الرياض – العرب اليوم
في الوقت الذي يشهد فيه العالم قفزات علمية هائلة، حولت ما كان يٌنظر إليه باعتباره من المعجزات إلى واقع ملموس، بقي البعض قابعين في غياهب الجهل والخرافات، ومازالوا يلهثون خلف السحر والشعوذة طلبا لعلاج أو أملا في تحقيق حلم قديم، أو الانتقام من آخرين، مستعينين بعدد من السحرة الذين لا يهدفون إلا لتحقيق الربح الحرام عبر العبث بعقول البشر. وتم اقتحام هذا العالم، لتكشف أسراره، وتحل ألغازه، والتفاصيل في سياق السطور التالية، واتفق عدد من تعاملوا مع هؤلاء السحرة، على أن الوهم هو المدخل الرئيس، الذي يعتمدون عليه؛ لتحقيق أرباح هائلة، لكنها محرمة لاعتمادهم في جمعها على استغلال أوجاع الناس، والأزمات التي تنغص حياتهم.
أحد ضحايا هؤلاء السحرة يقول: "كنت أنوي الزواج من ابنة عمي، لكن تقدم لها شاب آخر وتزوجها، وحينها شعرت بالحسرة لحبي لها، وتمكن الغم من قلبي، لدرجة أنني وضعت خطة محكمة؛ من أجل سحر ذلك الشاب". وأضاف رافضًا ذكر اسمه: "دلني أحد أصدقائي على ساحر أفريقي، طلب مني مبلغا ماليا؛ لتحقيق هدفي، فأعطيته إياه، إلا أنه طلب مني إتيان أفعال تغضب الله، وحينها شعرت أن الأمر أصعب مما كنت أتخيل، فقررت الانسحاب، لكنه أصر ألا يتركني إلا إذا أعطيته مبلغا جديدا، تجاوز خمسة آلاف ريال، وإلا تعرضت للضرر، ولم ينقذني منه إلا لطف الله بي".
وذكر أحد أعضاء الحسبة، والذي فضل عدم نشر اسمه، أنه تلقى بلاغا، قبل شهور عدة، من شخص يعمل سائق أجرة في مكة، يحكي خلال بلاغه، أن إحدى السيدات، وكانت تعمل معلمة، طلبت منه توصيلها إلى أحد أحياء العاصمة المقدسة، وصارحته في أثناء الرحلة، بأنها تريد منه أن يذهب بها إلى أحد السحرة الأفارقة، فوافق؛ حتى يمكنه الإبلاغ عنها لضبطها.
وأضاف عضو الحسبة: "أثناء خروج تلك المعلمة من منزل الساحر، تم ضطبها، واقتحام منزله للقبض عليه، وكانت شقته مليئة بالطلاسم والخزعبلات".
وأشار رجل الحسبة إلى أن توقيف هذا الساحر جاء بالتعاون مع السائق، الذي كان حريصًا على إنقاذ المجتمع من الأضرار المترتبة على السحر والشعوذة؛ للقضاء على هذا الظواهر التي تكون سببًا في إلحاق الضرر بالمسلم، لافتا إلى أن التحقيق مع تلك المعلمة، كشف عن أنها كانت تريد أن تسحر لمديرتها لخلاف، وقع بينهما داخل المدرسة.
وعلق مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية الشيخ الدكتور صالح بن إبراهيم الدسيماني، في مكة سابقا وعضو الدعوة، على هذا فقال: "لا شك أن عمل السحر والشعوذة، وما يتبعهما من الأمور المحرمة شرعا، والتي حرم الإسلام إتيان السحرة والكهان، ومن المعلوم أن الجن لا يخدمون الساحر إلا بعد أن يكفر بالله تعالى، ويرتكب ناقضا من نواقض الدين، ولا يلجأ إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين إلا من قل إيمانه وتوكله على الله". وأضاف أن سوق السحرة يروج وينتشر بين ضعاف النفوس، وقليلي الإيمان، والجهلاء، مبينا أنه جريمة تجر الويلات والمصائب على مجتمعات المسلمين.
وأهاب الدسيماني بالمجتمع بالتعاون والتكاتف مع رجال الحسبة؛ للقضاء على هذه الظواهر المحرمة، ولكشف مخططاتهم والتبليغ عنهم حتى ينالوا الجزاء الرادع، لافتا إلى أن الإنسان العاقل، لو فكر في حال السحرة لوجد أنهم من أفقر وأقذر الناس، وفيهم من الجهل ما يكفيهم، مشددا على أن الإسلام شرع قتلهم وضربهم بالسيف حتى الموت.
ويوضح الشيخ فهد المقاطي، إن أغلب طالبي الرقية مصابون بالسحر، ومنهم امرأة كان يعالجها في مكة، حيث كانت تعاني من إسقاط متكرر للحمل، لأعوام عدة، وراجعت العديد من المستشفيات وبذلت ما بوسعها سعيا للإنجاب، لكن لم يكتب لها ذلك، فما كان منها إلا أن لجأت إلى الرقية الشرعية، أملا في تحقيق حلمها بإذن الله. وتابع: "بفضل الله عزوجل وبعد القراءة عليها، وإعطائها بعض العلاجات المقروء عليها شرعيا، حدثت مفاجأة أشبه ما تكون بالخيال عندما خرجت حشرة "أم 44" من جدار البطن، طبقا لرواية أهل المريضة، حملت ورزقت بمولود بفضل الله"، مشددا على أن تلك العوارض سببها إما المس أو السحر.
يروي ، الراقي الشرعي في مكة المكرمة الشيخ فهد المقاطي ، بعض الوقائع الغريبة التي صادفته خلال عمله، على مدار 22 عامًا، في مجال الرقية، ومنها أن بعض المرضى يخبرونه بأن الجن يؤذيهم، عن طريق العبث في البيت، وسرقة الأموال والملابس، أو أشياء أخرى من المنزل، مشيرا إلى أن المرض المفاجئ للأطفال دون أسباب، أو كثرة المشكلات، وقلة التوفيق، كلها علامات على إصابة العائلة أو البيت إما من الجن أو بفعل السحر وربما العين. وأضاف: "الأغرب من ذلك كله ما حكاه العديد من المرضى، عن أن الجن يهددونهم عبر الجوال باتصالات متكررة، أو رسائل من أرقام دائما مغلقة، ويذكر المرضى هذه الحوادث بشهادة أهل المريض".
وذكر الخبير الاجتماعي جابر الفاهمي إن هناك من يسلك طريق السحر والشعوذة لفشله في تحقيق أهدافه الحياتية وهو ما يعني أن الأسباب التي تدفعهم إلى هذا التصرف هي أسباب ذات بعد نفسي، أو عضوي، مشيرا إلى أن علاج هذه المشكلات الآن متوفر في المراكز الاجتماعية، تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية.
وعن كيفية كشف الساحر، يقول الشيخ عبدالباسط قاري: إن السحر يجيد التخفي ويصعب كشفه، إلا أنه عادة ما يستعين بالجن والقرين، ويأمر طالب السحر بإتيان أفعال تغضب الله، مشيرا إلى أنه على الرغم من صعوبة معرفة المسحور أيضا، فإن هناك بعض العلامات التي تشير إلى ذلك، ومنها الصداع الدائم، وضيق الصدر، مع خفقان ملحوظ في ضربات القلب، بشكل غير معتاد، خاصة مع السماع القرآن والذكر، وتصل أحيانا إلى حد البكاء، دون أي سبب يذكر، إلى جانب أن المسحور دائما ما يشكو من مرض لا يعرف الطب له علاج أو ألم بجزء من بدنه لا يُعرف سببه، وكذلك الوساوس العقدية والأفكار الخبيثة، التي تسيطر على المسحور، ويشعر أن بداخله شيء.
أرسل تعليقك