصلاح الاقتصادي الصيني لو سار بسلاسة ونجاح، سوف تستمر الزيادة في الإنتاجية.
وأوضح أن الصين سوف تكون قادرة على توفير المزيد من السلع لبقية العالم وفي نفس الوقت تستورد المزيد، وهو ما سيعود بالإيجاب على الاقتصاد العالمي.
وأضاف البروفيسور انه فضلا عن زيادة استثماراتها في الخارج وإقامة مؤسسات تنموية دولية متعددة الإطراف، يمكن أن تلعب الصين دورا اكبر وأكثر ايجابية في وضع إطار العمل والقواعد الدولية.
أرسل تعليقك